نشرت صحيفة "الإسبانيول" الإسبانية، تقريرا تحدثت فيه عن هاجس اتباع
نظام غذائي صحي، قد يصبح هوسا يراود الشخص، ويشكل خطرا على حياته.
وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن المراهنة على تناول الأكل الصحي يمكن أن تتحول إلى اضطراب نفسي خطير. إلى جانب ذلك؛ عادة ما يتميز الملف الشخصي لهؤلاء الأشخاص بقدرة شرائية جيدة، وشخصية مهووسة في جوانب كثيرة من الحياة.
ولفتت إلى أن القلق المفرط بخصوص اتباع نظام غذائي صحي؛ يمكن أن يؤدي إلى فقدان الشخص القدرة على السيطرة على نفسه، إلى درجة أن يصاب بحالة من الاضطراب تعرف باسم "الأورثوركسيا"، ويتجسد هذا الاضطراب في مجموعة من العادات الغذائية التي تتميز بهوس الغذاء الصحي، ورفض منهجي للأطعمة غير الصحية. وقد أصبحت هذه العادة شائعة في السنوات الأخيرة.
ونقلت الصحيفة عن الأستاذ في جامعة كومبلوتنسي بمدريد، الخبير في التغذية، لويس أنطونيو فيلارينو مارين، قوله إن "هؤلاء الأشخاص يحاولون استهلاك
الأطعمة التي تحتوي على كمية قليلة من السموم والصديقة للبيئة، إلى أقصى حد ممكن".
وأضاف الخبير أن "هذه الحالة تفترض تغييرا في سلوك الأكل، ويمكن أن تؤدي في بعض الأحيان إلى نوع من العجز الغذائي؛ بسبب اتباع نظام غذائي غير متوازن".
وأوردت الصحيفة أن هذه الأطعمة "على الرغم من احتوائها على نسبة كافية من السعرات الحرارية؛ إلا أنها غالبا ما تفتقر إلى العناصر الغذائية الهامة، وخاصة المعادن. وفي معظم الأحيان؛ يعمد هؤلاء الأشخاص إلى إقصاء اللحوم من قائمة نظامهم الغذائي، فضلا عن الدهون والسكريات، أو أي غذاء غير صحي أو غير طبيعي، بما في ذلك المنتجات والمحاصيل الخاضعة للعلاج بالمبيدات".
وبينت أن هذه المشكلة أساسا نفسية وليست غذائية، إذ إن "الأورثوركسيا" أو "هوس الطعام الصحي" نوع من الوسواس القهري، أو جنون الارتياب. وفي هذا الشأن؛ قالت أخصائية التغذية في مركز أليريس الطبي بمدريد، فيكتوريا لوزادا، أن "هذه الحالة هي هاجس ذو صلة بجودة ومصدر الغذاء". وعلى خلاف غيره من الاضطرابات؛ فإن هاجس هؤلاء الأشخاص المهووسين يكمن في استهلاك الأطعمة الخفيفة والطبيعية أو العضوية.
وأضافت الصحيفة أن اتباع نظام غذائي صحي هو أمر جيد دون أدنى شك، لكن هذا الحرص يمكن أن يصبح خطيرا ما إن يتحول إلى أهم هدف في حياة الشخص، مشيرة إلى أنه "يمكن أن يترتب على ذلك عدة مشاكل نفسية؛ قد تصل إلى العزلة الاجتماعية، إذ إن هؤلاء الأشخاص يفكرون 24/24 ساعة في نمط غذائهم، ويقضون معظم وقتهم في إعداد طقوس خاصة بغذائهم وبحياتهم اليومية" بحسب الخبيرة لوزادا.
وما يخفى عن كثيرين؛ أن المصابين بهذا الهوس يبحثون عن الكمال، ولا يغفرون لأنفسهم أي زلة. فعلى سبيل المثال؛ عندما يأكلون يوما ما الأرز الأبيض بدلا من الكامل؛ يتولد لديهم إحساس قوي بالذنب. ومن جهتها؛ ترى لوزادا أن "الآثار النفسية المترتبة عن هذه الحالة يمكن أن ينجر عنها تفاقم الشعور بالقلق، والتوتر حيال اختياراتهم الغذائية، لذلك غالبا ما يكونون منعزلين عن بيئتهم المحيطة".
وذكرت الصحيفة أن الشخص المصاب لا يدرك أن ما يفعله خطأ، بل إنه على العكس تماما يمكن أن ينال نمطه الغذائي إعجاب الآخرين، وخاصة مسألة إنقاص
وزنه. ووفقا للخبيرة؛ فإن "تشخيص حالة هؤلاء المرضى ليست بالأمر الهين، فهم غالبا ما يختبئون وراء هوسهم وأذواقهم البسيطة".
وأشارت الصحيفة إلى أنه عادة ما يتم تصنيف "الأورثوركسيا" ضمن اضطرابات السلوك الغذائي غير المحدد، وهو سلوك مماثل لاضطراب "بيغوريكسيا"، حيث يعمل الشخص على اتباع نظام غذائي غير متوازن، مع هوس ممارسة الأنشطة الرياضية. وبالتالي؛ فإنه يبدو جليا أن هناك سوء فهم لمسألة الغذاء ونمط الحياة الصحي.
وبينت أنه وفقا للأخصائية فيكتوريا لوزادا؛ فإن "المعلومات المضللة والمربكة غالبا ما تؤدي إلى بروز ظاهرة الأورثوركسيا، نظرا للتأثير السلبي لوسائل الإعلام المحيطة بنا"، لافتة إلى أن "جميع الأشخاص معرضون للإصابة بهذه الحالة؛ لأنها مرتبطة بمسألة الثقة بالنفس التي غالبا ما تعود إلى أسباب وراثية أو ثقافية".
وتابعت: "من حيث المبدأ؛ فإن هذه المشكلة ليست خطيرة مقارنة باضطرابات غذائية أخرى، على غرار فقدان الشهية أو الشره المرضي، على الرغم من بعض القواسم المشتركة بينهم".
وأكدت الصحيفة أن علاج هذه الحالة سيكون متعدد التخصصات، حيث سيكون العلاج ذا بعد غذائي ونفسي، حيث سيقوم أساسا على محاولة تغيير السلوك القهري لدى المريض. ووفقا لدراسة حديثة أجراها علماء النفس في الولايات المتحدة؛ فمن المرجح أن "يواجه المريض وأولئك الذين يحاولون مساعدته؛ مشكلة جديدة تكمن في عدم فهم المجتمع لهم".
وفي الختام؛ أفادت الصحيفة بأن "الأورثوركسيا" هي نتيجة اختيار شخصي، وهي تعد أقل خطورة من الاضطرابات النفسية والغذائية الأخرى. لكن هذا لا ينفي أن احتمال تحسن حالة المصابين بهذا الاضطراب عن طريق العلاج؛ ضئيل جدا، فضلا عن أن المصاب يمكن أن يشكل خطورة على الأشخاص المحيطين به.