أصرَّ
السودان على اتهامات سابقة وجهها لمصر بتقديم مساعدات للمتمردين في دارفور، وتقدم بشكوى في هذا الصدد إلى اجتماع عسكري أفريقي، وشنت مؤسساته الدينية والإعلامية هجوما حادا على السلطات
المصرية.
يأتي ذلك في وقت حذَّر فيه مسؤول مصري مقرب من رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي، من أن مصر تستطيع إنهاء حكم الرئيس السوداني عمر حسن البشير خلال 48 ساعة، وتساءل كاتب مصري متهكما: "لست أدري من أين أتى البشير بتلك الجرأة التي تجعله يتصور أنه يستطيع أن يحارب مصر؟".
تصريحات البشير والسيسي
وكان الرئيس السوداني اتهم
الحكومة المصرية، الثلاثاء الماضي، بتقديم دعم عسكري للمجموعات المتمردة في هجومها على مناطق بشمال دارفور، يوم الأحد الماضي.
وقال إن "قوات الجيش السوداني والدعم السريع غنمت مدرعات ومركبات مصرية استخدمها متمردو دارفور في هجومهم على ولايتين"، مؤكدا أن "القوات المهاجمة انطلقت من دولة جنوب السودان، ومن ليبيا، على متن مدرعات مصرية"، واصفا الأمر "بالمؤامرة الكبيرة التي تحاك ضد بلاده".
وبينما نفت وزارة الخارجية المصرية هذه الاتهامات، ردَّ السيسي عليها قائلا إن "سياسة مصر شريفة في زمن عز فيه الشرف.. لها وجه واحد، ومصر عمرها ما هتكون ديل (ذيلا) لأحد".
وقال، في مؤتمر صحفي بقصر الاتحادية، عقب لقاء المستشار النمساوي، الأربعاء: "إن مصر لا تقوم بهذه الإجراءات الخسيسة، ولا يمكن أن تتآمر ضد دولة السودان".
مسؤل عسكري سوداني يتهم مجددا
لكن السودان عاود مجددا هجومه على مصر. وقال قائد قوات الدعم السريع السودانية، المقدم آدم صالح إن "اتهام الرئيس السوداني والقائد الأعلى للقوات المسلحة السودانية عمر البشير الموجه للحكومة المصرية، بتقديمها عونا عسكريا للحركات المسلحة المتمردة؛ هو مؤكد لنا ميدانيا".
وأضاف، في تصريحات صحفية: "أؤكد أن الحكومة المصرية تورطت في فضيحة تاريخية موثّقة بالبراهين والدلائل، وأن الأسلحة المصرية المضبوطة موجودة الآن بحوزتنا بعد أن كبدنا المجموعات المسلحة المتمردة، خسائر في الأرواح والعتاد العسكري، عبارة عن 500 قتيل، ونحو مئة أسير".
وتابع: "بعد إثباتنا أن المصريين عاونوا المسلحين السودانيين في إقليم دارفور، أقول إن مصر أصبحت في موقع عداء واضح ضد السودان".
وبالنسبة للأسلحة المصرية التي تم ضبطها مع المتمردين، أكد صالح أنها عبارة عن خمس مدرعات مصرية مجهزة بكامل عتادها العسكري، "واستطعنا تدمير واحدة منها بالكامل خلال استخدام المتمردين للمدرعات ضد قواتنا"، مشيرا إلى أن "
المدرعات المصرية المضبوطة هي ذاتها المدرعات الموجودة في شبه جزيرة سيناء المصرية، التي يستخدمها الجيش المصري ضد الإرهابيين، كما يزعمون".
شكوى سودانية في اجتماع أفريقي
وأمام اجتماع رؤساء هيئة أركان دول البحيرات العظمى، بالعاصمة الأنغولية لواندا، الأربعاء، قال وفد السودان إن "الهجوم الأخير الذي تم هذا الأسبوع على بعض المناطق في دارفور، أثبت تورط دولة جنوب السودان في دعمه بجانب مصر، وقوات خليفة حفتر الليبية"، مطالبا المنظمة بإرسال بعثة تقصي حقائق.
"هيئة علماء السودان" تهاجم تفكيك السودان
وفي إطار التصعيد السوداني الممنهج ضد الجانب المصري، أصدرت "هيئة علماء السودان" بيانا وصفته مصادر مصرية بأنه يحمل تطاولا وإهانة سودانية جديدة.
وكانت الهيئة قالت في بيانها إن "مشروع
الحرب والعدوان" من قبل الأعداء والمتربصين بأمن الوطن واستقراره في الداخل والخارج، في إشارة لمصر دون تسميتها، هو مشروع تفكيك دولة، لا منافستها على المصالح المشتركة.
وقال الأمين العام للهيئة، إبراهيم الكاروري، في تصريح لوكالة الأنباء الرسمية "سونا"، إنه في الحالة السودانية فإن المصلحة ليست في منافسة السودان، وإنما في تفكيكه، مبينا أن التفكيك، في نظر "الأعداء"، يحقق لهم حرمان هذه البلاد من ثرواتها وخيراتها، ومن قوة قد لا تحسن استخدامها، وبالتالي تقزيم مشروع الدولة الحضاري الإسلامي بغرض إيجاد بيئة حاضنة للتمرد، بجانب شغل الدولة بمشكلاتها الداخلية لجعلها مثالا للفشل، والاضطراب.
"طائرات مصرية فوق حلايب"
ومن جهته قال الكاتب السوداني محمد الطاهر إن التصعيد الجديد في مثلث حلايب، وإطلاق الجيش المصري لطائرات بدون طيار في المثلث، هو خطوة تثبت تماما سودانية حلايب، ونوع من أسلوب "المكايدة النسائية"، متسائلا: "لماذا هذه الطائرات الآن؟ ولماذا التحليق المكثف فوق سماء المدينة؟".
وأضاف أنه في المرحلة المقبلة يجب علي الحكومة أن تضع سياسة واضحة للتعامل مع مصر، "فلن نتلقي المزيد من الصفعات مرة أخرى من جارة طالما مددنا إليها يد العون"، وفق قوله.
تهديد مصري بإسقاط البشير
في المقابل، جاءت ردود الأفعال المصرية على التصعيد السوداني سريعة، وغير متوقعة.
وحذَّر رئيس مجلس أمناء مكتبة الإسكندرية، الدكتور مصطفي الفقي، المعين حديثا بقرار من السيسي، نظام حكم عمر البشير في السودان، مؤكدا أن النظام في مصر قادر على قلب نظام الحكم في السودان في يومين فقط، ولكنه لن يفعل ذلك، بحسب موقع "كايرو بورتال" المصري.
وبحسب الموقع أيضا: "أشار الفقي، في لقائه ببرنامج "يحدث في مصر"، إلى أن التصريحات التي أطلقها البشير تجاه مصر غير صحيحة، وأنه أراد من خلالها لمّ السودانيين حوله، مؤكدا أن السيسي منذ تولى حكم البلاد، وهو يتعامل مع السودان بشكل جيد للغاية ، وأنه ردَّ على الاتهامات السودانية لمصر بشيء من الأسى".
مزاعم "تحالف السودان وتركيا وقطر"
وفي سياق متصل، هاجم الكاتب المصري بصحيفة "اليوم السابع"، سليمان شفيق، بعنف، حديث البشير عن عدم سماحه بالدخول مع مصر في حرب حول حلايب.
وقال في مقال بالصحيفة: "اندهشت للغاية من حديث البشير، وكأنه رئيس دولة، وليس المتهم في قضايا ضد الإنسانية، ومطلوب تسليمه للمحكمة الجنائية الدولية؟ ولست أدري من أين أتى بتلك الجرأة التى تجعله يتصور أنه يستطيع أن يحارب مصر؟".
وأضاف شفيق: "لكنني قررت أن أكتب للأجيال الجديدة معلومة أن السودان كلها كانت جزءا من مصر، واستقلت عن مصر بعد الإعلان التاريخي للرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر باستقلال السودان في 1956".
وختم شفيق مقاله متهما السودان وتركيا وقطر بالتحالف ضد مصر، قائلا: "نحن إزاء تحركات الحلف التركي القطري نحو السودان، في محاولة شغل مصر بعيدا عن قضاياها الرئيسية، ولكن أبدا لن يمروا، وستظل حلايب وشلاتين مصريتين".