يعاني المصريون من أزمات اقتصادية متلاحقة تغرق بعضها بعضا من غلاء فاحش في الأسعار والبطالة وتردي مستوى المعيشة وانهيار مستوى الخدمات الاجتماعية المقدمة للمصريين من تعليم وصحة وطرق وصرف صحي وتدهور في كافة الخدمات الحكومية المقدمة للجمهور.
أصبح الوضع العام قاتما وليلا حالك السواد، فالمصريون جمعتهم المصائب والكوارث فأصبح المصريون الذين فرقتهم السياسة تجمعهم كوارث الاقتصاد فسواء كنت مؤيدا للنظام أو معارضا له فالكل مكوي بنار الأسعار والتخلف والواسطة والمحسوبية.
لكن الأصعب من كل ما سبق هو ما أصبحت ألمسه بنفسي من كلمات المصريين من الضجر من الوضع القائم وشيوع جو من اليأس والإحباط فقد غابت البسمة عن وجوههم وأصبح لا حديث للناس في منتدياتهم العامة والخاصة إلا عن غلاء الأسعار بصفة يومية عند فئات المصريين أصحاب الدخول الدنيا والمتوسطة.
لكن ما يهمني في هذا الأمر هو التخوف من انتشار الأمراض النفسية التي يمكن أن تفتك بالمصريين من جراء هذا الوضع الاقتصادي المنهار.
في دراسة قدمها المركز القومي للسموم أكدت أن المركز رصد نحو 18 ألف حالة محاولة انتحار وصلت إلى مركز السموم خلال عام 2011، في حين أكدت دراسة أخرى أن محاولات الانتحار بلغت 104 آلاف حالة، تمكن 5 آلاف منهم في التخلص من حياتهم في عام 2009.
ورغم عدم وجود إحصاءات حديثة إلا أن مسؤولا بالمركز القومي للسموم أكد أن المركز يستقبل 18 حالة انتحار يوميا، وهذا أمر ينذر بخطر شيوع الظاهرة في مصر.
وتؤكد الإحصائيات أن ما لا يقل عن 70% من محاولات الانتحار تقوم بها المرأة اغلبهم من سن 16 إلى 26 عاما خوفا من العنوسة ونظرة المجتمع سلبيا للبنات التي فاتهم قطار الزواج، ففي مصر 4 ملايين من البنات تجاوزن 35 عاما بدون زواج مما يزيد من حدة العنوسة. أما حالات الانتحار التي يقدم عليها الشباب فهي تعود إلى العجز عن وجود فرص عمل، نتيجة عجز الاقتصاد عن إنتاج فرص عمل تكفي للشباب الذي يدخل إلى سوق العمل، ففي مصر يدخل 750 ألف شاب جديد إلى سوق العمل سنويا يبحثون عن فرص عمل.
فوفق دراسة أعدتها منظمة الصحة العالمية أنه مع الاضطرابات الاقتصادية التي تعاني منها الدول تزداد حالات الانتحار وانتشار المخدرات والقتل وإدمان الكحول، في حين أن الدراسة تؤكد أن الصحة النفسية الايجابية تمكن الشخص من تحمل الضغوط النفسية والعصبية التي يواجهها في حياته.
فالدول التي تصاب بصدمات اقتصادية مثل مصر من صدمات تخفيض العجز في الموازنة العامة للدولة وتخفيض نفقات الدعم والخدمات المقدمة للناس فإن الدول المتقدمة عندها أدوات لامتصاص الصدمات فحينما تزداد البطالة تزداد البرامج الاجتماعية لرعاية فاقدي فرص العمل وترعاهم بمعاش شهري لمدة عام ولربما يزداد لأكثر من عام، وتقوم الدولة ببرامج تحويلية لتدريب العمالة إلى اتجاه أكبر وبرامج اجتماعية لرعاية الأمومة والطفولة بحيث تشتمل كل أفراد الأسرة ومن هنا فشبكات الضمان الاجتماعي تلعب دورا حيويا لتخفيف الصدمات الاقتصادية، لكني أعلم يقينا أن مصر لا يوجد بها شبكة ضمان اجتماعي يحمي الفقراء والعمال والفلاحين والموظفين وأرباب المعاشات، فالمواطنون يقعون فريسة الانهيار الاقتصادي وأصبحوا ضحية لهذا النظام.
في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية للحكومة يبدو أننا أصبحنا أمام أمر صعب وقاس للغاية للمصريين فلا الدولة تريد أن تقوم بدورها ولا تريد أن تترك الجمعيات الخيرية تقوم بدورها هي الأخرى في مساعدة الفقراء، إذ نحن كمصريين علينا أن نحل مشاكلنا بأنفسنا ونحتضن أولادنا الشباب ونيسر الأمور في فرص العمل والزواج والسكن فهل يعقل أن الشباب عاجز عن العمل ويواجه بأعباء زواج تفوق قدراتهم فضلا عن صعوبة شراء مسكن وأعباء تجعل الأبواب مسدودة.