أقدمت "وزارة الأوقاف" مؤخرا على تصميم إضاءة جديدة للمسجد الأموي في
دمشق أحد أبرز المعالم الدينية والتاريخية هناك، واتسمت الإضاءة بعشوائية كبيرة في التصميم وعدم تناسق بالألوان وانعدام في الذوق كما وصفها متابعون، في حين أنها كانت انتهاكا واضحا لعراقة المكان ومكانته
التاريخية، حيث طغت ألوان الأخضر والأحمر والبنفسجي والأصفر، وبعيدا عن السواد الذي اتشحت به العاصمة دمشق بعد اللطميات والمظاهر الشيعية التي رخص لها النظام، برز لدى الكثيرين تساؤل ما هي غاية النظام من إعادة تصميم إنارة المسجد؟ وما الغاية من المساس بمقدس ديني للمسلمين
السنة في دمشق؟.
لاسيما أن هذه الخطوة جاءت بعد ميزات عدة حصل عليها القادمون إلى سوريا من الشيعة في تسهيل ممارسة طقوسهم وعبادتهم وإعادة ترميم مقدساتهم، بينما لا زال المسلمون السنة في دمشق يلاحقون في المساجد ويعتقلون في الجامعات عندما يؤدون الصلاة.
ولعل أكثر ما أثار سخط الأهالي في دمشق هو تولي المصمم "إلياس عيسى" تنسيق هذه الإضاءة، ومن المعروف عن عيسى أنه المنسق المعتمد لإضاءة أغلب النوادي الليلية وحفلات المطربين الصاعدين أمثال علي الديك، ممن لوثوا الذوق العام وساهموا في تراجع الفن في سوريا، فكيف لمن يخالط هذه الأجواء صباح مساء أن يستلم مهمة كهذه! بل إن عيسى كان متفاخرا جدا بالتصميم الذي قدمه ولاقى تشجيعا لدى عدد كبير من المتابعين له، لكن عيسى لم يتمكن من التحرر من الأضواء التي ينسقها في حفلاته والنوادي التي يتكفل بها لينقلها كما هي إلى
المسجد الأموي.
أثارت هذه الخطوة استهجانا كبيرا لدى السوريين وطالبوا وبشكل فوري إنهاء ما وصفوه "بالمهزلة الفاضحة"، وإزالة هذه الأضواء حالا، لاسيما أنها تتعارض مع صرح تاريخي وديني رسمي مقدس، واتهموا النظام بأنه يستكمل حربه على التاريخ والتراث والحضارة، فهو بالمقابل لا يجرؤ أن يقدم على هذه الخطوة في كنيسة أو مكان عبادة لغير المسلمين، فلماذا تجرؤ على هذه الخطوة! وما زاد في غضب المتابعين أن وزارة الأوقاف أقامت عرض "ميلوية" أمام ساحته، تضمن موسيقى صاخبة وحضور غير لائق بقدسية المكان، وهذا ما قد يفقد المسجد القدسية الخاصة به.
واعتبر الكاتب السوري "إبراهيم الجبين" أن ما جرى في المسجد الأموي هو تشويه حقيقي لهويات المسلمين.
وبعد هذه الحملة التي شنها سوريون على وزارة الأوقاف والحكومة السورية خرج في اليوم التالي وزير الأوقاف "عبد الستار السيد" ليزيل هذه الإضاءة؛ خوفا من تطور ردود الأفعال.
وعلى صعيد آخر، اعتبر مطلعون على الموضوع أن المسؤول عما حصل هو وزارة السياحة على اعتبار أن السياحة تراجعت بشكل كبير في سوريا إزاء الحرب الجارية، فانتقل عمل وزارة السياحة على التركيز على السياحة الدينية، ولعل المسجد الأموي هو خير جاذب للسياح الآن، لكن أحدا لم يتحدث عن ماهية هذه السياحة الدينية، هل هي بتسهيل قدوم الأفواج الشيعية والإساءة لطوائف أخرى عبر ممارستهم طقوسهم اللطمية وسط دمشق، أم بتغيير إضاءة مسجد لجعله أشبه بالحسينيات!
وكتبت وفاء إحدى المعترضات على ما حصل، على صفحتها على "الفيسبوك": "الأفضل لهم أن يضيئوا بيوت الناس قبل أن يزينوا المساجد، إن هذا أشد ما يسيء لنا كسوريين ومن الواضح أن من صمم الإضاءة لا يعرف شيئا عن عادات أهل الشام وتقديسهم للأماكن الدينية، ثم إننا في حالة حرب والأولى التفرغ لتلبية احتياجات الأهالي لا الالتفات إلى هذه المظاهر".
أما هبة فكتبت: "في دمشق يمنع على من يملك بيتا في دمشق أن يعيد ترميمه أو يعدل عليه، فما بالك بصرح تاريخي ورمز ديني مثل المسجد الأموي! هذه الإضاءة ذهبت بروح المكان وقدسيته".
بينما تحدث أبو مصطفى وهو أحد تجار دمشق القديمة: "نصادف وبشكل دوري تغيرات كبيرة تحدث في دمشق القديمة سواء في المسجد الأموي أو داخل الأسواق والبيوت الدمشقية التابعة للنظام، وكل ذلك يتم تحت بند الإصلاح وإعادة الترميم وتنشيط السياحة، لكننا على يقين أننا نواجه نظاما يحاول أن يمحي كل ما ما يمت لدمشق بصلة، وأول ما بدأه هو محو معالمها الأموية، وربما كانت هذه الخطوة أجرأها ليرى ردات فعل الشعب عليه، التي اتسمت بالغضب الشديد".
وفي حديث خاص مع الفنان التشكيلي مؤنس بخاري قال لـ"
عربي21": "بالنسبة لي كشخص مغرم بالتاريخ ومحب لدمشق، رأيت في التصميم الجديد إهانة كبيرة لمكان مقدس لكل المسلمين ليس فقط للسوريين، فهو كان أحد المساجد التي اعتبرت ملهما لكل المعماريين، إضافة لكونه رمزا استخدمه أعداؤنا دوما لإهانتنا من خلال إهانة المكان، وتشويها لهوية مكان أثري يتميز بهوية خاصة ومعروفة وثابتة منذ تأسيسه، هذه الإضاءة التي وضعت لا يمكن وصفها إلا بالهزلية".