في خضم أزمة المواقع الإخبارية المحجوبة في
مصر، يثور تساؤل: لماذا تمتنع سلطات الانقلاب عن حجب مواقع ومنتديات وصفحات
تنظيم الدولة وغيرها من الجماعات المتطرفة؟
وحجبت مصر بداية من 24 أيار/ مايو الماضي، ما لا يقل عن 122 موقعا إخباريا وسياسيا بينها من الخارج: "الجزيرة"، و"عربي21"، "وهاف بوست عربي"، وجميع الصحف القطرية، ومن الداخل مواقع: "المصريون"، و"مدى مصر"، و"مصر العربية"، و"البديل"، وغيرها، بحجة نشر محتوى يدعم الإرهاب والتطرف.
مواقع تنظيم الدولة
وفي المقابل، يمكن الوصول، وبدون عوائق لأهم مواقع تنظيم الدولة من مصر، مثل موقعي وكالة "أعماق" الناطقة باسم التظيم، وموقع وكالة "الصوارم" الإخبارية، إحدى أهم أذرعه
الإعلامية، إلى جانب موقع وكالة الأنباء الإسلامية "حق"، التابعة لتظيم "أنصار بيت المقدس" في سيناء، حيث ما يزال الأخير يعمل بدون حجب حتى بعد تغيير اسم التنظيم لـ"ولاية سيناء".
كما تنتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك، وتويتر، وانستغرام، ويوتيوب وتيليجرام) مئات الحسابات والصفحات المؤيدة والمدافعة والمروجة لأفكار التنظيم.
وفي مقال له بصحيفة "الشروق"، قال الكاتب الصحفي أشرف البربري، إن "الصمت على حجب عشرات المواقع الإخبارية ذات الطابع السياسي المعارض، أدى إلى وصول قرارات الحجب إلى مرحلة العبث"، مشيرا إلى أن سلطات الانقلاب لم تقدم حجة ولا سببا مقنعا لحجب تلك المواقع إلا "تهما مطاطية وكلاما مرسلا".
وانتقد البربري عدم إعلان سلطات الانقلاب رسميا عن أي قرار أو حتى تصريح يؤكد أنها من قام بحجب المواقع، أو يشير لجهة الحجب، موضحا أنه لا يمكن للمواقع المحجوبة أن تقاضي الدولة وتطعن على قرار حجبها لعدم إعلانه رسميا.
وأشار إلى أن سلطات الانقلاب حجبت مواقع يُشهد لها بالمهنية ورفض الإرهاب، في الوقت الذي تغمض فيه عينيها عن مواقع تنظيم الدولة وغيرها من الجماعات المتطرفة، وفق قوله.
فزاعة التطرف
ويؤكد الكاتب والباحث السياسي خالد الأصور، أن هناك حرصا من السلطات في الداخل، مدفوعة بداعميها في الخارج، على إتاحة المجال أمام بروز أي فكر متطرف بل وحركي إرهابي".
وأضاف الأصور لـ"عربي21": "إن الأمر وصل بالنظام للترويج للفكر المتطرف؛ حتى يكون أصحاب ذلك الفكر فزاعة تأخذ معها أي فكر معتدل ومخالف في نفس الوقت؛ للمسار السياسي للنخب الحاكمة"، وفق قوله.
وقال إن "هذا (الترويج للفكر المتطرف)؛ هو عين ما جرى علي يد الغرب وعملائه العرب في قتل الثورات العربية السلمية في مهدها، والتي كانت أفضل سفير لدى الشعوب الغربية في بيان تحضّر الشعوب العربية في ثوراتها البيضاء، وتغيبر الصورة النمطية السلبية عن العرب".
ولفت الأصور إلى أنه "في أعقاب إفشال الثورات العربية وتحويل بعضها إلى ثورات مسلحة عبر التدخل المخابراتي الدولي، كما حدث في سوريا واليمن وليبيا، جرى صنع تنظيمات إرهابية مخابراتية على غرار تنظيم الدولة للإبقاء على الصورة الذهنية السلبية للعرب لدى المواطن الغربي العادي"، وفق تقديره.
صعوبة الحجب
وأكد الكاتب والمحلل السياسي، بدر شافعي، أن "إحدى أدوات القمع لدى الأنظمة الفردية؛ هي حجب المواقع ومصادرة الصحف"، مشيرا إلى أن البداية كانت بعهد الرئيس جمال عبد الناصر، واستمرت، حيث سيطرة فكرة الحزب الواحد الذي لا يقبل بوجود صحافة حرة، ويكتفي بالصوت الأحادي بحجة خدمة الدولة وتحسين صورتها".
وأضاف مدير البرامج في قناة النيل للأخبار سابقا، لـ"عربي21"، أن "مصر عرفت على مدار العقود الماضية أن أية أصوات صحفية مخالفة هي في النهاية مصيرها الحجب أو الإغلاق، كإحدى أساليب الضغط لتغيير سياساتها إذا كانت تبث من مصر".
وتابع شافعي، "أما ما تبث من خارج مصر فإن النظام يواجهها بأساليب كالتشويش والحجب وتوجيه اتهامات بالتمويل الخارجي، في محاولة لوقف دور تلك الصحف والفضائيات في كشف الحقيقة للشعب ومنع تأثيرها على الرأي العام".
وأشار شافعي إلى صعوبة حجب مواقع تنظيم الدولة بشكل خاص، وقال إن "إغلاق وحجب أو التشويش على مواقع التنظيم ليس بالأمر اليسير، وأن النظام قد يقوم بتلك الأمور، والدليل أنه يتم وقف بث فيديوهات التنظيم بعد بثها بدقائق"، كما قال.
وأوضح أن "التنظيم له أساليبه في تغيير ترددات مواقعه المصورة، ناهيك عن عدم وجود موقع واحد فقط أو ثابت يبث منه بشكل مستمر على مدار اليوم حتى يتم حجبه"، وفق تقديره.