أسئلة عديدة كانت ستخطر على بال أي صحفي محترم إن سمح له بحضور واحد من المؤتمرات الصحفية لوزراء خارجية دول القطيعة - السعودية والإمارات والبحرين ومصر- سواء ذلك الذي عقد في القاهرة، أو الذي يليه في البحرين وبقية عواصم دول القطيعة، إلى حين الوصول لمخرج لمأزق رفض قطر اشتراطاتها الـ13.
من بين تلك الأسئلة:
- أي عزلة تنتظر #دول_القطيعة بعد تلقي الصفعة الأوروبية بيد وزير الخارجية الألماني، فالصفعة الإِفريقية بيد قادة الاتحاد الإفريقي، ثم الصفعة القطرية برفض الاشتراطات عبر الوسيط الكويتي، وأخيرا الأمريكية عبر فرملة الرئيس ترامب لاندفاع المقاطعين على غير هدى؟
- في ختام الجولة الأولى من إعلان الحرب على قطر، ماذا جنت دول القطيعة من وراء كل ذلك الكم من الفبركة والحشد والتجييش محليا وإقليميا وعالميا؟
- هل تقدمت تلك الدول خطوة واحدة على درب تحقيق الاشتراطات الـ13 أم تراجعت خطوات وخطوات إلى الوراء؟
- بعد انكسار حصار قطر، وفشل مؤامرة الانقلاب عليها وإفشال الخيار العسكري بحقها، ما هي الخيارات المتاحة اليوم لخروج دول القطيعة من المأزق الذي وجدت فيه نفسها لوحدها؟ وهل يستطيع الانقلابيون الخروج من هذا الوضع الحرج إن لم تمد لهم قطر -ومعها تركيا- حبل النجاة؟
- كيف ستتعامل دول القطيعة مع الخسائر الآنية والمستقبلية الدائمة سياسيا المبنية على خسارتها ثقة الدول الكبرى بقدرتها على التعامل مع الأزمات أو تمثيل مصالحها في الإقليم؟ وكيف ستتعامل مع خسائرها الاقتصادية على المدى المتوسط والطويل والمتمثلة في خسارتها الأسواق والمستثمرين؟ وكيف ستتعامل مع اهتزاز صورتها وهيبتها بشدة أمام مواطنيها ووافديها؟ وكيف ستعالج الانهيار في صورته الحقوقية والإعلامية على كل الأصعدة محليا وعربيا ودوليا؟ وكيف يمكنها النجاح في إصلاح الضرر الواقع على صورتها كأشباه "دول" تحركها ألاعيب الصبية كما وصفت وسائل الإعلام العالمية سياسات وليي عهد الرياض وأبوظبي؟
- ما هي التداعيات الإقليمية التي ترتبت على أزمتكم الخليجية، وما هي المخططات التي تم تمريرها تحت غطاء هذه الأزمة حتى الآن؟
المشهد المهزوز الذي بدا عليه وزراء خارجية القطيعة في مؤتمرهم الصحفي والذي ظهر على نقيض عنترياتهم بداية الأزمة أيام نشوة دعم ترامب؛ مشهد لا شك يعفيهم من الإجابة على أكثر من سؤال يفوق إمكاناتهم أو لا يدخل قطعا ضمن اختصاصهم كصور بائسة لأنظمة احترقت أوراقها محرقة معها كل من يسير في ركابها وأولهم المنبرون للدفاع عن سياساتها -إن جاز التعبير- ومن بينهم وزراء خارجيتها وإعلامييها وكل من ينطبق عليه وصف "شبيحتها".
وبغض النظر عن قدرة الوزير على الإجابة من عدمها، يبقى الواقع أكبر من قدرة الوزراء على التبرير، فلسان الحال عزلة غير مسبوقة لدول أسرفت في مغامرة غير مأمونة، وجدت نفسها في نهاية المطاف بلا ظهير استراتيجي أو غير استراتيجي، وأولهم ذاك الكاوبوي الذي قبض 460 مليارا ليغري القوم بالمبادرة إلى الهجوم، قبل خذلانهم على قاعدة "وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم، فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم، إني أرى ما لا ترون"، ويمكن العودة لمقال سابق في بدايات الأزمة تحت عنوان "مآلات حملة العلاقة العامة لعزل قطر" توقعت فيه بالتحليل هذه النهاية البائسة لحملة بائسة على هذا النحو.
ولعل الأشد إيلاما في مأزق دول القطيعة اليوم انعدام فرص انسحاب القوم من سقف توقعات عال مبالغ فيه -لدرجة الغطرسة- نزولا صوب واقع ليس فيه فرصة للخروج بماء الوجه محليا على الأقل.
مأزق لا يشبهه سوى حال ذلك المستثمر العربي الذي جمع ملياراته في إحدى دول الحصار، لينشر في وسائل الإعلام الأوروبية خططه الطموحة واستثماراته الفلكية لمنافسة فريق برشلونة -في أجل قريب- بفريق كرة قدم من الدرجة الثانية الذي اشتراه للتو، قبل أن يصعق الجميع بهبوط فريقه الجديد بضربة واحدة إلى الدرجة الألمانية الرابعة بدلا من الوقوف على منصة التتويج للـ Champions League.
وبالطبع فإن ضياع الملايين المملينة في صفقات خاسرة وإدارة سيئة وحسابات خاطئة شيء، وتقديم مستثمر عربي كأضحوكة في وسائل الإعلام الأوروبي شيء آخر، وهذا هو بالضبط حال دول الحصار والقطيعة اليوم.
وعلى ذكر الخسائر فإن خسائر كل دولة تتفاوت بمقدار حجم تلك الدولة وكذلك حجم الاستثمارات التي استثمرتها -في مشروع الحصار- تلك الدولة، فمن كان فيما مضى عاصمة للقرار العربي وقائدا للعالم السني فقد خسر القرار العربي تماما كما سلم قيادة العالم السني لغيره للأبد. ومن قدم نفسه فيما مضى إمارة للسعادة والفرص الاستثمارية الحالمة، فقد انتهى به الأمر لغرس صورته الحقيقية على الملأ كمصدر لتعاسة أهله كما هو مصدر لشقاء من تآمر عليهم بالانقلابات والانتهاكات والمجازر لدى غيره من جهة، مثلما أمسى مصدرا لزعزعة ثقة المستثمرين ومهربا للاستثمارات ورؤوس الأموال من جهة أخرى، ودعك من بريق تقارير إعلام السعادة بهذا الشأن، ودعك أيضا من تلويح الساسة "ناشري ثقافة السعادة ورسم الابتسامة" بالحديد والنار وتهديداتهم بتشديد حصار قطر ومعاقبة حلفاء قطر وشركائها التجاريين لسببين:
أولهما: أن أنصاف الدول -منقوصة سيادة- لا تجرؤ أبدا على تخيير شركائها الاقتصاديين بين العمل معها أو مع خصمها.
وثانيهما: أن الشركات المتعددة الجنسية بإمكانها "تطيير" رئيس وبورصة نصف دولة في ظرف نصف ساعة عبر مكالمة هاتفية لا تتجاوز مدتها نصف دقيقة.
"يوم تسوَدّ وجوه" تلخص حال القوم فترة ما بعد كسر حصار.