شكك خبراء زراعيون ومهندسون استشاريون، بنتائج حملة قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي على ما سماه "التعدي على أراضي وأملاك الدولة" التي أعلن عنها الأربعاء في مؤتمر جماهيري عقد بمسرح الجلاء في القاهرة.
وأعلنت حكومة الانقلاب عقب الحملة التي شنتها بإيعاز من السيسي مطلع الشهر الجاري، أن إجمالي حالات التعدي بلغت 289 ألف حالة؛ تصل إجمالي مساحتها إلى نحو 1.9 مليون فدان و169 مليون متر مربع.
انتكاسة للزراعة
ورفض أستاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة الأزهر، محمود منصور، إطلاق مسميات من قبيل "تعدِّ واستيلاء"، وقال لـ"
عربي21" إن "كثيرا من تلك الأراضي كانت صحراوية ولا تساوي شيئا، ومن يوصفون بالمتعدين هم مصريون قاموا بزراعتها وتعميرها، ولم ينقلوها خارج مصر".
ودلل على حديثه بالقول إن "الطريق الزراعي من القاهرة إلى الإسكندرية؛ تبلغ الزراعة على جوانبه مليونين ونصف المليون فدان، تمت زراعتها وتعميرها بمشاركة الجمعيات التعاونية الزراعية والأفراد والأسر؛ من خلال استصلاحها عبر سنوات طويلة".
وانتقد طريقة إزالة "التعديات" قائلا إنها "تمت بشكل غير منهجي أو مدروس، ويبعث على التقزز، والجانب السلبي الذي لم يره إلا القليل هو مصادرة أملاك وجهد وتعب الناس الذين أنفقوا أموالهم لتعمير الأرض".
وحذر منصور من عواقب هذه الحملات، لافتا إلى أن "ما حدث سيؤثر بشكل كبير على الزراعة المصرية، وعلى الاستثمار في الاستصلاح الزراعي، وتوسع الرقعة الزراعية".
حماية الكبار فقط
من جهته؛ انتقد المهندس الاستشاري ممدوح حمزة "الضبابية التي صاحبت حملة الإزالات والتعديات"، وقال لـ"
عربي21": "لا أعرف ما هو تعريف التعدي؟ وما نوعه؟ وهل هي أراض سياحية أم صناعية أو زراعية أم إسكان؟ ومن هم أهم 10 أو 20 متعد؟ وهل تم حصر من يسمون بالمتعدين أو إعلان أسمائهم؟".
وتابع: "نحن في بلد ليس بها أية بيانات، وما يعلن لنا هو ما يرغبون في إعلانه هم فقط.. أم أنه تم إزالة ومصادرة أراض المواطنين العاديين الضعفاء فقط؟".
وكشف حمزة أن "الفساد الحقيقي في القضية ليس ما يروج له في الإعلام، وإنما شراء آلاف الأفدنة وملايين الأمتار بهدف الزراعة، ومن ثم تحويلها إلى مشاريع عقارية عملاقة تدر
مليارات الجنيهات"، مشيرا إلى أن "الدولة نفسها هي من أصدرت تصاريح البناء على تلك الأراضي، فهي عملية نصب شاركت فيها الدولة" على حد تعبيره.
النظام ومافيا الأراضي
من جانبه؛ أكد الصحفي المتخصص في شؤون الزراعة جلال جادو، أن "المساحات المسيطر عليها من مافيا الأراضي -وهم في العادة جزء من السلطة الحاكمة في مصر- لا يستطيع أحد تحديد حجمها؛ ففي مصر لا وجود لأرقام أو إحصاءات حقيقية في أي شيء".
وقال لـ"
عربي21" إن "ملف الأراضي قديم، ولم يتم التعامل معه أبدا بطريقة تحقق مصلحة كل من الدولة والمواطن، وإنما يتم التعامل معه بطريقة الهبّات التي دائما ما تكون على حساب الغلابى من الفلاحين؛ لأنهم هم الوحيدون الذين يضعون أيديهم على الأرض بغرض الزراعة وحسب، وفي العادة تكون مساحات هذه الأراضي صغيرة، وغالبا يكونون قد اشتروها من أحد الكبار المقربين من السلطة".
ووصف
حملة السيسي بـ"الكارثة التي يهدف من خلالها العسكر إلى جمع أراضي مصر كلها -بما فيها الزراعية- تحت سيطرتهم، وأن يصبحوا هم وحدهم من يتحكم فيها، في ظل غياب أي دور لوزارة الزراعة بهذا الشأن"، لافتا إلى أن "السيسي عندما أراد أن يهدي ألف فدان لأهالي المراشدة بقنا؛ كلف الجيش الذي بدوره أعلن عن شروط بيع هذه الأراضي للناس".
الدولة شريكة في النصب
بدوره؛ قال المحلل السياسي سيد أمين، إن "النظام العسكري الحاكم في مصر يرتكب الجريمة ثم يتفاخر بأنه استطاع إخفاء بعض آثارها، والحقيقة أن كبار اللصوص المقربين من النظام الحاكم قاموا بسرقة أراضي الدولة تحت عينها وبصرها وبمشاركتها".
وأوضح لـ"
عربي21" أن "كبار اللصوص هؤلاء هم من باعوا الأراضي التي لا يملكونها بمئات المليارات من الجنيهات للمحتاجين لها من أبناء الشعب، وأثروا ثراء فاحشا، ثم ظهر النظام العسكري ليستردها من هؤلاء الضحايا، ويبطش بهم دون خشية، وليشارك في نهب ثرواتهم مرة أخرى" وفق قوله.