مقالات مختارة

رسالة وارسي: المحافظون لا يتحملون المسلمين

1300x600
وارسي التي لم يحصل أن تقبلها المحافظون بشكل كامل تعرضت لإساءات هائلة لا يتحملها سوى قلة من السياسيين في زمننا.

أمام كل من يطمح من المسلمين الارتقاء داخل صفوف حزب المحافظين واحد من خيارين، إذ بإمكانه (أو بإمكانها) محاكاة ما قام به ساجد جافيد، أحد الأبناء الخمسة لسائق حافلة ركاب باكستاني جاء إلى بريطانيا في عام 1961 وليس في جيبه سوى جنيه واحد. 

رغم أنه نشأ كإنسان مسلم إلا أن ساجد جافيد لم ينافح في حياته يوما عن قضية من قضايا المسلمين، بل ولم تحظ مثل هذه القضايا بانتباهه قط. ولذلك فهو الآن وزير في الحكومة البريطانية. 

أو بإمكانه (أو بإمكانها) محاكاة تجربة سيدة وارسي، ابنة سائق سيارة الأجرة، والتي استقالت من حكومة كاميرون احتجاجا على السياسة البريطانية تجاه الغزو الذي تعرض له قطاع غزة في عام 2014. 

ما فتئت البارونة وارسي تعتز وتحتفي بهويتها المسلمة وبتراثها الباكستاني، وقد دفعت ثمناً لذلك، كما تبين في كتابها الذي صدر بعنوان "العدو من الداخل". 

كانت على مدى عملها في المجال السياسي، والذي انتهى الآن، تتعرض لإساءات هائلة لا يتحملها سوى قلة من السياسيين في زمننا هذا. 

الرسالة الخطأ

ضمها حزب المحافظين إلى صفوفه ولكنه رفض أن يقبلها بشكل تام. ولا أدل على ذلك من أن موقع "بيت المحافظين" كان قد نشر مقالة للمعلق في قناة فوكس نيوز نايلز غاردنر يقول فيها إن تعيين وارسي قد "بعث بالرسالة الخطأ في الوقت الذي كانت بريطانيا تخوض فيه حرباً كونية ضد الإرهاب الإسلامي".

ولم يتوقف كبار المعلقين من أمثال تشارلز مور وتيم مونتغمري عن الهمز واللمز بوارسي. فلم تكن يوما من الأيام موضع ثقة لديهم. وتروي في كتابها كيف أنها حينما عُينت وزيرة دولة في الخارجية البريطانية حاول المكتب المركزي لحزب المحافظين تكليف مستشارها الخاص بالتجسس عليها لحساب الحزب، وموافاة المسؤولين فيه بتقارير حول الأشخاص الذين كانت تلتقي بهم وما الذي كانت تقوله لهم. 

كانت شخصيتها وأفعالها ومعتقداتها مرارا وتكرارا محل تشويه، ولقد كشفتُ عن ذلك في الأسبوع الماضي حينما كتبتُ عن الأسلوب الذي اعتمده بعض من كتبوا مراجعات لكتابها مثل العقيد ريتشارد كيمب ومثل دوغلاس ماري الذين حرفوا عمدا ما كتبته من أجل الانقضاض عليها. 

في نهاية المطاف استقالت وارسي من منصبها في ذروة الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة في عام 2014. فقد كانت مهمتها تقتضي الدفاع عن سياسة الحكومة البريطانية داخل مجلس اللوردات، ووجدت أنها لم تعد قادرة على دعم الحكومة، ناهيك عن أن تدافع عن سياستها، بعد أن رفضت إدانة العدوان العسكري الإسرائيلي. ولقد تقاعدت الآن من السياسة بشكل تام. 

تقول في كتابها إنها ربما ظلت في موقعها ولم تقدم استقالتها لو كان وليام هيغ مازال على رأس عمله وزيرا للخارجية، وأنها وجدت فيليب هاموند (الذي تصفه في مذكراتها بالمحاسب الكفؤ والمتمكن) غير متعاطف معها. كانت استقالتها هي الاستقالة الأبرز والأهم منذ استقالة روبن كوك احتجاجاً على الحرب على العراق في عام 2003. 

أعتقد شخصيا بأن استقالتها مثلت خسارة فادحة لأن وارسي كرست عشرة أعوام من عملها في الواجهة السياسية وهي تسعى بشكل حثيث لإثبات أن بإمكان المرء أن يكون عضواً في حزب المحافظين ومسلما في نفس الوقت. 

أما خصومها المتنفذون في حزب المحافظين فكانوا يسعون في المقابل لإثبات أن المرء لا يمكنه أن يجمع بين الأمرين، فإما أن يكون عضواً في حزب المحافظين أو أن يكون مسلماً. كسب خصومها الجولة، ومن هنا جاءت الحملة المشؤومة لزاك غولدسميث لانتخابات عمدة لندن في عام 2012 والتي شن من خلالها هجوماً على صادق خان لمجرد كونه مسلماً، الأمر الذي استهجنته وارسي وانتقدته بشدة. 

دروس ينبغي أن يتعلم منها المحافظون

يروي هذا الكتاب قصة إخفاق، إذ يشرح كيف أن حزب المحافظين لم يتمكن من تحمل وارسي ولم يعرف كيف يتعامل مع هويتها المسلمة. كلي رجاء في أن تدرسه القيادة الحالية لحزب المحافظين بعناية لما فيه من دروس وعبر كثيرة حري بهم أن يتعلموها. 

ولدت وارسي في مدينة ديوزبري في عام 1971، وكانت واحدة من خمس بنات ولدن لسائق سيارة أجرة. تزوجت وارسي في سن مبكرة وكان زواجها مرتباً من قبل العائلة. 

لا تخبرنا وارسي بالكثير عن تلك الفترة من حياتها، رغم أنها تكشف في الكتاب عن أنها عندما كانت في مطلع الثلاثينيات من عمرها تعرضت لما تصفه بأزمة "منتصف عمر" مبكرة، تمخضت عن طلاقها. توجهت بعد ذلك إلى الباكستان في سعي منها للبحث عن هويتها، إلا أنها تمر في الكتاب مروراً سريعاً بتلك الفترة التي من والواضح أنها كانت فترة شاقة دون إعطاء مزيد من التفاصيل. 

بعد عودتها إلى بريطانيا دخلت مجال العمل السياسي من خلال حزب المحافظين اعتقاداً منها بأن الحزب يؤمن بنفس القيم التي تعتز بها جاليتها – المثابرة والعمل الجاد، العائلة، المؤسسة، والمبادرة. وخاضت الانتخابات التكميلية عن مدينة ديوزبري في عام 2005 ولكنها خسرت لصالح حزب العمال. 

ومع ذلك فقد كانت على المقاس، مناسبة تماماً لحزب المحافظين الذي أراد إيجاده دافيد كاميرون عندما أصبح زعيماً له بعد الهزيمة الانتخابية التي مني بها الحزب في عام 2005، فقد كانت امرأة، وآسيوية، ومسلمة، ومنحدرة من الشمال ومن طبقة عمالية (من حيث الخلفية). 

رتب لها كاميرون مقعداً في مجلس اللوردات ودفع بها إلى المقاعد الأمامية لحزب المحافظين داخل مجلس العموم، ثم ما لبث خلال فترة قصيرة جداً أن رقاها لتصبح رئيسة لمؤتمر حزب المحافظين. ما من شك في أن مثل هذه الترقي السريعة بفضل الحظوة لدى صاحب القرار والنفوذ ولدت مشاعر الاستياء، وهو أمر متفهم. 

الوقوع في شباك المحافظين الجدد

إن أهم قسم في الكتاب هو ذلك الجزء الذي تحاول فيه وارسي أن تبين كيف ساءت الأمور بعد ذلك. كمنت المشكلة إلى حد كبير في أن قطاعاً واسعاً من حزب المحافظين رفض القبول بها، بعضهم مندفعاً بمشاعر الغيرة والحسد، وهذا مر مفهوم. 

في تلك الأثناء غير كاميرون موقفه تجاه الإسلام، وقد أجادت وارسي في رسم صورة دقيقة وصادقة لكاميرون في أيامه الأولى كزعيم منفتح ومتسامح ولا يجد حرجاً في تقبل التعددية الثقافية وفي التعامل معها. 

ثم وقع في شباك زمرة من المحافظين الجدد، والذين كان أبرزهم مايكل غوف. كما لعب مركز البحث والتفكير المعروف باسم "بوليسي إكستشينج" (والذي كان يترأسه في فترة من الفترات مايكل غوف) دورا هائلا في ذلك من خلال إعادة تشكيل سياسة حزب المحافظين تجاه الإسلام في السنوات التي تلت عام 2005. 

أهم جزء من هذا الكتاب هو الذي يعالج تطوير مفهوم "التطرف غير العنفي" وتوسيع دائرة تعريف "الإرهاب". كان غوف ومعه مركز "بوليسي إكستشينج" يعتقدان بما يسمى "المصعد" نحو الإرهاب، بما يعني أنه كلما ازداد تدين المرء المسلم كلما زاد احتمال تورطه في أعمل القتل. 

لم تكن سيدة وارسي الشخصية البارزة الوحيدة، والتي تحتل منصبا رفيعا داخل الحكومة، التي تعترض على ذلك. بل إن جهاز المخابرات الداخلية MI5 كان كذلك من المعترضين. المهم أنها وجدت نفسها في خضم معركة فكرية داخل الحكومة بشأن هوية المسلم وعلاقة ذلك بالخطر الذي يشكله الإرهاب على بريطانيا. وقد خسر الجانب الذي كانت تقف فيه المعركة في نهاية المطاف. 

بالطبع، ثمة جانب آخر للقصة. أعرف شخصيات رفيعة المستوى داخل حزب المحافظين تصر على أن وارسي كانت مثيرة للمتاعب وأنها لم تكن تحسن اللعب داخل الفريق. أنا أعرفها منذ سنوات طويلة، ولذلك قد أكون منحازاً لها، ومع ذلك فأنا لا اتفق معهم فيما يقولونه عنها. أعتقد جازماً أنها ببساطة لم تكن على مزاج حزب لم يلبث تحت قيادة دافيد كاميرون أن تحول بالتدريج نحو اليمين. 

تفجير الأساطير

قياساً على معظم السياسيين، تعتبر وارسي شخصا عاديا جدا، وليس لديها شيء من الغلو على الإطلاق. فليست ممن ينادون بأن يهيمن الإسلام على العالم، بل ولا تنكر وجود علاقة بين الإرهاب والإسلام، ولذلك تراها قد خصصت فصلا كاملا في كتابتها تنتقد فيه الانغلاق والتخلف الذي تعاني منه أجزاء كبيرة من المجتمع المسلم في بريطانيا، ولكنها تؤكد، وهي محقة في ذلك، على أن المتعاطفين مع الإرهاب لا يشكلون سوى أقلية صغيرة وشريرة من أبناء المسلمين. 

وهي تفهم الإسلام على أنه دين عظيم يقوم على الرحمة والرأفة، وتكرس جزءاً كبيراً من الكتاب لتناقش أتباع دينها منددة بمعاملتهم السيئة للنساء في بعض الأقطار المسلمة. 

ومع ذلك، فهي تعبر، وبكل عقلانية، عن شعورها بأنه يتحتم علينا أن نسمح للمسلمين البريطانيين بلعب دور كامل في النقاش الدائر على مستوى البلاد حول مختلف القضايا دون فرض شروط مستحيلة عليهم ومطالبتهم بالتخلي عن معتقداتهم. 

ولديها انتقادات شديدة تجاه سياسة الحكومة البريطانية، حيث تتهم وزارة الخارجية بتقديم رغبات ومتطلبات بعض البلدان الأجنبية، مثل المملكة العربية السعودية وإسرائيل على مصالح بريطانيا. 

وتفجر الأساطير حول الشريعة الإسلامية وحول الإرهاب وكذلك حول الممارسات الثقافية المتخلفة (مثل ختان الإناث) والتي تربط جهلاً وظلماً بالإسلام. 

ولديه الكثير مما يقال حول المنظمات التي تحظى برعاية رسمية من الدولة في بريطانيا وتدعي أنها تتكلم نيابة عن المسلمين وباسم الإسلام، وتُعرًف مؤسسة كويليم على أنها عبارة عن "حفنة من الرجال من أصحاب اللحى المدجنة واللكنات الغضة والهندام المرتب، والذين يحملون رسالة ترغب الحكومة في سماعها منهم."

هذا هو أفضل كتاب ألفه سياسي بريطاني مسلم حتى الآن، وأحث كل إنسان يرغب في فهم بريطانيا الحديثة أن يقرأه. في الصفحة 232، تعبر السيدة وارسي ببلاغة فائقة عما يعنيه الإسلام بالنسبة لها، حيث تقول: 

"ديني يتعلق بمن أكون أنا وليس بمن تكون أنت. هو قواعد وإرشادات موجهة إلي، وليس سلسلة من المحاضرات تفرض عليك. قوته مصدر سكينة وسلام لي وليس ذخيرة أستخدمها لمحاربتك. هو مسطرة اخترت أن أقيس بها نفسي لا أن أحكم بها عليك. تعرفي على ذاتي، ويقيني حول من أكون، وشعوري بالراحة والانسجام مع هويتي لا يعني إطلاقا أن أنتقص منك أو ألغيك أو أرفضك أياً من تكون. لن أكون قادرة على تقبلك على حالك وكما تكون إلا حينما أكون متأكدة بمن أكون."

لا أفهم لماذا يمكن لأي إنسان أن يرفض مثل هذا الكلام. من المقلق جدا أن حزب المحافظين الحديث لم يعد فيه مكان لمن هم على شاكلة سيدة وارسي. 

* نقلا عن موقع "ميدل إيست آي" البريطاني.