ذهب المحلل سايمون هندرسون بعيدا في مقارنته الأزمة الدبلوماسية الحالية بين
قطر وجوارها، بأسباب الحرب العالمية الأولى.
وكتب الباحث في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدني في مجلة "فورين بوليسي" مقالا عن تداعيات العزلة الدبلوماسية لقطر، وإن كانت ستقود إلى حرب كبرى.
ويقول هندرسون: "سراييفو 1914 والدوحة 2017؟ فنحن أمام لحظة تاريخية، مثل اغتيال ولي عهد الإمبراطورية النمساوية الهنغارية، التي أدت إلى ما عرف بالحرب العظمى، مع أن المواجهة المحتملة قد تكون بين
السعودية والإمارات من جهة، وإيران من جهة أخرى، وعلى الولايات المتحدة التحرك سريعا لوقف عملية الزحف نحو الحرب، بدلا من الانتظار حتى بدء المذبحة".
ويضيف الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، أن "الهدف الشكلي لكل من السعودية والإمارات هو قطر، التي انحرفت عن الإجماع الخليجي فيما يتعلق بإيران".
ويشير هندرسون إلى أن الإجراءات التي اتخذتها السعودية والإمارات من فرض حظر جوي وبحري على الدوحة، ومنع الطيران القطري من التحليق فوق الأجواء السعودية، تمثل مبررا واضحا للحرب، لافتا إلى أن حرب الأيام الستة، التي وقعت قبل 50 عاما، اندلعت بسبب إغلاق مصر مضيق تيران، بشكل منع إسرائيل من العبور للبحر الأحمر.
ويقول الكاتب إن "
إيران عرضت على قطر استخدام موانئها الثلاثة لتستورد المواد الغذائية التي يعتمد عليها البلد، وهي لفتة ستنظر إليها الرياض وأبو ظبي على أنها تأكيد لـ(خيانة) الدوحة في سياق علاقاتها مع طهران".
ويلفت هندرسون إلى أن سبب الأزمة هو قرصنة وكالة الأنباء القطرية في 24 أيار/ مايو، حيث نشرت على موقعها تصريحات منسوبة لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد، التي زعمت أنه قلل من عدوانية العرب تجاه إيران، وأكد التقرير المزعوم دعم قطر للإخوان المسلمين وحركة حماس الفلسطينية.
ويذكر الكاتب أن الإعلام المؤيد للسعودية والإمارات نشر هذه القصة، وتعامل معها كأنها حقيقة، ونشر سيلا من التعليقات، مشيرا إلى أنه تم نشر التصريحات المزعومة مرات عديدة، في وقت تم فيه حجب المواقع الإخبارية القطرية كلها، حيث لم يقرأ السعوديون والإماراتيون التكذيب القطري.
ويقول هندرسون إن "هناك احتمالا ببداية عملية القرصنة من طهران، التي شعرت بالانزعاج من الموقف المعادي لها من القمة العربية الأمريكية، في الفترة ما بين 20-21 أيار/ مايو في الرياض، عندما هاجم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الجمهورية الإسلامية، وتعرض حساب وزير الخارجية البحريني في 3 حزيران/ يونيو لعملية قرصنة لعدة ساعات، في عملية ألقت الحكومة بمسؤوليتها على المعارضة الشيعية البحرينية".
ويذهب الكاتب إلى أن "دوافع إيران هي إظهار تفكك دول الخليج، بالإضافة إلى انزعاجها من مصادقة ترامب على موقف مجلس التعاون الخليجي من طهران".
وينوه هندرسون إلى أن "قطر تنظر إلى نفسها على أنها ضحية لمؤامرة حاكتها كل من الرياض وأبو ظبي، اللتين اتسمت علاقتهما بقطر بالعداء، رغم عضويتها في مجلس التعاون الخليجي، حيث ترى الرياض قطر دولة مشاكسة، خاصة أن المملكة تعطي الوهابية دورا مهما، وترى الدوحة التي تسمح للمرأة بقيادة السيارة وللأجانب بتناول الكحول، أن السعودية شوهت سمعة الوهابية، وفي الوقت ذاته فإن أبو ظبي تمقت الدوحة لدعمها للإخوان المسلمين، الجماعة الممنوعة في
الإمارات".
ويستدرك الكاتب بأنه "رغم أن الأزمة الحالية تعود إلى أزمة الثمانية أشهر في عام 2014، إلا أن جذورها تعود إلى عام 1995، عندما أطاح الشيخ حمد بوالده خليفة، حيث تعاملت السعودية والإمارات مع الانقلاب الذي حدث داخل العائلة على أنه سابقة خطيرة، ولهذا فإن العائلات الخليجية الحاكمة قامت بالتآمر على حمد".
وينقل هندرسون عن دبلوماسي كان مقيما في الدوحة أثناء تلك الفترة، قوله إن الدولتين الجارتين لقطر قامتا بتنظيم مجموعة من أبناء القبائل، ووكلتها بمهمة قتل حمد وشقيقيه، بالإضافة إلى وزير الخارجية والطاقة، في محاولة لإعادة الأمير السابق، لافتا إلى أن الإمارات جهزت طائرات هيلوكبتر مقاتلة ومقاتلات على أهبة الاستعداد للمساعدة في الانقلاب، الذي لم يحدث؛ لأن أحد أبناء العشائر كشف عن الخطة قبل بدئها.
ويعلق الكاتب قائلا: "في ضوء هذا التاريخ، فإن أي مخاوف من جانب الأمير تميم تعد مبررة، ففي نهاية الأسبوع الماضي ذكرت صحيفة إماراتية أن أحد أبناء عائلة آل ثاني الحاكمة، وهو الشيخ سعود بن ناصر، يفكر بزيارة الدوحة ليؤدي دور الوسيط".
ويبين هندرسون أنه "رغم أن عدد سكان قطر يبلغ حوالي 200 ألف نسمة، إلا أن من الصعب شرح أهميتها، فالذين يعيشون فيها من الأجانب يرون فيها متعة، حيث تتسيد السماء العالية ناطحات السحاب، ومع ذلك فإن قطر يعيش فيها أكثر الناس دخلا على وجه الأرض، ولديها أكبر احتياطي للغاز الطبيعي في العالم بعد إيران، وتعد المزود الرئيسي للأسواق في بريطانيا واليابان، وفيها قاعدة العديد، التي تنطلق منها عمليات الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة في العراق وسوريا، وهي مقر القيادة المركزية الأمريكية".
ويقول الكاتب إن "الأولوية الرئيسية للشيخ تميم (37 عاما) هي أن يظل حليفا للولايات المتحدة، دون أن يفعل شيئا يزعج إيران، فقطر تشترك مع إيران في حقل الغاز الطبيعي ذاته".
ويرى هندرسون أن "واشنطن يمكنها أداء دور مهم في نزع فتيل الأزمة، وربما اعتقد المسؤولون الأمريكيون أن قطر لم تكن عادلة في موازنة علاقتها مع أمريكا وإيران، إلا أن معركة بين الرياض والدوحة، أو حربا تدفع قطر باتجاه إيران لن تفيد أحدا".
ويلفت الكاتب إلى أنه "يعتقد أن وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون، الذي كان مديرا لشركة (إكسون موبيل) في وضع ملائم لأداء دور في حل الأزمة، حيث كانت شركته من أكبر اللاعبين في مجال الطاقة في قطر، ولهذا فإنه يعرف صناع القرار فيها".
ويقول هندرسون إن "السعودية والإمارات تحضران لأن تكون بلادهما مكانا بديلا للقوات الأمريكية، بعد الخروج من العديد، لكن سجلهما لا يشجع، ففي عام 2003، أمرت السعودية القوات الأمريكية بالخروج من قاعدة الأمير سلطان الجوية، حيث بدأت السعودية تواجه التطرف الديني في مرحلة ما بعد 11/ 9، أما أبو ظبي فلديها بارجة أمريكية وطائرات استطلاع، بالإضافة إلى أن عملية إنشاء مركز قيادة عمليات جديد يأخذ وقتا ليكون بديلا عن قاعدة العديد".
ويخلص الكاتب إلى القول إن "هذه المواجهة تعد امتحانا لإدارة ترامب الشابة، فلم تمض سوى أسابيع عندما قام ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد بدفع الشيخ تميم أثناء الوقوف للصورة التذكارية ليكون على يمين ترامب، والآن تقوم السعودية والإمارات بمحاولة عمل الأمر ذاته على المسرح الدولي، ومن بين أزمات الشرق الأوسط المحتملة، لم يذكر مستشارو الرئيس ترامب هذه الأزمة".