تقرير مثير يكشف حقيقة العمل الخيري للروس بسوريا وأهدافه

ناقشت مجلة "فورين بوليسي" في تقرير أعدته الصحافية البريطانية الأمريكية، التي تعمل من موسكو، إيمي فيرز روتمان، أن الحكومة الروسية تدعم جهود كسب العقول والقلوب، التي تنظمها جمعيات خيرية مسلمة لمساعدة اللاجئين السوريين، وترى بأنها محاولة من الحكومة الروسية لإرضاء المسلمين الروس، وامتصاص غضبهم من دعمها لحاكم يمثل أقلية ضد إخوانهم السنة.
 
وتبدأ الصحافية تقريرها بالإشارة إلى رحلة إغاثية قامت بها جمعية "زكايت" المعروفة في موسكو، إلى اللاجئين السوريين في لبنان، حيث وزعت عليهم البطانيات الزهرية والشوكولاتة الروسية والهدايا للأطفال، وتحدث المفتي العام لروسيا رافيل عين الدين، ومدح جهود الجمعية في المسجد الجديد في موسكو، الذي يتسع لحوالي 15 ألف مصل.
 
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أنه منذ تلك الرحلة، التي نظمتها الجمعية في شباط/ فبراير، فإن التبرعات تدفقت من مسلمي روسيا على الجمعية، لافتا إلى أن هذه الأموال تذهب لصالح مشاريع، مثل بناء مدرسة، وإصلاح منارة تاريخية، وملجأ للأيتام يسهم فيه المسلمون من الشيشان.
 
وتنقل المجلة عن مدير جمعية "زكايت" رفعت إسماعيلوف، قوله: "عندما يشاهد أهلنا الوضع في سوريا فإنهم يشعرون بالألم والقلق، ويشعرون بأنه يجب عليهم المساعدة"، ويضيف: "كوننا من روسيا فإنك تشعر أن الكثيرين لا يرحبون بنا، وبصفتنا مسلمين، الحمد لله فكل شيء على ما يرام".
 
وتعتقد روتمان أن روسيا بحاجة للتعامل مع 14 مليون مسلم، أي 10% من مجمل السكان، وتخشى من دعمها للنظام الشيعي الذي يقوم بقتل الغالبية السنية، فإن هذا يترك أثره على المسلمين الروس، وغالبيتهم من السنة، مشيرة إلى أن هناك الآلاف من المسلمين المتحدثين باللغة الروسية سافروا إلى سوريا وانضموا إلى تنظيم الدولة.

ويلفت التقرير إلى أن "قادة المجتمع المسلم في روسيا تجنبوا انتقاد الحملة التي تقوم فيها روسيا في سوريا علنا، إلا أن على الحكومة الاهتمام بالمسلمين في ظل تصاعد الكنيسة الأرثوذكسية، ولم ينس المسلمون الدور الذي أداه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الحرب الدموية في الشيشان، بالإضافة إلى قلة تمثيل المسلمين في البرلمان والحكومة، التي لا تعمل الكثير لمواجهة التمييز ضد المسلمين في أماكن العمل".

وتنوه المجلة إلى أن الحكومة تقوم بتنسيق حملتها العسكرية في سوريا، وتشجيع المسلمين الروس على المساهمة في الإغاثة؛ لإظهار أن روسيا تتضامن مع العالم الإسلامي، كما يقول ألكسي مالاشيكنو، من معهد أبحاث حوار الحضارات في موسكو، حيث يؤكد المسلمون الروس أن لا علاقة بين جهودهم والحملة العسكرية الروسية، مع أن لا شيء يحدث في روسيا دون موافقة من الحكومة، ويقول مالاشيكنو: "لا شيء تفعله روسيا في الشرق الأوسط دون موافقة من الحكومة"، ويضيف: "الإسلام في روسيا ليس عن المساجد، لكنه يتعلق بالسياسة". 

وتذكر الكاتبة أن دراسة موسعة، نشرت هذا الشهر، لمعهد "بيو" للاستطلاعات، أظهرت أن نسبة 60% من مسلمي روسيا يشعرون برابطة قوية مع بقية مسلمي العالم، فيما قالت نسبة 70% إنها تتحمل مسؤولية اجتماعية لمساعدة من يشتركون معهم في الدين.

ويجد التقرير أن "روسيا لم تقم بجهد لمساعدة المسلمين في سوريا، فهي لم تستقبل أي لاجئ سوري، وتعرضت للانتقاد؛ لأنها لم تقدم إلا دعما قليلا مقارنة مع بقية الدول، مع أن الإغاثة التي تقدمها تضم الوقود وأكياس السكر والخبز والطحين الملفوفة بالعلم الروسي، ويوزعها الجنود والمجندات في مناطق سيطرة النظام، وعادة ما تحظى بتغطية إخبارية واسعة في محطات التلفزة الروسية، وقام قادة المسلمين، بينهم مفتي موسكو إلدار عليواتودنفيوف، بزيارات للاجئين السوريين حظيت بتغطية واسعة، ووصلت العلاقات بين المسلمين الروس والحكومة إلى نقطة تحول مهمة".

وتنقل المجلة عن الباحث البارز في معهد العلاقات الدولية في وزارة الخارجية أحمد يارليكوبوف، قوله إن الدولة الروسية تريد أن تظهر للمسلمين في الداخل أنها ليست ضدهم، وأضاف أن "الإغاثة السورية ليست دعاية، لكنها وسيلة لتعبئة الناس ليفكروا بطريقة دون استخدام القوة".

ويورد التقرير أنه بحسب تقدير مالاشينكو، فإن عدد المسلمين الذين انضموا إلى صفوف تنظيم الدولة من دول وسط آسيا يبلغ حوالي 6 آلاف شخص، ولاحظ أن المزاج العام في روسيا أصبح متوترا، ففي الشهر الماضي قتل انفجار 14 شخصا في هجوم على مترو سانت بطرسبرغ، وقام بالهجوم مواطن من قيرغستان، ونظمت بعد الهجوم تجمعات حاشدة بدعم من الحكومة لشجب الإرهاب، وزاد حضور الشرطة والجيش في شوارع العاصمة والمترو بشكل نسبي، وشارك التلفزيون الرسمي بتصوير عملية القبض على المتهمين في العملية.

ويقول مالاشينكو للمجلة إن "دعم المسلمين للقضايا الخارجية ليس جديدا، لكن حقيقة أنهم منظمون ووجهوا جهودهم مباشرة نحو سوريا أمر له رمزية، ومصمم لخدمة الحكومة الروسية".

وتشير الكاتبة إلى أنه بالإضافة إلى جهود الإغاثة، فإن الحكومة اتخذت سلسلة من الخطوات للتخفيف من قلق المسلمين، فافتتحت في عام 2015 مسجدا جامعا في موسكو، الذي يعد من أكبر مساجد أوروبا، بمنارات مذهبة ارتفعت في سماء العاصمة، لافتة إلى أن بوتين يعد من أكبر الداعمين لبناء أكاديمية إسلامية ستتفتح في الخريف القادم، وقالت السلطات في موسكو إنها تفكر بتخصيص شاطئ خاص للمسلمين على  ضفة النهر، يمكن فيه فصل الرجال عن النساء.

وتقول روتمان إن "بعض الجهود من أجل تعزيز الروابط بين مسلمي روسيا وسوريا تهدف بوضوح لخدمة الجهود الحربية هناك، ففي نيسان/ أبريل، زار وفد رسمي شيشاني دمشق لمقابلة رئيس النظام السوري بشار الأسد، بعد زيارة وفد سوري للمنطقة في آذار/ مارس، ووضع رجل الشيشان القوي رمضان قديروف صورة لمفتي الشيشان صلاح حاج مجيف وهو يرتدي القبعة المصنوعة من جلد الخروف، يقف إلى جانب  الأسد، الذي يرتدي البدلة وربطة العنق، ووزير الأوقاف السوري محمد عبد الستار، على صفحته على موقع (إنستغرام) التي يتابعه فيها الكثيرون، وكتب تحتها: (بعث الرئيس السوري بتحياته وتمنياته للشيشان للدعم الذي قدموه في الأوقات الصعبة)، وأضاف أن الوفد ناقش (بناء على طلب مني) إعادة ترميم مآذن مساجد في حمص وحلب، وتمت مناقشة الخطط لافتتاح فرع لجامعة دمشق في العاصمة غروزني، وجاءت هذه اللقاءات بعد نشر موسكو وبهدوء ألفا من مسلمي الشيشان والجارة إنغوشيا".

ويكشف التقرير عن أن منطقة شمال القوقاز المسلمة في روسيا هي مركز جهود إنتاج فيلم خيال علمي "تدمر"، وهو فيلم إثارة سيتم تصويره في سانت بطرسبرغ والمدينة التاريخية إن سمحت الظروف الأمنية، ومن المتوقع عرضه العام المقبل، وتدور أحداثه حول مسلم روسي من داغستان، يخاطر بحياته من أجل إنقاذ زوجته التي انضمت لتنظيم الدولة، ويقول كاتب النص ومخرج الفيلم إيفان بلوتينكوف: "لو أنقذت عائلتك فإنك ستتقذ العالم".

وتبين المجلة أن وزارة الثقافة الروسية، وهي المسيطرة على الخطاب الفني الذي تدعمه الدولة كله، تسهم في إنتاج فيلم مع الممثلة السورية سلاف فواخرجي، التي اشتهرت في العالم العربي من خلال المسلسلات التلفزيونية، لافتة إلى أن فواخرجي من داعمي النظام السوري، وهو ما أثر على شعبيتها في العالم العربي، لكنها وجدت معجبين جددا في روسيا، حيث تم الترحيب بها رسميا في الشهر الماضي، عندما وقعت للتمثيل في الفيلم المعني، ونقل عن بلوتينكوف، قوله: "لن يتم تصوير المسلمين بطريقة سلبية رغم وجود عنصر تنظيم الدولة".

وتنوه الكاتبة إلى أن دراسة "بيو" أظهرت أن نصف المسلمين الذين شاركوا في الاستطلاع قالوا إنهم سيتبرعون بجزء من ثرواتهم للمحتاجين، وهو ما يعد جزءا مهما من تعاليم الإسلام، مقارنة بـ7% من المسيحيين الأرثوذكس للكنيسة، أو جزء من رواتبهم للجمعيات الخيرية، حيث يبلغ ما جمعه المسلمون الروس هذا العام لصالح جمعية "زكايت" حوالي 25 ألف دولار، وسيتم توزيعها على أطفال غزة وسوريا.

وبحسب التقرير، فإنه بالإضافة إلى توزيع الحاجات الأساسية على اللاجئين، فإن المال سيستخدم لدعم مدرسة متحركة سيتم افتتاحها في آب/ أغسطس، التي ستتحرك بين مخيمات اللاجئين في لبنان، حيث يعيش حوالي مليوني سوري هناك، وقال إسماعيلوف إن المتبرعين هم  "مسلمون محليون وبسطاء"، من الذين يصلون في  المسجد المركزي في موسكو، وهم "يقومون بواجبهم الإسلامي".

وتذكر المجلة أن الجمعيات الخيرية في داغستان، ذات الغالبية المسلمة، والقريبة من الشيشان، تقوم بجمع التبرعات لدعم اللاجئين السوريين، وذلك بحسب الموقع الروسي "فيكونتاكت"، وقامت مؤسسة التضامن، ومقرها في موسكو، التي تدار بناء على التعاليم الإسلامية، رغم توجهها العلماني، بتوسيع جهودها أبعد من دعم الفلسطينيين، وجمعت في الصيف الماضي 80 ألف دولار للسوريين، وأنشأت مركز حاسوب في مخيمات لبنان.

وتختم "فورين بوليسي" تقريرها بالإشارة إلى أن مديرة الموسسة ليلى محمد ياروفا سخرت من فكرة وجود دور للكرملين في عملياتها، وقالت إن "الرغبة بمساعدتهم (اللاجئين السوريين) جاءت من المجتمع"، وأضافت: "ليس خطأونا أن المسلمين ناشطون في الأعمال الخيرية".