نشرت صحيفة "الغارديان" مقالا تحليليا لأستاذ كرسي إدوارد سعيد في جامعة كولومبيا المؤرخ والباحث المعروف رشيد الخالدي، يتعلق بتشكيل ما بات يعرف بـ"
الناتو العربي".
ويقول الكاتب الفلسطيني الأصل: "لا جديد تحت شمس الشرق الأوسط، الذي اخترعت فيه الأساسيات المرتبطة بالحضارة كلها: الكتابة، والمدن، والزراعة، والفلك والمكتبات مثلا، ولهذا فإن أخبار إنشاء (ناتو عربي) لأي شخص يعرف الشرق الأوسط وتاريخه تبدو مكررة".
ويضيف الخالدي في مقاله، الذي ترجمته
"عربي21"، إنه "بالعودة إلى سنوات الخمسينيات من القرن الماضي، وفي ذروة الحرب الباردة، فإن الولايات المتحدة كانت مشغولة بإنشاء حلف مماثل (حلف بغداد) عرف أيضا باسم (السنتو)، ومثلما كان ذلك الحلف يهدف إلى تجميع عدد من دول المنطقة، ليس فقط ضد الاتحاد السوفييتي، لكن أيضا ضد مصر في ظل جمال عبد الناصر، فإن التفاصيل الدقيقة للتحالف الجديد تكشف عن تركيز إقليمي له، وبحسب أحد التقارير، فإن هذا ليس تحالفا عربيا بشكل عام، لكنه (تحالف موحد للدول السنية) بهدف مواجهة
إيران".
اقرأ أيضا: "ناتو" عربي إسلامي في زيارة ترامب للرياض.. ما رأي إيران؟
ويعلق الكاتب قائلا إن "خطة كهذه تعد موسيقى في آذان الملكيات المطلقة في الخليج، وللدول المنتجة للسلاح التي تبيعها أسلحة متقدمة بمئات المليارات من الدولارات، (رغم عدم قدرتها على استخدام السلاح الذي تملكه بشكل فعال)، وإسرائيل، التي لا تريد شيئا أكثر من حرف نظرهم والعالم عن الجرائم التي ترتكبها ضد الفلسطينيين، من خلال اللعب على فكرة الترهيب من إيران".
ويقول الخالدي: "بغض النظر عن الفرق الهائل بين النفوذ السوفييتي في المنطقة في ذروة الحرب الباردة والنفوذ الإيراني اليوم، فإن هذه الخطة الماكرة لا تلتفت للكثير من الحقائق المهمة".
ويوضح الكاتب أن "الحقيقة الأولى هي أنه في الوقت الذي يعد فيه هؤلاء الحكام المستبدون من السنّة، فإن هناك كثيرين في شرق العالم العربي ليسوا كذلك، حيث يشكلون غالبية في العراق والبحرين ولبنان (هناك جدل دائم حول النسب، وشيعة يمثلون ربع سكان لبنان تقريبا ..
"عربي21")، وأقليات كبيرة في اليمن وسوريا والسعودية والكويت وغيرها من دول الخليج".
ويتساءل الخالدي: "ماذا يعني (تحالف موحد للدول السنية) لعشرات الملايين من الناس؟ وبشكل مهم في غرب العالم العربي، مثل مصر والمغرب، حيث لا يوجد عدد كبير من السكان الشيعة فيهما، وتعد إيران مصدر قلق للمنطقة".
اقرأ أيضا: الغارديان: هكذا تتجاهل الرياض طباع ترامب الذي تستقبله
ويستدرك الكاتب قائلا: "وأكثر من هذا، كيف سيكون من مصلحة الولايات المتحدة القومية دعم طرف ضد آخر في نزاع طائفي؟ ما هي الفائدة لأمريكا من دعم الحرب السعودية الإماراتية في اليمن، الذي يعد من أفقر الدول العربية؟ هل تريد الولايات المتحدة زيادة عدد الأعداء لها في الشرق الأوسط؟ وهل يجب على الولايات المتحدة تبني الموقف السعودي الإسرائيلي، الموقف المناسب لهذين البلدين، وهو أن عداء إيران للولايات المتحدة مستمر ودائم؟".
ويقول الخالدي: "تجدر الإشارة إلى أن الانقسام السني الشيعي كان قبل عام 1979 أمرا ثانويا، حيث تزوج السنّة من الشيعة، وكانت النزاعات الأخرى أكثر أهمية، صحيح أنه كان هناك تنافس خطير بين إيران وجيرانها، إلا أن إيران الشاه دعمت جيرانها في شبه الجزيرة العربية، حيث دعمت سلطنة عُمان أثناء ثورة ظفار في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، ودعمت الملكيين ضد الجمهوريين في اليمن في الفترة ذاتها".
ويلفت الكاتب إلى أن "النزاع بين الطرفين توسع منذ
الثورة الإسلامية في عام 1979؛ بسبب التأثير الطائفي للجمهورية الإسلامية، والرد الذي قادته السعودية، الذي اشتمل على خطاب متعصب أسهم في ولادة الفكر التكفيري".
ويفيد الخالدي بأنه "في الوقت الذي يمثل فيه الطرف الأول مشكلة للولايات المتحدة وعدد من دول المنطقة، حيث نسمع في الولايات المتحدة خطبا لا نهاية لها عن الطائفية الشيعية للجمهورية الإسلامية، فإن هناك صمتا على المخاطر للطائفية السنية المتعصبة، التي تعامل الشيعة على اعتبار أنهم كفار وروافض، وهو مصطلح لا يعني أنهم من المسلمين السيئين فقط، لكنه يلزم قتالهم حتى الموت".
اقرأ أيضا: هكذا تعاملت الصحف الإيرانية مع زيارة ترامب للسعودية (صور)
ويقول الكاتب: "ربما كان من المناسب أنه بعد إعلان ترامب عما أسماه (الناتو العربي)، أن يقدم شخص لديه معرفة في المنطقة ونزاعاتها هذه الحقائق له، التي من المتوقع أن يقوم مضيفوه بإخفائها عنه في أول محطتين من رحلته".
ويخلص الخالدي إلى القول: "لو كان الرئيس مهتما جدا بكراهيته لإيران ومئات المليارات من الدولارات التي سيحصل عليها من العقود العسكرية، فلربما انتبه الشعب الأمريكي وممثلوه في الكونغرس لهذه الحقائق، قبل أن تجر أمريكا لحرب برية جديدة في آسيا".