قال الأكاديمي والإعلامي المختص في الفكر السياسي الإسلامي والحركات الإسلامية، عزام سلطان التميمي، إن تسريب رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بسفير
الإمارات في واشنطن، يوسف العتيبة، يكشف عن "دور في غاية الخطورة يقوم به هذا السفير كجزء من الحملة المضادة التي أحبطت ثورات الشعوب العربية".
وأكد – في تصريحات لـ
"عربي 21"- أن دور "العتيبة" يعتمد بالدرجة الأولى على "محاولة الاستقواء بالولايات المتحدة، والتعاون مع أنصار الكيان الصهيوني لضرب التيارات التي تسعى نحو الإصلاح والتغيير، وتهديد بل وتقويض كل من يتعاطف معها أو يدعمها".
وأضاف التميمي:" هذا السفير لا يجد بأسا من أن يخلط الأوراق، إذ يتذرع في كثير من تحريضه بالخطر الإيراني، هذا على الرغم من أن إيران لم تكن أقل شراسة في محاربة ثورات الربيع العربي وعمل كل ما في وسعها لإجهاضها".
وأوضح أنه "من المبكر الحديث عن تداعيات هذه التسريبات، إلا أنه من المتوقع على المدى القريب أن تصب مزيدا من الزيت على النار التي أججها الخلاف الإماراتي
القطري، والذي عملت أطراف إماراتية وسعودية لمصالح شخصية وآنية على إقحام المملكة العربية
السعودية فيه، مما أضعف دور المملكة وأتى على مكانتها داخل المنظومة الخليجية الممثلة بمجلس التعاون الخليجي، الذي بات في مهب الريح".
واستطرد قائلا:" ما لم يسارع أصحاب الحكمة للحد مما نشهده من طيش، وما لم يتداعى أهل الرأي ليغلقوا باب الفتنة الذي فتحه بعض الصبية المتنفذين، فإن الخليج بأسره سيدفع ثمنا باهظا للمكائد التي تحاك بليل وباتت تنفذ في وضح النهار ضد الأمة العربية بأسرها، ولن يستفيد من ذلك سوى الصهاينة".
اقرأ أيضا: الترجمة الكاملة لتسريبات بريد السفير الإماراتي في واشنطن
وتابع:" من المؤسف حقا أن دولة الإمارات رغم ما كان لها في يوم من الأيام من دور مشكور في دعم مشاريع الخير بما حباها الله به من نعم، باتت اليوم ترتبط بكل المكائد التي تحاك ضد الشعوب العربية المتطلعة إلى الحرية والكرامة، وتحولت ثرواتها إلى نقم على الأمة".
وأردف:" ما كانت قيادة هذه الدولة (الإمارات) بحاجة لأن تقف هذا الموقف، ولا أن تفتح الباب على مصراعيه لكل خصوم الشعوب العربية ليلجئوا إليها ويستغلوا خيراتها في مكرهم وإفسادهم، وما كانت مضطرة إلى دعم وتمويل الانقلاب في مصر وإعاقة وإحباط حركات التغيير في ليبيا واليمن، وربما في غيرهما، الأمر الذي بات يحملها عبئا سياسيا وأخلاقيا وتاريخيا لن تقوى على الاستمرار في حمله".
وأشار إلى أن مثل هذه الممارسات تحدث عندما تكون "المؤسسة الحاكمة ممثلة بشخص أو مجموعة من الأفراد، ويشعرون بأنهم فوق المساءلة والمحاسبة، في تغييب تام لرأي عامة الناس فيما ينتهجونه من سياسة وما يتخذونه من قرارات وما يبرمونه من تحالفات".
وحول أسباب عداء حكام الإمارات لحركة
الإخوان المسلمين، قال:" لعل العداء الذي تكنه قيادة إمارة أبو ظبي بالذات لجماعة الإخوان هو الذي حدد معالم الطريق الذي تسير فيه الإمارات في صدام تام مع تطلعات شعوب المنطقة نحو الحرية والكرامة وإقامة منظومات سياسية ديمقراطية مرجعها الإرادة الحرة للشعوب".
ورأى أن "جماعة الإخوان بما تمثله من فكر إسلامي وسطي، هو الأقرب إلى التفسير الصحيح لأحكام وغايات الدين الحنيف، باتت أقرب الحركات الاجتماعية والسياسية إلى قلوب وعقول جماهير الأمة، ولذلك كانت مرشحة في كل بلد عربي يحظى بتحول ديمقراطي حقيقي أن تفوز بثقة الشعوب وتصل إلى الحكم عبر صناديق الاقتراع".
وأضاف:" كما أن جماعة الإخوان بمدرستها الفكرية المعتدلة تمثل الحصن الأمتن ضد الغلو والتطرف الذي تستخدمه أنظمة الاستبداد والفساد شماعة لتستمر في اضطهاد الشعوب وفي سلب خيراتها".
وأكمل:" لعل واحدا من التفسيرات هي اقتناع حكام أبو ظبي بأن ملكهم في خطر بسبب الإخوان المسلمين. وهي قناعة خاطئة، لأن الإمارات بالذات لم يكن إسلاميوها يطمحون ولا يخططون لأكثر من إصلاح بعض جوانب الحياة السياسية والاجتماعية في البلاد، فعامة الناس في الإمارات يعيشون في رغد اقتصادي لا يلح عليهم - كما هو الحال في بلدان مثل مصر أو سوريا أو ليبيا أو اليمن أو المغرب أو تونس أو العراق - بالانتفاض من أجل حقوق حُرموا منها وكرامة سلبت منهم".
وقال:" هناك من يرى بأن حكام أبو ظبي تأثروا بآراء ومواقف بعض من لديهم كره عميق وحقد دفين ضد كل تجليات الحراك الإسلامي التجديدي ممن كانوا يستعينون بهم من خبراء الأمن الذين كانوا يستوردون من دول قمعية ثارت عليها الشعوب في الربيع العربي".
وذكر:" لعل في الأمر دوافع أخرى ذات علاقة بتأثر هذا الجيل الحاكم ثقافيا بنزعات معادية للحضارة العربية والإسلامية ومتمردة على تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، بما يعني أنه قد يكون للخصومة جانب فكري وأيديولوجي. والحقيقة أن هذا أمر مستهجن لأنه لم يؤلف عن القبائل والعشائر العربية في شبه جزيرة العرب، التي رغم كل ما كان يحدث كانت تكن – ولو على الأقل في الظاهر – كل الاحترام لقيم الأمة وتعاليم دينها".
اقرأ أيضا: هل تنقذ تسريبات العتيبة قطر وتقلب الطاولة على الإمارات؟
وبسؤاله عن مآلات الأزمة القطرية الخليجية برأيه، أجاب:" يؤسفني القول إنها إذا ما استمرت ولم يسع الحكماء من رجالات المنطقة إلى احتوائها وإطفاء نيرانها، فسوف تكون أضرارها بالغة، ولن يسلم منها أحد، وستجر المنطقة إلى مزيد من الصراعات".
وأضاف:" لعل أكبر المستفيدين من هذه الأوضاع بعد الكيان الصهيوني هي إيران التي ما لبثت تسعى إلى مد أجنحتها في المنطقة وتثبيت نفوذها بعد أن صار لها موطئ قدم في كثير من عواصم العالم العربي، وما كان ذلك ليتحقق لها لولا الثورة المضادة التي أوقفت حركة التغيير إلى الحين وولدت حالة من الإحباط لدى كثير من أبناء الجيل الجديد، وأوجدت البيئة المناسبة لتيارات الغلو والتطرف والعنف".
واستطرد قائلا:" ها نحن الآن، وفي خضم الحرب الإعلامية والدبلوماسية التي تشنها أطراف في الإمارات وفي السعودية على جارتهم قطر نسمع تبجح أنصار إيران في العراق داخل ما يسمى بالحشد الشعبي إذ يعلنون صراحة أنهم يستعدون للزحف باتجاه الرياض".
واختتم "التميمي" بقوله:" ما تحتاجه منطقة الخليج اليوم أكثر من أي وقت مضى هو التكاتف والتعاضد ونبذ الخلافات والصراعات، وأن يشد أبناؤها أزر بعضهم البعض قبل أن يؤدي هذا التشرذم والتفتت إلى ما آلت إليه أوضاع المسلمين في الأندلس قبل أن تمحى فيها آثارهم إلا من بعض المساجد والقصور التي حولت إلى كنائس أو متاحف. واعتبروا يا أولى الأبصار".