كان مفاجئا وصادما في أوساط علمية وشعبية إدراج اسم الدكتور الشيخ يوسف
القرضاوي ضمن القائمة الجديدة للإرهاب التي أعلنت عنها كل من
السعودية والإمارات والبحرين ومصر، والتي تضمنت 59 شخصا، و12 كيانا.
وذكر البيان الصادر عن تلك الدول "أن القائمة المدرجة تأتي في ضوء التزام الدول الأربع بمحاربة الإرهاب، وتجفيف مصادر تمويله ومكافحة الفكر المتطرف وأدوات نشره وترويجه".
واستنكرت "رابطة علماء السنة" في اسطنبول إدراج اسم الشيخ القرضاوي على قائمة الإرهاب الجديدة، وشاركتها في الموقف ذاته "رابطة علماء فلسطين في غزة"، كما أعلن الداعية الهندي سلمان الحسيني الندوي تضامنه مع الشيخ القرضاوي.
وتساءل نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، كيف أضحى الشيخ القرضاوي إرهابيا وقد كان محل حفاوة وتكريم أثناء مشاركته في مؤتمر رابطة العالم الإسلامي، المنعقد في مكة بتاريخ 19 آذار/مارس الماضي، والذي ظهر فيه إلى جانب مفتي المملكة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ.
ووفقا لنشطاء ومراقبين فإن ما يثير الاستغراب في هذا التحول المفاجئ والدراماتيكي في المواقف، غموض المعايير المعتمدة في تلك التصنيفات، إذ ما الذي أحدثه الشيخ القرضاوي بعد شهرين من مؤتمر مكة ليتم إدراج اسمه ضمن قائمة الإرهاب الجديدة بحسب تساؤل نشطاء.
"
عربي21" توجهت بالسؤال إلى أستاذ الفقه الإسلامي وأصوله في جامعة أم القرى، محمد السعيدي لمعرفة رأيه في ذلك، وللاستفسار عن أسباب هذا التصنيف ودوافعه.
في جوابه سلك السعيدي مسلكا دبلوماسيا قال فيه: "بصرف النظر عن وصفه (يعني القرضاوي)، أو غيره بالإرهاب أو عدم وصفه به، فأنا أرى كل عالم دين يدعو إلى الثورات قد ضل الجادة في مسألة السياسة الشرعية، ووسائل الإصلاح".
وردا على سؤال: هل يستدعي ذلك إنهاء عضويته في مجمع الفقه الإسلامي؟ قال السعيدي: "في رأيي أن فتاواه المتماشية مع الفكر "الليبروإسلامي" كانت تقتضي من سنين عدم إشراكه، إو إشراك سواه من ذوي التوجهات الليبروإسلامية في الفتوى، وليس للسبب الطارئ اليوم".
ومن المعروف أن للأكاديمي السعودي محمد السعيدي موقفا مناهضا للثورات العربية، وانطلاقا منه انتقد بشدة تأييد الشيخ القرضاوي ودعمه لتلك الثورات، ودعاه في أكثر من مناسبة إلى مراجعة مواقفه المؤيدة للثورات، متمنيا أن يوقظه فشل الثورات "من خطئه السياسي والمصلحي في موقفه منها".
من جهته اعتبر الداعية السلفي المغربي، الشريف الحسن الكتاني ما أقدمت عليه السعودية والإمارات والبحرين من مقاطعة
قطر "أشبه ما يكون بالجنون، والذي ما كنا نتصور وقوعه حتى في الأحلام" على حد قوله.
ووصف الكتاني في حديثه لـ"
عربي21" أن ما يجري يدل على مدى الانحدار الذي وصلنا إليه، مبديا استهجانه الشديد من قيام دول عربية بمحاصرة بلد عربي آخر يرتبطون معه في الدين وعلاقات اقتصادية واجتماعية ونسب ومصاهرة لمجرد اختلافات سياسية.
واستغرب الكتاني إدراج "خيرة علماء ومفكري الأمة" ومن بينهم الشيخ القرضاوي، على قوائم الإرهاب، متسائلا: كيف يجعلونهم إرهابيين ومجرمين؟
وفي السياق ذاته أرجع الباحث الأردني ياسر عطية بني عودة إصدار تلك القائمة الجديدة للإرهاب إلى أسباب سياسية في خضم الصراع القائم حاليا بين الدول التي أصدرت تلك القائمة ودولة قطر.
وأوضح بني عودة لـ"
عربي21" أن القائمين على الشأن الديني في السعودية، وعلى رأسهم المفتي الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، وإمام الحرمين الشيخ السديس يدورون مع سياسات ولي الأمر ويباركون قراراته، وهذا هو المعروف عنهم.
واستغرب بني عودة إدراج القرضاوي على قائمة الإرهاب الجديدة، متسائلا: "كيف غفلوا عن ذلك كل هذه السنين إن كان الرجل إرهابيا، وكيف سمحوا لكتبه بأن تدرس في الجامعات السعودية، ويفسح لها بالبيع في المكتبات والأسواق السعودية إن كانت تحض على الإرهاب كما اكتشفوا ذلك مؤخرا؟".
وتعليقا منه على قرار رابطة العالم الإسلامي بإنهاء عضوية القرضاوي من مجمع الفقه الإسلامي التابع لها، قال بني عودة "إن هذا القرار يشبه قرار اليمن وجزر المالديف قطع العلاقات مع قطر من حيث الانصياع للداعم والالتزام التام بتنفيذ أوامره".
وأبدى بني عودة أسفه على مباركة العلماء أعضاء المجمع لهذا القرار، معتبرا ذلك من تلون العلماء ودورانهم مع السلطان، وإن كان بطريقة فجة ومكشوفة".
بدوره استهجن أستاذ أزهري، فضل عدم ذكر اسمه، إدراج "العلامة الشيخ القرضاوي على قائمة الإرهاب الجديدة" متسائلا: إذا كان الشيخ إرهابيا متطرفا غاليا فمن هم أهل الاعتدال والوسطية إذا؟
وأوضح الأستاذ الأزهري لـ"
عربي21" أن الشيخ القرضاوي من أئمة هذا العصر في ترشيد الصحوة الإسلامية، وضبط خطابها الديني الوسطي المعتدل، وعرف عنه أنه شيخ مدرسة الاعتدال والوسطية في العمل الإسلامي المعاصر.
وتساءل الأزهري إن كان الشيخ إرهابيا فلماذا قاموا بتكريمه من قبل في الإمارات والسعودية، ومنحوه الجوائز العالمية العديدة، متسائلا باستهجان: "فهل كانوا حينئذاك يباركون الإرهاب، ويكرمون الإرهابيين".
وذكر الأزهري أن كتب الشيخ يتداولها طلبة العلم في الأزهر وغيره، وأن آراءه واختياراته الفقهية يدرسها الطلبة في مناقشاتهم لمسائل فقهية مختلفة ومتعددة.
وأشاد الأزهري بآراء الشيخ وتقريراته في كتابه المرجعي الموسوم بـ"فقه الجهاد" والذي فند فيه فكر جماعات الغلو والتطرف، وناقش رؤاهم المتشددة، خاصة في اعتبارهم علة قتل الكفار الكفر نفسه، وليس لكونهم معتدين ومحاربين كما قرره الشيخ بأدلة قوية ومتينة.
وأبدى الأزهري أسفه وانزعاجه من مواقف العلماء الذين أيدوا قرار إدراج الشيخ على قائمة الإرهاب، موجها أسئلته إليهم: "بماذا جعلتم الشيخ إرهابيا؟ وما الذي طرأ عليه منذ كنتم ترونه عالما محترما، ومجتهدا مكرما، ثم فجأة بات إرهابيا مجرما؟ وبماذا ستجيبون ربكم حينما يسألكم عن خوضكم مع الخائضين في وصفه بهذا الوصف المشين؟".
يُشار إلى أن وزير التعليم السعودي أحمد بن محمد العيسى، وجه يوم أمس الأحد وبشكل عاجل "التأكد وبشكل عاجل من عدم وجود كتب ومؤلفات ليوسف القرضاوي، المصري الجنسية، والمصنف ضمن قائمة الإرهاب، في مكتبات الجامعات والكليات والمدارس وإدارات التعليم" بحسب الصحف والمواقع الإخبارية السعودية.