تشهد دول مجلس التعاون الخليجي أخطر أزمة منذ إنشائه في 1981، بعد إعلان ثلاث من دول المجلس هي
السعودية والإمارات والبحرين، بالإضافة إلى مصر والحكومة الليبية قطع علاقاتها مع
قطر.
وأتت هذه الأزمة بعد زيارة الرئيس الأمريكي للسعودية، ولقائه القادة العرب في قمة الرياض، حيث رأى أستاذ العلوم السياسية حسن نافعة أن التطور الأخير ضد قطر نتاج مباشر لزيارة ترامب للرياض، وما أسفرت عنه هذه الزيارة من توجهات عامة في المنطقة.
وأوضح لـ"
عربي21"، أن هذه الأزمة ليست الأولى من ونوعها بين السعودية والإمارات ومصر مع قطر، إلا أنه جرى الاعتقاد في الأزمة السابقة أن التغير في الموقف السياسي من قطر والتوتر معها حدث جراء التغير في القيادة السعودية بعد رحيل الملك عبدا لله، "لكن تبين الآن أن الأزمة عميقة بين دول التعاون الخليجي".
أما أستاذ العلوم السياسية، أحمد سعيد نوفل، فرأى الأمر ذاته في حديثه لـ"
عربي21"، قائلا إن "مجيء ترامب للمنطقة هو ما أشعل الأوضاع، فقد كانت هناك وجهات نظر مختلفة بين قطر ودول الخليج ولكن لم يكن أحد يتصور أنها ستتطور إلى القطيعة، ولكن مجيء ترامب سرع في التوتر".
اقرأ أيضا: دبلوماسي إسرائيلي يتحدث عن دور ترامب في القرارات ضد قطر
اختلاف سياسي.. و"وصاية"
ويبدو من خلال التصعيد الأخير غير المسبوق، أن الأمر أكبر من أخبار ملفقة نشرت على وكالة الأنباء القطرية بعد تعرضها للاختراق، إذ أكد نوفل أن السعودية والإمارات تتعارض سياساتها في المنطقة مع سياسات قطر الإقليمية، فهي تريد إجبارها على أن تكون أكثر انسجاما معها.
وهو الأمر الذي اتضح أيضا من خلال تصريحات وزارة الخارجية القطرية في بيان أصدرته الاثنين، اعتبرت فيه أن "الهدف من هذه الإجراءات التي اتخذت بالتنسيق مع مصر واضح، هو فرض الوصاية على الدولة".
من جهته، أكد نافعة أن "هناك رغبة في أن تدخل قطر إلى الحظيرة"، وتصبح مثلها مثل بقية الدول العربية التي ترى في
إيران الخطر الأكبر وترى في حماس والجهاد الإسلامي والمنظمات الفلسطينية المقاومة وحزب الله اللبناني "منظمات إرهابية".
ويرى أن السعودية والإمارات تريدان من قطر اعتبار إيران دولة معادية للدول العربية، وتأكيد زعامة السعودية للمنطقة.
في حين، رأى الخبير السياسي البروفيسور عبد الستار قاسم، أن ما يحصل في الخليج اليوم صراع على النفوذ، مضيفا أنه لا يعتبر أن هناك قضايا حيوية يتصارعون عليها، إنما هي قضية تتعلق بالوجاهة العربية وحب السيطرة، وفق قوله.
ووافق ما ذهب إليه نافعة، بالقول إن ما يجري بين السعودية وقطر ليس جديدا، إنما له من العمر سنوات عدة، وكل طرف يحاول أن يكون هو السيد وصاحب القرار في الجزيرة العربية.
وأكد لـ"
عربي21" أن ما يحصل اليوم يضع الأمة العربية في نزاعات لا ضرورة لها، تضر ولا تنفع.
دور بارز في المنطقة و"وسيط نزيه"
وظهرت قطر "وسيطا نزيها" في الصراعات الدائرة في المنطقة، بما في ذلك نشاطها في ملف القضية الفلسطينية، والوساطات السياسية في سوريا، والوساطات ذات الطابع الإنساني في دول القرن الإفريقي والسودان ولبنان.
وصار هذا الدور الإقليمي سمة السياسة الخارجية القطرية، من وساطات بين أطراف دولية وعربية، وهو الأمر الذي رأى فيه نافعة أنه لا يرضي الرياض التي تريد احتكار رعايتها للمنطقة، وأن يكون المنظور الأمريكي للشرق الأوسط من خلال التوجه السعودي بما يتصل مع قضايا الشرق الأسط.
وكانت صحيفة الرياض نشرت تقريرا مؤخرا تحت عنوان "قطـر.. ووهـم العظمة" يعكس معارضة سعودية للدور القطري في المنطقة، وانتقاد للأمير القطري واتهام الدوحة بابتداع نجاح وهمي وعظمة خيالية، وفق وصفها.
علاقة قطر بالإسلام السياسي
وأعلنت الإمارات من جهتها أسباب قطعها علاقاتها مع قطر بـ"مواصلة دعمها وتمويلها واحتضانها للتنظيمات" التي وصفتها بـ"الإرهابية والمتطرفة والطائفية".
أما السعودية فأعلنت أن دافعها لقطع العلاقة مع الدوحة "حماية أمنها الوطني من مخاطر الإرهاب والتطرف".
وذكرت على رأس هذه الجماعات التي وصفتها بـ"الإرهابية" جماعة الإخوان المسلمين، وزعمت عمل قطر بشكل مستمر على "نشر وترويج فكر تنظيم داعش والقاعدة عبر وسائل إعلامها المباشر وغير المباشر"، وفق قولها.
وتتهم قطر بتقديم تمويل لجماعات تصنفها دول خليجية وعربية بأنها "إرهابية"، في حين أن لقطر علاقات جيدة مع جماعة الإخوان المسلمين، وحركة حماس وجماعات المقاومة الفلسطينية.
ورأى نافعة أن الرياض وأبو ظبي تريدان أن تتخلى الدوحة عن دعمها لجماعة الإخوان المسلمين ودعمها لحركتي حماس والجهاد الإسلامي.
وأضاف أنها تريد أن تكف قناة الجزيرة عن تقديم تغطيات ترى أنها تدعم حركة حماس وحركات المقاومة في فلسطين.
وتعليقا على الاتهمات السعودية والإماراتية لقطر، قال الدكتور قاسم إن "التهمة التي توجهها دولة ضد أخرى في الخليج بالإرهاب أو تقسيم الأمة العربية أو بث الفساد والفتن هي تنطبق عليها، بل تنطبق على الجميع" في دول عدة أبرزها سوريا والعراق واليمن.
ورأى أن "حماس ليست مربط الفرس في الأزمة، وليست قضية أساسية، بل هي قضية أساسية بالنسبة لإسرائيل، والأخيرة تضغط عن طريق أمريكا لطرد قيادات حماس"، مضيفا أن "السعودية لها موقف سلبي من حماس وهذا صحيح، ولكنها لا تعتبرها منافسا للسيطرة والنفوذ في الخليج".
وحول اتهام الإمارات ومصر والسعودية لقطر بدعم الإخوان المسلمين، قال قاسم إن "هذا المحور الثلاثي يرى أنه يجب ملاحقة الإخوان المسلمين في قطر، بزعم أنه يمكن أن يشكل الإخوان في قطر بؤرة اتصال وتواصل مع الإخوان في هذه الدول، ما يمكن أن يؤدي إلى خلل في الأمن القومي".
وأشار إلى أن هذا الأمر له علاقة بين السعودية وتركيا، فالأخيرة تدعم وجود حركة حماس في قطر، ولديها استعداد لتقديم الدعم الدبلوماسي لقطر، وهذا لا يرضي دول الخليج.
إيران العدو الأول
واتفق المحللون في حديثهم لـ"
عربي21"، على أن هناك رغبة خليجية في أن تتبنى قطر موقفا مشابها لبقية دول الخليج، التي ترى في إيران الخطر الأكبر أكثر من خطورة إسرائيل.
وقال نافعة إن السعودية والإمارات تريدان من قطر أن لا يكون لها أي علاقة مختلفة مع إيران، وأن تتعامل معها على أنها العدو رقم واحد للدول العربية.
في حين قال نوفل، إن موقف قطر السياسي الذي يختلف عن باقي الدول الأخرى بالنسبة لإيران أمر يغضب السعودية والإمارات ومصر.
وأشار إلى أن قطر وسلطنة عمان لهما علاقات مع إيران، في حين ترى بقية دول مجلس التعاون الخليحي في إيران العدو الأول.
موقفها من الانقلاب في مصر
وتوترت العلاقات بين قطر ومصر منذ الانقلاب العسكري الذي قاده عبد الفتاح السيسي على حكم الرئيس محمد مرسي.
وما زالت العلاقات متوترة حتى اليوم، وكان آخر مظاهرها مغادرة السيسي ووفده قاعة القمة العربية التي عقدت في البحر الميت في الأردن، وانتقاد الأمير القطري لنظام السيسي بشكل غير مباشر، مطالبا بعدم الخلط بين التنظيمات السياسية السلمية (في تلميح واضح إلى جماعة الإخوان المسلمين)، والأخرى التي تلجأ إلى ممارسة العنف.
ورأى نوفل أن "مصر لعبت دور رئيسا في تأجيج هذه الخلافات، بسبب العلاقة المتوترة بين القاهرة والدوحة والعلاقة التي انقطعت منذ سنوات"، مؤكدا أن العامل الخارجي لعب دورا كبيرا في إشعال هذه الفتنة داخل مجلس التعاون الخليجي.
ما الذي سيحدث؟
من جانبه، رأى نافعة أن ما سيأتي مستقبلا إثر هذه الأزمة أهم وأخطر، وله علاقة بالتطورات في الشرق الأوسط، والصراع العربي الإسرائيلي والعلاقة مع إيران.
وأكد أن ما يحدث "إعادة توفيق أوضاع المنطقة مع السياسة التي تتبناها الولايات المتحدة وتتبناها إسرائيل أيضا".
من جانبه، توقع قاسم في حديثه لـ"
عربي21" أن الأزمة لن تأخذ وقتا طويلا، "ففي النهاية يمكن أن تدخل دول مثل الكويت وعمان من أجل إصلاح ذات البين".
ويعتقد بأن قطر قد تضطر إلى أن تلبي بعض المطالب السعودية، مثل طرد الإخوان المسلمين، والانصياع لبعض السياسات السعودية، وعدم البحث عن استقلالية القرار القطري.
اقرأ أيضا: قطع العلاقات مع قطر .. آخر التطورات " ملف "
وكانت السعودية ومصر والبحرين والإمارات واليمن والحكومة الليبية أعلنت الاثنين قطع علاقاتها مع قطر، وإغلاق حدودها أمام رحلاتها، وذلك بعد 15 يوما على زيارة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وقرر التحالف العربي الذي يقاتل الحوثيين في اليمن إنهاء مشاركة قطر، التي تبرز باستمرار دورها الإقليمي.
ويأتي هذا التوتر أيضا بعد الزيارة التي قام بها ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد إلى السعودية، ولقائه العاهل السعودي، بالتزامن مع التوتر الذي حصل مع قطر جراء "تصريحات ملفقة".