أثار قرار
وزارة الداخلية المغربية بالبحث في هويات الأشخاص المتورطين في ترويج صور لأشخاص مصابين بجروح في أحداث إجرامية جرت بمناطق بالشرق الأوسط على أنها أحداث وقعت بالحسيمة انتقادا شديدا من قبل نشطاء حقوقيين، داعين إلى أن تنأى الوزارة عن "الحديث باسم النيابة العامة في ملف
الحسيمة".
وكانت وزارة الداخلية أصدرت بلاغا أمس السبت، قالت فيه إنه تم "فتح بحث من طرف السلطات المختصة لتحديد هويات الأشخاص المتورطين في ترويج بعض الصفحات على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" صور لأشخاص مصابين بجروح في أحداث إجرامية مختلفة وأخرى توثق لوقائع جرت ببعض مناطق الشرق الأوسط والادعاء كذبا أنها تتعلق بأعمال عنف ووقائع تعذيب ممارسة من قبل القوات العمومية بإقليم الحسيمة".
وأوضحت الوزارة في بلاغها أنه "نظرا لخطورة هذه الأفعال والادعاءات المغرضة التي من شأنها تضليل الرأي العام والتأثير سلبا على الإحساس بالأمن وإثارة الفزع بين المواطنين"، فقد تم فتح بحث من طرف السلطات المختصة لتحديد هويات الأشخاص المتورطين في الترويج لهذه الافتراءات والمزاعم قصد ترتيب الآثار القانونية.
من جانبه، هاجم منتدى الكرامة لحقوق الإنسان (غير حكومي)، وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، بعد بلاغه، داعيا إياه إلى الابتعاد عن الحديث باسم النيابة العامة في ملف الحسيمة.
واعتبرت الهيئة الحقوقية في بلاغ لها توصلت "
عربي21" بنسخة منه، الأحد، أن ما وصفته بـ"ظاهرة إصدار بلاغات من طرف وزارة الداخلية بخصوص فتح مساطر أبحاث قضائية"، هو "تعد صارخ على استقلالية النيابة العامة والتي هي جزء من السلطة القضائية المستقلة عن السلطة التنفيذية بصفة عامة وعن سلطة وزير الداخلية على الخصوص".
وأشار البلاغ أن تكرار إصدار بلاغات عن وزير الداخلية بخصوص فتح مساطر قضائية في ما يراه الوزير من منظوره الخاص مخالفات للقانون الجنائي، هو "محاولة متدرجة لفرض وصاية بحكم الأمر الواقع على عمل مسؤولي النيابة العامة في مختلف المحاكم، والذين يحق لهم وحدهم التصريح للعموم بخصوص الأعمال القضائية التي يقومون بها".
وشدد البلاغ ذاته، على أن "هذا السلوك المتكرر لوزير الداخلية، هو تهديد خطير لاستقلالية النيابة العامة ومحاولة مستهجنة لتوجيه عملها، وخاصة بعد بلاغه الأخير حول نشر صور وفيديوهات مرتبطة بالتدخلات الأمنية في إقليم الحسيمة، والتي تقوم بها قوات عمومية تعمل تحت الأوامر المباشرة لوزير الداخلية".
قرار الداخلية أشعل موقع المتواصل الاجتماعي "فيسبوك" بعد ساعات قليلة على صدوره، من خلال العديد من التدوينات لنشطاء حقوقيين انتقدوا فيها طريقة تعامل وزارة الداخلية مع "
حراك الريف"، واستمرارها في مقاربتها الأمنية تجاهه، على حد تعبيرهم.
الناشط الحقوقي، خالد البكاري، قال في تدوينة له إن الداخلية لها الحق في أن تتابع من يفبرك صور لتشويه سمعة الأمن، لافتا إلى أن المناضلين من واجبهم عدم التساهل مع أي فبركة لصورة أو خبر (بخصوص حراك الريف)، "لأننا لا نناضل بالاختلاق".
لكنه بالمقابل تساءل: "لماذا سكتت الداخلية عن تهديدات الدريبي (محلل نفسي هدد قائد الحراك الزفزافي بالقتل)، وكذا سكتت عن صور وفيديوهات التهديدات بالسكاكين والمسدسات في حق النشطاء"، وتابع: "لماذا لم تتابع القناة الأولى التي استغلت صور شغب مباراة كرة قدم لتلصقه بحراك الحسيمة؟".
وأضاف: "التدخلات العنيفة وثقاتها الصحافة المحلية والأجنبية والتقارير الحقوقية، وحتى مبادرات الوساطة.. حشومة تخرج الداخلية بيان تهديدي حول تصرفات معزولة، وتسكت على تهديدات مكشوفة بالقتل بما فيها تهديدات صادرة عن رجل أمن ؟؟".
بدوره قال عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان، حسن بناجح، في تدوينة له على حسابه بـ"فيسبوك" إن وزارة الداخلية التي أصدرت بلاغا أمس حول ملاحقة المنشورات التي تعتبرها مزيفة ومهددة للاستقرار تغض الطرف عن الاستهداف المنظم للمعارضين "مما يطرح سؤالا منطقيا حول من يوفر الحماية لهذه العصابات.."، وذلك بعد أن نشر عددا من التدوينات لأشخاص مجهولين انهالوا بالسب والقذف في حق فتح الله أرسلان الناطق الرسمي باسم جماعة العدل والإحسان، بعد حوار له مع موقع إلكتروني مغربي.
في حين، اعتبر الإعلامي جواد الشفدي أنه من "حق الدولة متابعة الأشخاص بتهمة نشر صور غير حقيقية عن حراك الريف في المواقع الاجتماعية".
إلا أنه استدرك في تدوينة له على "فسيبوك" بالقول إن على الدولة "أن تبدأ أولا بالمسؤولين الذين نشروا صور مفبركة عن حراك الريف في الإعلام العمومي!".
بالمقابل، أثنى عدد من النشطاء على قرار الداخلية، وقالوا إن هذا القرار يأتي لتجنب البلاد الفتنة، مشددين على ضرورة التأكد من أي صورة أو خبر يتعلق بـ"حراك الريف"، لأن هناك جهات "خارجية" تريد زعزعة الاستقرار والأمن بالمملكة بنشرهم لهذه الصور المفبركة، على حد تعبيرهم.
وهذه صورة من الصور التي روجت بشكل كبير على أنها توثق لتعذيب رجال الأمن لأحد نشطاء حراك الريف، في حين أنها صورة لتعذيب أحد السجناء بسوريا، بحسب ما أفاد نشطاء.