تواصل وزارة أوقاف الانقلاب في
مصر قراراتها المثيرة للجدل، حيث طالب أحد مسؤوليها المصلين في
المساجد بالإبلاغ عن الأئمة المؤيدين لجماعة الإخوان المسلمين والمتعاطفين معها؛ وهو ما يعرف بدور "المخبر" التابع للأمن.
ودعا وكيل وزارة
الأوقاف بمحافظة الدقهلية (وسط الدلتا)، الشيخ طه زيادة، المصريين الأحد، إلى سرعة موافاة مديرية الأوقاف بالمنصورة - عاصمة الإقليم - باسم أي إمام مسجد أو مفتش إدارة تابع للأوقاف؛ يتبين انتماؤه أو تأييده أو تعاطفه مع أي من "الجماعات الإرهابية أو المتطرفة"، مع الإشارة بشكل خاص للإخوان المسلمين.
وهدد وكيل الأوقاف بإلغاء تصريح أي خطيب بالمكافأة يتبين انتماؤه إلي أي من هذه الجماعات أو يتعاطف معها، ودعا مديري الإدارات إلى نشر تلك التعليمات بالمساجد، وتعريف المواطنين بها ودعوتهم للمشاركة في الإبلاغ عن الأئمة.
قرارات أمنية
ومنذ الانقلاب العسكري منتصف 2013، اتخذ الوزير محمد مختار جمعة، المعروف بولائه لقائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي قرارات حاول فيها تقليص الدور المجتمعي والديني والتثقيفي للمسجد، واهتم بملاحقة الأئمة والمفتشين والتضييق على المصلين، إلى جانب غلق الزوايا والمساجد الصغيرة التي كان لها دور كبير في تحفيظ القرآن وخدمة المجتمع، وعلاج ودعم وتعليم الفقراء.
ومن بين تلك القرارات التي اعتبرها البعض أمنية في الأساس، ألزمت الأوقاف في أيلول/ سبتمبر 2014؛
خطباء المساجد المتطوعين بالحصول على تصريح من الوزارة وضعت له شروطا صارمة، واستبعدت على أثره كثيرا من الدعاة.
وفي محاولة منها لإحكام السيطرة على المساجد، ألزمت الأوقاف في تموز/ يوليو 2016، الدعاة بخطبة جمعة "موحدة" مكتوبة من الوزارة، يجري توزيعها على المساجد، فيما قامت بتركيب كاميرات مراقبة في بعض المساجد الكبرى.
وقررت الأوقاف، في نيسان/ أبريل الماضي، مراجعة جميع الكتب بمكتبات المساجد، والتأكد من خلوها من كتب الجماعات الإسلامية، وأعلنت فصل أي إمام أو خطيب يتبنى فكرا "متطرفا" أو يرتكب فعلا "لا يتناسب وصعود المنبر"، وطالبت بالحصر الشامل والدقيق لكل الأنشطة القرآنية داخل المساجد، ومتابعتها بشكل دوري.
وفي رمضان الماضي، قررت الوزارة قصر الاعتكاف على المساجد المصرح لها، ومنع أي مجموعة أو جماعة تنظم اعتكافا دون تصريح، على أن يعتكف فقط أئمة الأوقاف والمصرح لهم بأداء الخطبة والدروس الدينية من خريجي الأزهر.
وتحدث اثنان من أئمة الأوقاف لـ"
عربي21"؛ عن تجارب شخصية لهما مع مديريات الأوقاف ومديريها بالمحافظات، وكيف قامت الأوقاف بدور المخبر حتى تم تسليم أحد الإمامين للأمن بحجة انتمائه للإخوان، فيما رفضت عودة الثاني للعمل بعد الإفراج عنه بحجة أن القرار بيد الأمن.
مديري مخبر باقتدار
ويقول إمام الأوقاف، الشيخ محمد طه: "منذ الانقلاب العسكري وأنا أعاني مع رؤسائي في مديرية أوقاف الشرقية، حيث تم نقلي من مقر عملي بأحد المساجد القريبة لسكني إلى مسجد بمدينة منيا القمح، وفوجئت بأن ذلك النقل لم يكن إلا فخا حتى يتمكن الأمن من اعتقالي بتهم الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين".
وأضاف طه لـ"
عربي21": "حاول مدير الإدارة الإيقاع بي في يد الأمن بكل الطرق، حيث كان يتصل بي صباح كل جمعة ليتأكد من حضوري للصلاة والخطبة، ومع أول جمعة بعد نقلي دخلت المسجد مترقبا فوجدت عناصر الأمن مجتمعة حول المسجد وداخله، فهرولت سريعا دون حذائي".
وأكد الشيخ طه، الحاصل على درجة الدكتوراه في الفقه المقارن، أنه فهم لعبة تواصل الأمن مع مديره. وقال: "كنت أفسد خطته الأسبوعية وأبلغه كل جمعة بأنني مريض وملازم للفراش، أو أبلغ الإدارة نهاية يوم الخميس أنني في إجازة عارضة الجمعة".
وقال طه، الذي كان يتم اختياره سنويا من قبل الوزارة لبعثات خارجية في دول أوروبية لإمامة المسلمين في شهر رمضان: "تم نقلي لمسجد بإحدى القرى، فشعرت ببعض الأمان وعدت لصعود المنبر"، وكانت المفاجأة أن تركه الأمن دون اعتقاله لأكثر من جمعة، موضحا أن "نقلي للقرية كان فخا جديدا من الأوقاف؛ وقعت فيه، وتم القبض عليّ".
القرار بيد الأمن
ويقول الإمام بالأوقاف، الشيخ السيد غريب، إنه "ذات ليلة اقتحم الأمن بيتي وقام باعتقالي، ووجه لي تهمة التظاهر ضد النظام"، مضيفا: "حاول المحامي الحصول على مستند رسمي من مديرية الأوقاف بأنني كنت في مكان عملي وقت الاتهام؛ فرُفض الطلب".
وأكد غريب لـ"
عربي21"؛ أنه "تم حجزي بمركز الشرطة أكثر من ثلاثة أشهر، بين المجرمين وتجار المخدرات، حتى أفرجت النيابة عني قبل شهر رمضان، إلا أن الأمن لم ينفذ قرار الإفراج، وبقيت طوال شهر رمضان رهن الاعتقال رغم قرار الإفراج عني"، مرجعا ذلك لعدم تعاون الأوقاف مع محاميه.
وأوضح أنه "تم الإفراج عني قبل عيد الفطر، فتوجهت لإدارة الأوقاف طالبا العودة إلى عملي، إلا أن مدير الإدارة ماطل في تنفيذ طلبي دون أن يبدي أية مبررات، إلا أنه أشار إلى أن القرار ليس بيديه ولا بيد رؤسائه؛ ولكنه بيد الأمن".
وأشار غريب إلى أن تعنت الأوقاف في عودته للعمل استمر طوال شهر كامل، مؤكدا أنه لم يحصل على راتبه منذ أربعة أشهر.