تضمنت قائمة المطالب التي قدمتها دول الحصار إلى الدوحة عبر الوسيط الكويتي مادة تطلب فيها تلك الدول من قطر أن تغلق فورا القاعدة العسكرية التركية وتوقف أي تعاون عسكري مع أنقرة في الأراضي القطرية، في إشارة واضحة إلى الانزعاج الكبير من وقوف تركيا إلى جانب قطر ضد محاولة فرض العزلة عليها.
الأزمة الخليجية الأخيرة كان سببها في البداية تصريحات مفبركة نشرت في موقع وكالة الأنباء القطرية بعد اختراقه، وقالوا بناء على تلك التصريحات الكاذبة، إن قطر تطعن دول مجلس التعاون في الظهر. ولما كان حبل الكذب قصيرا، سرعان ما اتضحت اللعبة، وبدأت دول الحصار باللجوء إلى نبش الملفات القديمة للبحث عن أي شيء يمكن استغلاله في التجييش ضد قطر، وأصبحت التهمة الموجهة إلى الدوحة هذه المرة هي دعم "الإرهاب" وحركة المقاومة الإسلامية "حماس" التي تشكل رأس الحربة في مواجهة الاحتلال الصهيوني وتراها تلك الدول منظمة إرهابية. وأخيرا وصلت الأزمة إلى مطالبة قطر بإغلاق القاعدة العسكرية التركية، في ظل التخبط الذي تتململ فيه دول الحصار.
وزير الخارجية البحريني، خالد بن أحمد، زعم في سلسلة تغريدات نشرها في حسابه بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، أن "بعض القوى الإقليمية تخطئ إن ظنت أن تدخلها سيحل المسألة"، مضيفا أن "من مصلحة تلك القوى أن تحترم النظام الإقليمي القائم والكفيل بحل أي مسألة طارئة". وقال إن "الانفراد بالتحالف مع دول خارج النظام الإقليمي وأحزاب إرهابية كالإخوان المسلمين وغيرهم تضرب في أساسات الالتزام مع الأشقاء في مجلس التعاون"، مشيرا إلى أن "أساس الخلاف مع قطر هو سياسي وأمني ولم يكن عسكريا قط.. إحضار الجيوش الأجنبية و آلياتها المدرعة هو التصعيد العسكري الذي تتحمله قطر".
ومن الواضح لكل متابع للأزمة أن المقصود من "القوى الإقليمية" في تغريدات الوزير البحريني هو تركيا، كما أن "النظام الإقليمي القائم" المشار إليه هو مجلس التعاون الخليجي الذي تسعى دول الحصار إلى استغلاله كي تستفرد بقطر. ولكن العجيب في الأمر هو أن ذات الوزير كان يقول خلال زيارته لتركيا قبل أسبوعين فقط إن القاعدة العسكرية التركية في قطر هي لحماية أمن الخليج كله، ما يؤكد أن الأرضية التي تسير عليها أنقرة في مساعيها لحل الأزمة متحركة كرمال الصحراء، ولا بد من عدم الاستعجال في الوثوق بالوعود والتصريحات والمجاملات.
هناك محللون في تركيا يرون أن المادة المتعلقة بالقاعدة العسكرية التركية والتعاون العسكري بين الدوحة وأنقرة تم إدراجها في قائمة المطالب من قبل إحدى دول محور الحصار، ويشيرون إلى مصر السيسي، إلا أن هذا القول متفائل للغاية وبعيد عن الواقعية، لأنه من المستحيل أن تفرض مصر السيسي رأيها على السعودية والإمارات، كما أن تغريدات وزير الخارجية البحريني الذي نقل رسالة الدول الأربع إلى القيادة التركية، تؤكد أن جميع الدول المحاصرة لقطر منزعجة من القاعدة العسكرية التركية.
وبعد تأكد انزعاج جميع أعضاء محور الحصار، يطرح هذا السؤال نفسه: "لماذا هذا الانزعاج من القاعدة العسكرية التركية في قطر؟"، علما أن هناك قواعد عسكرية أمريكية وبريطانية وفرنسية منتشرة على طول الساحل الغربي للخليج العربي. الاحتمال الأول أن تلك الدول تتوجس من وجود قاعدة عسكرية تركية في شبه الجزيرة العربية، لأنها تعتبره عودة الدولة العثمانية إلى المنطقة. والاحتمال الثاني أن الدول الأربع كانت عازمة على التدخل العسكري في قطر للإطاحة بأميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني ونصب أمير آخر مكانه يقبل الوصاية على بلاده، إلا أن استعجال تركيا في إرسال قواتها إلى قطر حال دون تنفيذ خطة الانقلاب.
القاعدة العسكرية التركية في قطر أنشئت بموجب الاتفاقية الموقعة بين البلدين في عام 2014. وهي شأن يخص قطر وتركيا. وطلب إغلاقها تطاول صارخ على سيادة قطر، وتدخل في شؤونها، لأن الدوحة حرة في التعاون مع أي دولة صديقة لها سواء في المجال العسكري أو غيره. وعلى الدول الأخرى احترام قرارها.
الموقف التركي من طلب إغلاق القاعدة العسكرية التركية في قطر واضح كوضوح الشمس، وعبر عنه رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان، حين قال في تصريحاته بعد صلاة العيد إن "المطالبة بسحب الجنود الأتراك من قطر هو تدخل في العلاقات والاتفاقيات الثنائية مع قطر وقلة احترام تجاه تركيا". وبالتالي، ليس من الوارد أن تتراجع تركيا عن دعم قطر وأمنها واستقرارها، كما أنها لن تقوم بإغلاق القاعدة العسكرية ما لم تطلبه الدوحة.
* كاتب تركي