نشرت صحيفة "التايمز" تقريرا لمراسلها في الشرق الأوسط ريتشارد سبنسر، يقول فيه إن
قطر خلعت قفازيها أمس لجاراتها الأربع، التي تحاصر هذا البلد الصغير، وتحدتها قائلة لها إنها أثرى من أن تهدد.
وينقل التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، عن وزير المالية القطري علي شريف العمادي، قوله للصحيفة بأن الاحتياطي المالي الضخم لدى الدولة، الذي تم توفيره من بيع الغاز الطبيعي على مدى عقود، يعني أن بإمكانها تحمل المقاطعة، وأضاف العمادي: "لدينا صندوق الثروة السيادي بقيمة 250% من إجمالي الناتج المحلي، ولدينا بنك قطر المركزي ولدينا الاحتياطي الاستراتيجي لوزارة المالية".
ويشير سبنسر إلى أن العمادي قارن وضع بلاده المالي مع
السعودية والإمارات والبحرين ومصر، التي أغلقت المعابر البرية والمائية والجوية على قطر، وقال إن الأسس الاقتصادية لبلده أفضل منها عند تلك البلدان، مستدركا بأنه بالرغم من أن وكالات التصنيف الائتماني خفضت تقييم قطر المالي، إلا أن وضعها لا يزال أفضل من وضع تلك البلدان.
وقال العمادي للصحيفة: "البحرين ومصر مصنفتان على أن مستوى السندات فيهما غير مرغوب فيه، أما السعودية فلديها مشكلات حقيقية في التمويل.. ولا نزال الدولة الأسرع نموا في المنطقة، أسرع بحوالي 40% من أقرب منافس في مجلس التعاون الخليجي (
الإمارات)".
ويلفت التقرير إلى أن جيران قطر الأقرب قاموا بتصعيد الخلاف الليلة الماضية بالتهديد بفرض
عقوبات اقتصادية وسياسية وقانونية على قطر؛ لرفضها المطالب الثلاثة عشر التي اشترطتها لرفع
الحصار، التي تضمنت إغلاق شبكة تلفزيون "الجزيرة"، وقطع العلاقات مع الإسلاميين وإيران.
ويذكر الكاتب أن الدول الأربع أعلنت في تصريح مشترك أن المطالب لاغية، وقالت إن رفض قطر الموافقة على الشروط هو دليل على أنها تريد زعزعة استقرار المنطقة، لافتا إلى أن التصريح لم يشر إلى إمكانية طرد قطر من مجلس التعاون، أو مواجهة مقاطعة بنكية، لكنه قال: "سيتم اتخاذ الإجراءات السياسية والاقتصادية والقانونية كلها بالأسلوب والتوقيت المناسبين؛ للحفاظ على حقوق الدول الأربع وأمنها واستقرارها".
وتفيد الصحيفة بأن الدبلوماسيين استبعدوا التدخل العسكري المباشر، مشيرة إلى أن أمريكا، التي تمتلك قاعدة جوية كبيرة في قطر، التي تعد مقرا للعمليات المتقدمة التابعة للقيادة الأمريكية المركزية، أكدت الليلة الماضية العلاقات الأمنية الجيدة مع قطر، وقالت وزارة الخارجية إنها تخشى من الوصول إلى طريق مسدود، وأعلنت أن وزير الخارجية ريكس تيلرسون سيزور يوم الاثنين الكويت، التي تحاول التوسط لحل الخلاف.
وينوه التقرير إلى أن تركيا، التي تقوي من قاعدتها هناك، وقفت بقوة إلى جانب قطر، لافتا إلى أن المطالب الثلاثة عشر تضمنت إغلاق القاعدة العسكرية التركية، ولم تطالب بإغلاق القاعدة العسكرية الأمريكية، الأمر الذي وصفه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأنه "قلة احترام"، في الوقت الذي قالت فيه الصحيفة الألمانية "دي فيلت" إن "ما جرى مع قطر هو انتهاك للقانون الدولي، وسنقف مع الضحية"، في إشارة إلى الموقف الألماني من الأزمة.
ويقول سبنسر إن الدبلوماسيين يعتقدون أن السعودية وحلفاءها توقعوا من قطر الرضوخ بسرعة للتهديدات، حيث تتهمها البلدان الأربعة بأنها تدعم الإرهاب، من خلال علاقاتها بالإسلام السياسي، وعلاقتها الوثيقة بإيران، التي تشاركها حقل نورث فيلد دوم للغاز، وهو الحقل المسؤول عن مستوى الحياة العالية التي تتمتع بها قطر، التي لا يزيد عدد سكانها الأصليين على 300 ألف نسمة، مقارنة مع 80 مليونا هو عدد سكان إيران.
وتعلق الصحيفة قائلة إن "العمادي يبدو غير مهتم بأن مناهضي قطر يفكرون في القيام بإجراءات إضافية، حيث نوعت قطر اقتصادها، بالذات في مجال الخدمات، التي من الأصعب حصارها، وتمتلك سلطة الاستثمار القطرية الكثير في لندن، بما في ذلك بناية شارد، وبناية كناري وارف، وهارودز، والقرية الأولمبية سابقا".
ويبين التقرير أن حجم الصندوق السيادي ليس معلنا، لكن يقدره العمادي بـ250% من الناتج المحلي الإجمالي، الذي يصل إلى 167 مليار دولار في العام، وبالإضافة إلى الاحتياطيات الأخرى فإن لدى قطر ثلاثة أضعاف دخلها الوطني مدخرات، حيث قال العمادي لو خيرت الشركات بين قطر والإمارات فستختار قطر؛ لأن قطر لا تسمح للسياسة بالتعارض مع التجارة.
ويستدرك الكاتب بأن بعض الخبراء الماليين ليسوا بهذا التفاؤل ذاته، ويقولون إن قطر تواجه مشكلات، ففي الأسبوع الماضي كان هناك نقص عالمي في العملة القطرية، وتبين أن توزيع العملة توقف بشكل مؤقت من شركة "ترافيليكس" للصرافة، التي تملكها الإمارات.
وتورد الصحيفة نقلا عن وكالة التصنيف الائتماني "موديز"، قولها إنها ستخفض التصنيف الائتماني لقطر؛ لأنها قلقة من أن منع الطيران إلى عواصم دول الخليج سيؤثر سلبا في الاستثمار والسياحة، لكن تصنيف قطر (Aa3) لم يتغير، وأضافت "موديز" أن السبب هو حجم الأصول التي تملكها الحكومة، والمستوى العالي جدا من الثراء.
وبحسب التقرير، فإن "موديز" استبعدت احتمال التململ الاجتماعي، وهي مشكلة سائدة في الشرق الأوسط، وقدرت بأن دخل قطر السنوي يصل إلى حوالي 100 ألف جنيه إسترليني (129 ألف دولار أمريكي) للفرد، وهو أعلى دخل في قوائم "موديز" العالمية، حيث قالت الشركة إن ذلك يخفف من احتمال تزعزع الاستقرار بسبب خلافات سياسية، فالقطريون أثرى من أن يشتكوا.
ويذكر سبنسر أن قطر لم تكشف عما قالته بالضبط في إجابتها اليدوية على المطالب من جاراتها الأربع، وقالت إن المطالب كانت مصممة ليتم رفضها، وقالت كل من مصر والبحرين والإمارات وقطر إن إجابة قطر كانت سلبية، وإن كانت قطر محقة فإن هذه هي النتيجة التي كانت تلك الدول تتوقعها، فمن الصعب تخيل أن تلك البلدان كانت تتوقع الخضوع التام لقطر، والاحتمال الأكبر هو أنهم رتبوها لتفشل؛ للسعي لإخراج قطر من مجلس التعاون الخليجي، بحسب تحليل كاثرين فيليب.
وتقول الصحيفة: "الهدف النهائي من هذه اللعبة ليس واضحا، لكن المقاطعة جعلت الحياة أكثر غلاء للقطريين، إلا أنها بالتأكيد لا تشكل خنقا قاتلا لثروتها الضخمة".
ويشير التقرير إلى أن المسؤولين الإماراتيين اقترحوا تخيير شركائهم التجاريين بين الدول الأربع وبين قطر، لافتا إلى أن هذا الأمر سيكون عقابيا لبلد مثل بريطانيا، التي تعتمد على الغاز القطري والاستثمار القطري؛ ولذلك فإن خسارة الدعم الغربي ستجعل مثل هذا التحرك غير وارد.
وتختم "التايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن "الدول الأربع تصر على أنها فقدت صبرها مع الدوحة، وأن الأزمة تولدت على فترة من الزمن، لكن اعتداءها خطير، فقطر تفتقد الطريق الذي يحفظ لها ماء وجهها، وكونه تم اتهامها بإقامة علاقات قوية مع طهران، فإن ذلك قد يتسبب بعلاقات أقوى مع إيران، ما يزيد من تأثير إيران في الخليج".