نشرت مجلة "بوليتيكو" مقالا للدبلوماسي الأمريكي السابق دينس روس، يتناول فيه الأوضاع في الشرق الأوسط، وماذا يجب على إدارة دونالد
ترامب فعله، وبالذات مع
إيران؛ لمنع قيام تنظيم شبيه بتنظيم الدولة من جديد.
ويبدأ روس مقاله بالقول إن "الشرق الأوسط نادرا ما كان محيرا أكثر مما هو الآن، حيث تبيع أمريكا مقاتلات لقطر، وهي بلد يتهمها الرئيس الأمريكي بدعم الإرهاب، وفي
سوريا تعتمد أمريكا على قوات كردية تقول عنها تركيا، عضو الناتو المنحازة لقطر، إنها إرهابية، وتساعدها أمريكا في مهمتها للاستيلاء على الرقة، عاصمة تنظيم الدولة، بغارات جوية تشنها أمريكا من قاعدة جوية ضخمة خارج الدوحة، وتتهم أمريكا روسيا بالتواطؤ مع الحكومة السورية في هجماتها الكيماوية على شعبها، وتضرب القوات السورية، لكنها تأمل بالتعاون مع روسيا لحرب تنظيم الدولة".
ويتساءل روس في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، قائلا: "هل استوعبت ذلك كله؟"، ويكمل رسم الصورة، فيقول إن "إيران تمضي قدما في محاولاتها لتقوية قبضتها على سوريا، حتى في الوقت الذي يتعقب فيه ترامب تنظيم الدولة، ولم يقف تدخل إيران لإنقاذ رئيس النظام السوري بشار الأسد على إرسال مستشارين عسكريين من قوات النخبة، لكن أيضا إدخال حزب الله اللبناني والمليشيات الشيعية من أماكن بعيدة، كأفغانستان، ومع أن التقديرات لأعداد أفراد هذه المليشيات تتضارب، فإن العدد يقدر بعشرات الآلاف، وتستخدم إيران قواتها الضاربة الطائفية لتوسيع نفوذ النظام، خاصة بعد أن تراجعت أعداد قوات النظام السوري إلى حوالي 20 ألف عسكري".
ويضيف الكاتب: "إذا لم يكن بإمكان إدارة ترامب مواجهة أفعال إيران في سوريا، فإنه من المستبعد أن تتمكن من (هدم) تنظيم الدولة، وتمنع عودته، وإيران تستخدم القوى الشيعية الوكيلة لمحاربة تنظيم الدولة، وتحدي الجهود الأمريكية لتدريب قوات محلية في جنوب شرق سوريا، فقامت طائرة دون طيار إيرانية الصنع بإطلاق النار على التنف الأسبوع الماضي، وهي منطقة محاذية لطريق دمشق بغداد على الحدود السورية الأردنية، حيث تقوم القوات الخاصة الأمريكية بتدريب قوات محلية، وقامت القوات الأمريكية بتدمير الطائرة، وقال البيت الأبيض في بيانه بعد الهجوم إنه كان لأمريكا وجود عسكري في المنطقة على مدى العام الماضي، وإن هذا الموقع هو جزء من تفاهم عدم نشوب النزاع مع روسيا، ومع ذلك قامت المليشيات الشيعية الموالية لإيران في سوريا بالتحرك ضده، وفتحوا النيران ضد القوات الأمريكية على أي حال".
ويتساءل روس قائلا: "ماذا يحصل إذن؟"، ويجيب بأن "إيران تقوم بفتح ممر بري عبر العراق وسوريا إلى لبنان، ولتحقيق هذا الهدف تدفع إيران من داخل العراق وسوريا مستخدمة وكلائها المليشيات الشيعية على جانبي الحدود، ففي الجانب العراقي نجحت المليشيات الشيعية في إزالة تنظيم الدولة من المعابر الحدودية، وفي سوريا قامت إيران بإرسال أعداد كبيرة من مقاتلي حزب الله شرقا إلى دير الزور، وهي مدينة رئيسية على نهر الفرات، فمع الجهود التي تدعمها أمريكا لتحرير الرقة، فإن إيران تريد أن تمنع أي مجموعات مدعومة من أمريكا من تمكين نفسها في شرق سوريا، حيث سيؤدي ذلك إلى منع إيران من السيطرة على الحدود السورية مع العراق ومع الأردن، (ومع وجود حزب الله، فإنها تنشط أيضا في درعا، المدينة السورية الجنوبية القريبة من هضبة الجولان، حيث يطمع الإيرانيون بوجود لهم على الحدود مع إسرائيل أيضا)".
ويرى الكاتب أن "إدارة ترامب كانت سلبية في وجه التحركات المدعومة إيرانيا للتمدد في المنطقة التي تم نشر قوات أمريكية خاصة فيها: فقامت القوات الأمريكية بقصف قافلة مليشيا مدعومة من إيران، بعد أن تجاهلت تعليمات بالتوقف، ودمرت طائرة دون طيار إيرانية كانت قد فتحت النار على القوات الأمريكية في 8 حزيران/ يونيو، ومن المهم ملاحظة أن بيان البيت الأبيض، الذي أعلن فيه عن تدمير الطائرة دون طيار الإيرانية، أوضح أن التحالف الذي تقوده أمريكا لا يسعى لقتال القوات الموالية للأسد، لكنه سيدافع عن نفسه ضد تلك القوات إذا دخلت منطقة عدم نشوب نزاع، وهذا يرسل رسالة بأن أمريكا مهتمة بالدرجة الأولى بقتال تنظيم الدولة، وليس إيران ولا وكلائها من المليشيات الشيعية، ولا نظام الأسد، وتم تأكيد هذه الرسالة عندما أسقطت القوات الأمريكية طائرة للنظام السوري كانت تضرب قرب الرقة، لكن يبدو أنها كانت تستهدف القوات الكردية المتحالفة مع أمريكا، وهو ما جعل الروس يهددون مرة أخرى بتجميد ترتيبات عدم نشوب نزاع مع أمريكا".
ويقول روس إنه يتفهم أن يكون التركيز على محاربة تنظيم الدولة، وتجنب الانجرار إلى معارك جانبية مع الإيرانيين أو الروس، ويستدرك قائلا بأنه "مع أن ذلك صحيح، إلا أن هناك رسالة أخرى يجب إيصالها، وهي أن أمريكا لن تتحدى مناطق السيطرة الروسية أو الإيرانية أو النظام في سوريا، لكنها في الوقت ذاته لن ترضخ لجهود إيران لفتح جسر بري عبر الشرق، فعدا عن الآثار الاستراتيجية المترتبة على مثل هذا التحرك في المنطقة، فإن على الإدارة أن تفكر في أثر ذلك على هدفها بالقضاء على تنظيم الدولة".
ويحذر الكاتب من أن "سياسة ترامب تجاه تنظيم الدولة ستخضع حقا للاختبار، وعندما تهزم القوات المدعومة من أمريكا تنظيم الدولة في الرقة؛ وذلك لأن تلك القوات مؤلفة في الغالب من قوات تعرف بوحدات حماية الشعب الكردية والمعروفة بعلاقاتها مع نظام الأسد، وحتى وإن كانت الطائرة السورية التي أسقطتها أمريكا كانت تضرب بعض تلك القوات، إلا أنه من غير المتوقع أن تقطع وحدات حماية الشعب علاقتها بحكومة الأسد، فالنظام يتحكم بالوصول للمناطق الكردية الأخرى في شمال سوريا، وهي مناطق تأمل وحدات حماية الشعب أن تكون جزءا من منطقة الحكم الذاتي الكردي، ومع أنه ليس من المحتم أن تقوم هذه القوات بتسليم الرقة لقوات النظام بعد تحريرها، إلا أن هناك احتمالا بأن تفعل ذلك، وإن حصل هذا ودخل النظام ومليشياته الطائفية إلى الرقة، فإن الظلم سيعود للسنة، الأمر الذي تسبب بقيام تنظيم الدولة أصلا، وبالتأكيد فإن الرئيس ترامب، الذي اتهم الرئيس أوباما بأنه السبب بظهور تنظيم الدولة، لن يرغب في أن يرى التنظيم يعود من جديد في عهده".
ويوصي روس في مقاله الفريق الذي يعمل مع ترامب بأن يراقب عن كثب ماذا يحصل في الرقة بعد انتهاء تنظيم الدولة، وكذلك في الموصل، التي يسيطر الجيش العراقي على معظمها، ويقول إن "على أمريكا أن تكون لديها خطة لإعادة البناء والأمن والحكم، وإشراك السنة عندما يخرج تنظيم الدولة، ويجب تطبيق الخطة فعلا على الأرض".
ويشير الكاتب في هذا السياق إلى الدور الذي على
السعودية والإمارات ودول الخليج الأخرى أداؤه، حيث يقول إنه "يمكن لتلك الدول أن توفر المساعدات لإعادة البناء والحكم، وربما توفير الطاقة البشرية، وفي الوقت ذاته تكذيب فكر تنظيم الدولة، لكن التنافس في المنطقة يعقد الأمور: فالسعودية والإمارات تركزان على حصارهما ضد
قطر وليس على سوريا، وتشعران بأن قطر تلعب لعبة مزدوجة؛ حيث تستضيف قاعدة جوية أمريكية كبيرة في العيديد، في الوقت الذي توفر فيه مساعدات مادية ومنصة إعلامية على قناة (الجزيرة) للإخوان المسلمين وحركة حماس وغيرهما من المجموعات الإسلامية، حتى تلك التي لها علاقة بتنظيم القاعدة، وتشعر قطر بآثار الحصار، لكن تركيا تخفف من الضغط، وبفعلها ذلك، فإن تركيا تقسم الدول السنية، وهو آخر ما تحتاجه الحملة على تنظيم الدولة وإيران".
ويجد روس أنه "لذلك، فإن على إدارة ترامب الكثير من العمل الدبلوماسي، فعلى وزير الخارجية ريكس تيلرسون، ووزير الدفاع جيمس ماتيس، أن يجعلا السعودية تساعد في تشكيل الواقع بعد الرقة والموصل، وإقناع تركيا بالعمل مع التحالف لمحاربة تنظيم الدولة وليس ضده، وعلى الإدارة أيضا أن تقول لقطر بصراحة إن عليها التوقف عن دعم بعض الجماعات الإسلامية، وبأن تبعد الأصوات الضارة، مثل الشيخ يوسف القرضاوي، عن أمواج الأثير، وإلا فإن أمريكا ستقوم بإغلاق قاعدتها الجوية، ومعها الأمن الضمني المتأتي من وجودها".
ويرى الكاتب أنه "لجعل تركيا جزءا من الجهد المشترك، وليس تقسيم الدول السنية، فإن على تيلرسون وماتيس أن يتعاملا مع مخاوف الرئيس رجب طيب أردوغان بخصوص التهديد من تنامي وجود وحدات حماية الشعب الكردية بالقرب من الحدود التركية، وتأكيد أن أمريكا لن تسمح لتلك القوات بالبقاء في الرقة، أو أن تسمح للأسد أو الإيرانيين بدخولها، ويجب أن تكون قوات عربية محلية هي من تستلم الرقة بعد هزيمة تنظيم الدولة".
ويخلص روس إلى القول إنه "مع هذه الصورة المحيرة، فإن على الإدارة الأمريكية ألا تترك مجالا للشك بالنسبة لأولوياتها وأهدافها، وإلا فإن إيران ستمد نفوذها إلى سوريا، وسيظهر تنظيم آخر يخلف تنظيم الدولة، وستبقى قطر تؤدي دورا مزدوجا، إن للوضوح أحيانا قوة خاصة به".