نشر موقع "ميدل إيست آي" مقالا للكاتب عمرو خليفة، يناقش فيه حالة أصبحت تعيشها
مصر، يرى أن تحليلها أهم من تحليل الطرق التي يصل من خلالها تنظيم الدولة إلى دلتا النيل، أو تحليل أسباب التضخم، الذي وصل تحت حكم الرئيس المصري عبد الفتاح
السيسي إلى 31%، قائلا إنها حالة عقلية حلت بالبلاد.
ويقول الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، إن "مصر أصبحت تعاني من شكل من أشكال الإرهاب الفكري.. الناس ضد الناس، إن هذا ليس حكم (الأخ الأكبر)، إنه شكل آخر من عالم جورج أورويل في روايته 1984، ينهش روح مصر، والتلف يتسبب به ملايين (الإخوة الصغار)، الذين ينتشرون في الجسم السياسي المصري، داخل مصر وخارجها، ولا يحتاج الجيش لدخول البيوت ما دام أنه غزا عقول الناس".
ويضيف خليفة: "تخيل السيناريو الآتي: تجتمع مجموعة من المصريين في عمل ما، وقد يمثلون الطيف الذي يكون القوة العاملة المصرية: رجالا ونساء، مسلمين ومسيحين، شبابا وكبارا، متزوجين وعزابا، مسيسين ولا مبالين، ويبدأ الحديث، أحيانا بشكل عارض، وأحيانا متعمد، ويلمس الحديث مواضيع حساسة، مثل السياسة والاقتصاد، ولا تعلم المجموعة أن بينهم شخصا يتقن ما يتقنه النظام ومؤسساته الأمنية، وهو تحويل الخلاف السياسي إلى جريمة خيانة.. ولا يقوم هذا الشخص بإخبار الشرطة، لكنه يقوم بلي عنق الخطاب، بل يسممه".
ويعلق الكاتب قائلا: "في مصر الحديثة كانت هناك آذان للجدران، لكن ومنذ ثورة 2011 زادت هذه الآذان بالملايين، عندما اختار شخص في مرحلة ما من حياته أن يكون مخبرا لفائدة شخصية أو لشعور خاطئ، مبررا ذلك بأنه واجب وطني، الشخصية المضادة للبطل في هذه المجموعة الخيالية، يختار هذا الشخص أن يبقى بعقلية مصر، الدولة الشرطية، فالنظام يقول (طريقتي ولا طريقة غيرها)، وكذلك هذا الرجل أو المرأة".
ويجد خليفة أنه "بناء عليه، يصبح من ينتقد النظام، بغض النظر إن كان رجلا أو امرأة، مسلما أو مسيحيا، كبيرا أو صغيرا، بحسب تعريف عقلية المخبر -ودون شك- إما إخوان مسلمين أو خائن.. وكلاهما يحمل المعنى ذاته في تلك العقول".
ويستدرك الكاتب قائلا: "وما لا يخطر ببال تلك العقول هو احتمال وجود مجموعات أخرى في المجتمع خارج المعسكر الإسلامي، التي قد تكون أكثر نقدا للرئيس المصري، او مجموعات أخرى مختلفة، يؤيدونه لأسباب مختلفة، وليس أقل خطورة من هذا المنطق الثنائي الاختزالي الذي يعني إما معنا أو ضدنا، هو الشعور الغريزي بالرغبة في ضرر (الآخر)، ولكون المخبر لا يستطيع سجن الآخر أو الإضرار به، فإن هدفه يصبح الإضرار بسمعة الهدف الاجتماعية".
ويشير خليفة إلى أن "الصمت هو الهدف، والخوف والإرهاب الفكري هما الأداة، دولة يفكر فيها الناس مرتين قبل الاختلاف مع الأغلبية، ويصبح الأخ الأصغر هنا كصخرة كبيرة تجثم على الرئتين، جاهزة لسحب الهواء منهما، وفي مصر وخارجها أصبح الخوف من (الأخ الصغير) حيا وبخير؛ لأن الجيش والأمن جعلا عودته مهمتهما التي لا تردد فيها".
ويبين الكاتب أن "هذه الظاهرة أصبحت جزءا لا يتجزأ من ديناميكية أخرى اجتاحت مصر، وبدرجات مختلفة بلدانا كثيرة أخرى، وهي ليست محدودة في مكان العمل أو البيت، لكن كل ما يحمل هوية مصرية في الفضاء السايبري (عالم الإنترنت) أيضا، وهي موجودة بكثرة في (فيسبوك) و(تويتر)، فبدلا من العنف الجسدي تمارس الوحشية الشفوية من المعسكرات السياسية والاجتماعية كلها لإسكات الصوت الآخر".
ويفيد خليفة بأن "هذا الأمر ليس مقصورا على المعسكر الموالي للحكومة، بل إن الثوريين واليساريين والإسلاميين والسلفيين والعلمانيين، كلهم مذنب في جريمة معقدة، هي (التمييز ضد الآخر)، بمحاولة إسكات أولئك الذين يختلفون معهم، والشتم والهجوم بالقوة بدلا من الحوار".
ويذهب الكاتب إلى أنه "مع وجود الخطاب في دوائر معينة وبأشكال أخرى، إلا أنه اصبح، للأسف، هو الاستثناء وليس القاعدة، فالكاتب الذي بقي في المعارضة أو بقي مستقلا، فإنه يتوقع النقد اللاذع في قسم التعليقات لكل مقال يكتبه، وعندما يصل النقد عمدا إلى مرحلة السمومية، وعندما يتزايد الشتم والتهديد لمستوى الإرهاب الفكري، فإنه يجب اعتبار ذلك غير مقبول".
ويقول خليفة: "ظهر خلال الأسبوع الماضي أن الرئيس السابق
محمد مرسي حرم من الزيارات منذ اعتقاله، وفي المقابل كان حسني مبارك يعامل كالملك في جناح في المستشفى، وكأنه في فندق خمس نجوم، ويستقبل من الزوار من يشاء.. وكان النقاش حول هذا مبنيا على توجيه أصابع الاتهام".
ويضيف الكاتب: "وعندما نادت منى سيف، وهي من أكثر ناشطي حقوق الإنسان شهرة في مصر، وتنحدر من عائلة ثورية، بوجوب احترام حقوق الإنسان للجميع، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية، كان يجب أن يعجب هذا الموقف الجميع، وألا يغضب أحدا، لكن سادت البربرية السياسية عندما ألقى النقاد الشتائم على سيف، وفي الوقت ذاته أيدوا انتهاكات حقوق الإنسان، قائلين إن ذلك يجب أن يصبح الأمر الطبيعي للتعامل مع (الإرهابيين)".
ويوضح خليفة أن "الاختلاف في الرأي أمر، وارتكاب جريمة التشهير وتسمية ذلك حرية تعبير، ونزع الإنسانية عن الآخر؛ لأنه يحمل لك حقائق لا ترتاح لها، أمر آخر".
ويشرح الكاتب ذلك قائلا: "تعكس الطريقة التي يتحدث فيها المصريون مع بعضهم العنف الذي يعيشه عشرات الآلاف في السجون، ومئات الآلاف يوميا في سيناء، وجربه الملايين، بشكل أو بآخر، في ظل حكم الجيش، خاصة منذ أن أثر الانقلاب في مناحي الحياة المصرية كلها".
ويقول خليفة إن "شعبا فيه عدة معسكرات، ويمكن ان يختلف باحترام، يمكن أن يسمى ديمقراطيا، لكن مجتمعا محدودا، ويهاجم حرية التعبير داخله، ليس سوى مجتمع يقوم بحقن نفسه بالهيروين".
ويضيف الكاتب: "عندما يكون هدفك إنشاء دير فاشي يقوم بخنق كل نفس ورأي، يصبح الحديث عن الانتخابات الرئاسية لعام 2018 هزليا، فإن كان المصريون لا يستطيعون حمل فكر معارض؛ خوفا من العقوبات من مستويات مختلفة، فكيف يمكن لهم التفكير في الانتخابات التي هي فكرة ديمقراطية؟".
إنقاذ أنفسنا
ويؤكد خليفة أنه "لا يمكن أن نأمل في إنقاذ شعب من الانهيار دون العودة إلى حرية التعبير، ومصر بلد تواجه المشكلات على أكثر من صعيد، حتى بحسب القائد العام، ودون حوار وطني شفاف بين المواطنين والصحافة والمنظمات غير الحكومية والبرلمان والحكومة، فإن التغيير الحقيقي يبقى سرابا في أفضل أحواله".
ويتساءل الكاتب: "فما هو الخطر الذي يواجه المصريين؟ إن النظام الذي لا مشكلة لديه في إسكات الصحافة والمواطنين لن يقف هنا".
ويحذر خليفة من أن "الاستمرار في الطريق الحالي، حيث يعاقب أي صوت معارض، سيؤدي إلى تقويض النظام القضائي، الذي فقد احترامه بسبب الأحكام السياسية ضد الثوريين والإخوان، لكن يمكن القول بأن السيسي سيعاقب مجلس الدولة الآن؛ بسبب حكمه بمصرية جزيرتي البحر الأحمر".
ويلفت الكاتب إلى أن النظام يحاول حاليا تقويض القضاء بمشروع قانون يعطي السيسي سلطة في التعيينات القضائية.
ويخلص خليفة إلى القول إن "مصر خطت خطوة كبيرة لتصبح
كوريا الشمالية الشرق الأوسط، عندما وافق 60 عضوا في البرلمان على مناقشة مشروع قانون يطلب من المصريين التسجيل لدى الحكومة لاستخدام مواقع التواصل".