نشرت صحيفة "لاكروا" الفرنسية تقريرا؛ سلطت من خلاله الضوء على الإجراءات التي اتخذتها السلطات
المغربية من أجل وقف موجة الاحتجاج والغضب التي عمت مدينة الحسيمة، الواقعة في منطقة الريف في شمال المغرب، والمطلة على البحر الأبيض المتوسط.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن الحكومة المغربية قد ألقت القبض، يوم الأحد، على ناصر زفزافي، زعيم الحراك الشعبي في مدينة الحسيمة، بعد إطلاقها حملة اعتقالات طالت نشطاء ومؤيدين لهذا الحراك في منطقة الريف المغربي.
وتساءلت الصحيفة: "هل تعيش
احتجاجات الحسيمة ساعاتها الأخيرة؟"، وقالت إن السلطات المغربية تعمل جاهدة لإخماد شعلة
المظاهرات التي طغت على شوارع أكبر مدن الريف المغربي.
وأكدت الصحيفة أن زفزافي قد اقتيد مباشرة إلى مقر الشرطة العدلية في الدار البيضاء بعد إلقاء القبض عليه.
وقد أضحى هذا العاطل عن العمل، وصاحب 39 سنة، خلال أشهر معدودة رمزا للحراك الشعبي، الذي انطلق للمطالبة بجملة من الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لصالح المنطقة المهمشة.
وانطلقت شرارة الاحتجاجات الأولى في صفوف أبناء الحسيمة قد اندلعت تزامنا مع مقتل بائع الأسماك محسن فكري، في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
وأشارت الصحيفة إلى أن زفزافي قد أقدم على مقاطعة خطبة الجمعة ليوجه أصابع الاتهام لوزارة الشؤون الدينية، ومنظمات مغربية أخرى، "باستغلال الدين لأغراض سياسية بهدف تصفية الحسابات مع المتظاهرين ضد الحكومة".
وأوضحت الصحيفة أن وزارة الشؤون الدينية المغربية قد نددت بالاحتجاجات التي جابت شوارع الحسيمة، حيث أكدت أن هذه الممارسات من شأنها أن تبعث على الفتنة. وإثر ذلك مباشرة، أصدرت النيابة العمومية مذكرة اعتقال بحق زفزافي وعدد من زملائه، بتهمة نشر الفوضى وانتهاك حرية العبادة بعد أن قاطع خطيب الجمعة.
وذكرت الصحيفة أن العديد من الاشتباكات قد نشبت بين محتجين وقوات الأمن في الليلة الفاصلة بين يومي الجمعة والسبت. وفي خضم هذه المناوشات، أوقفت الشرطة المغربية قرابة 22 شخصا يعتبرون من أبرز نشطاء الحراك الشعبي. وفي هذا الصدد، أفاد الحقوقي فيصل أوسار أن "قرابة 40 متظاهرا تم التحفظ عليهم في انتظار عرضهم على المحاكمة".
وتجدر الإشارة إلى أن صحفيا جزائريا كان من بين الذين تم القبض عليهم واستجوابهم في مركز الشرطة المغربية. ويعمل هذا الصحفي لصالح يومية الوطن الجزائرية، حيث كان يقوم بتغطية الاحتجاجات منذ انطلاقها.
وأوردت الصحيفة أن المعتقلين قد وجهت لهم تهم خطيرة، على غرار تهديد أمن الدولة، وتلقي دعم لوجستي ومالي من الخارج، والمس بصورة ورموز المملكة المغربية.
وكان زفزافي قد رفع، خلال المظاهرات، راية جمهورية الريف التي تعود لسنة 1920، جنبا إلى جنب مع الراية الأمازيغية.
ونقلت الصحيفة وجهة نظر المؤرخ الفرنسي، بيير فيرميرن، الذي قال إن "العنف الذي مورس خلال موجة الاعتقالات في الحسيمة يعكس سياسة التخويف التي تنتهجها السلطات المغربية لإخماد موجة الحراك".
وأضاف المؤرخ الفرنسي أنه "كان من الأجدر ألا توجه السلطات المغربية تهما بهذه الخطورة للمحتجين، نظرا لأن ذلك سيعمق التوتر وحالة الغليان التي يشهدها إقليم الريف ككل، وربما قد يؤدي ذلك إلى انتشار الاحتجاجات في أقاليم أخرى".
وأشارت الصحيفة إلى أن سبعة وزراء أدوا زيارة إلى مدينة الحسيمة يوم 22 أيار/ مايو الماضي. وفي الأثناء، تعهد الوزراء بالإسراع في تنفيذ المشاريع الاستثمارية التي أعلن عنها منذ سنة 2015، والتي تشمل بناء مستشفيات ومدارس، ومد طرقات في إقليم الريف. ولكن هذه الوعود لم تكن كافية لإقناع أهالي الريف المغربي ومنعهم من الخروج للشوارع، حيث اعتبر زفزافي هذه الوعود مجرد "ضمانات" واهية من الحكومة.
ونقلت الصحيفة عن فيرميرن أن "هذه الاحتجاجات أحيت من جديد النزاع القديم بين إقليم الريف والدولة المغربية"، في إشارة إلى أن منطقة الريف قد نعت سابقا خمسة من أبنائها خلال مظاهرات سنة 2011، قتلوا على يد أجهزة الأمن المغربية، في حين تقاعست الدولة عن تنفيذ وعودها بإعادة إعمار ما دمره زلزال سنة 2004. وسبق تعرضت منطقة الريف إلى قمع شديد من قبل السلطات إبان المظاهرات التي نددت بسياسة التهميش الحكومي لأبناء هذه المنطقة بين سنتي 1958 و1959، كما تقول الصحيفة.