نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا للصحافي ديفيد سانغر، يقول فيه إن الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب منزعج؛ لأن مستشاري الأمن القومي لديه لم يوفروا له أي خيارات بشأن طريقة الخروج من
الاتفاق النووي مع
إيران، فأصدر تعليماته لهم بإيجاد أسباب منطقية للإعلان بأن إيران خرقت بنود الاتفاقية.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن المسؤولين الأمريكيين حذروا حلفاء أمريكا من أنه يجب عليهم الاستعداد لإعادة فتح المفاوضات مع إيران، أو أن يتوقعوا انسحاب أمريكا من الاتفاقية، كما انسحبت من اتفاقية المناخ في باريس، لافتا إلى أن أمريكا بدأت بالحديث مع المراقبين الدوليين في فيينا، حول احتمال طلب الدخول إلى مواقع عسكرية إيرانية؛ بسبب وجود شكوك كافية ببرامج أبحاث أو تطوير نووية، وإن منعت إيران ذلك، كما هو متوقع، فإنه يمكن لواشنطن إعلان خرق طهران للاتفاقية التي مر عليها عامان.
ويذكر سانغر أن ترامب يتمتع بمساحة واسعة للتخلي عن الاتفاقية، التي لم تصل إلى حد المعاهدة، حيث كان الرئيس باراك أوباما يعلم أنه لن يستطيع الحصول على أكثرية الثلثين في مجلس الشيوخ، الذي يتمتع فيه الجمهوريون بأكثرية، لتأييد المعاهدة، فلجأ إلى عقد اتفاقية تنفيذية، يمكن لخليفته أن ينهيها بمجرد إهمال شروطها برفع العقوبات عن إيران.
وتلفت الصحيفة إلى أن تعليمات ترامب جاءت بعد سلسلة من الأخذ والرد مع وزير الخارجية ريكس تيلرسون، بعد أن رفض ترامب للمرة الثانية منذ تسلمه الرئاسة التوقيع على أن إيران ملتزمة بالاتفاقية، لكنه وافق على ذلك لاحقا، مشيرة إلى أن ترامب كان يتوقع أن توفر لديه خيارات للخروج من الاتفاقية بحسب المسؤولين وبحسب ما قاله أحدهم، فإن الرئيس فقد أعصابه عندما لم يجد هذا الخيار متوفرا، وأشار إلى أن ترامب أوضح أنه لن يسمح بتكرار ذلك، حيث قال في مقابلة مع "وول ستريت جورنال" بأن هناك دراسة تفصيلية (لالتزام إيران)، وأنه عندما يكون وقت المراجعة القادمة بعد 90 يوما "أظن أنهم لن يكونوا ملتزمين".
وينقل التقرير عن مساعدي ترامب، قولهم بأنهم لا يعرفون ماذا ستكون نتيجة الدراسة، وأوضحوا أن ما يفضله ترامب هو أن تركز الدراسة على فوائد وتكلفة البقاء في الاتفاقية –آخذا في عين الاعتبار حد إمكانية إيران من إنتاج الوقود الذري على مدى السنوات التسع القادمة– مقارنة بالخروج من الاتفاقية.
ويقول الكاتب إن بعض المساعدين يعتقدون أن الثمن الدبلوماسي لمغادرة الاتفاقية سيكون عاليا، حيث لا يشارك أطراف الاتفاقية الآخرون -بريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا وروسيا- ترامب في معارضتها، فإن انسحبت أمريكا من الاتفاقية فإنها ستكون معزولة بالطريقة ذاتها التي عزلت فيها فيما يتعلق باتفاقية المناخ.
وتستدرك الصحيفة بأن الرئيس يبدو أنه قرر، حيث قال: "انظر، أحترم ريكس وفريقه جدا، ونحن على علاقة جيدة.. لكن من الأسهل القول بأنهم ملتزمون.. إن ذلك أسهل بكثير، لكنه الاستنتاج الخطأ، فهم غير ملتزمين".
وينوه التقرير بأنه حتى من عارض الاتفاقية في الكونغرس يشكون في حكمة التخلي عنها، حيث أشار رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، بوب كوركر من حزب الجمهوريين عن تاناسي، في مقابلة له مع ديفيد إغناتيوس من صحيفة "واشنطن بوست"، إلى أنه ليس وقتا مناسبا لترك اتفاقية ناجحة إلى حد بعيد، وأضاف كوركر: "ما أقوله للرئيس، وهو ما يقوله أيضا تيلرسون وماتيس وماكماستر.. يمكنك تمزيق الاتفاقية مرة واحدة.. وهذا ليس مثل سلاح نووي يتم تطويره".
ويفيد سانغر بأن كوركر حذر من فرض تطبيق الاتفاقية بأسلوب راديكالي، مثل طلب الدخول إلى المنشآت العسكرية الإيرانية، وقال إنه يفضل أن يكون من ينقض الاتفاق هو إيران وليس أمريكا؛ وذلك لأن أمريكا تحتاج لأن تكون على وفاق مع حلفائها.
وبحسب الصحيفة، فإن الأسلوب الراديكالي الذي تحدث عنه كوركر هو ما ينادي به بعض المستشارين الأمنيين، مع أنهم ينكرون أنهم يحاولون بفعلهم استفزاز الإيرانيين، ويقولون إنهم بذلك يفحصون آليات الاتفاق لينقلوا للرئيس إن كان تفسير إيران للاتفاقية والتزاماتها الدولية سيفتحان الطريق أمام تفتيش منشآتها أم لا.
ويوضح التقرير أن إيران لطالما قالت إنها لن تسمح بالدخول لمواقعها العسكرية الحساسة، فكان هذا واضحا في عام 2015، عندما طلب المفتشون دخول قاعدة بارتشين بالقرب من طهران، حيث كانت هناك أدلة على وجود نشاط نووي هناك، وتم التوصل إلى حل وسط، فقامت إيران تحت مراقبة المفتشين بأخذ عينات بيئية، ولم يتم اكتشاف أي شيء فيها، إلا أن الناقدين لهذا الاتفاق يحتجون بالقول إن إيران ستضع أي برنامج تخصيب يورانيوم في مواقع تمنع دخولها وتفتيشها.
ويشكك الكاتب في امتلاك وكالات الاستخبارات الأمريكية أي أدلة على مخالفة إيران للاتفاقية أكثر من مجرد شكوك؛ ولذلك حذر عدد من المسؤولين في المخابرات من مخاطر توجيه المفتشين الدوليين إلى مواقع محددة ليكتشفوا عدم وجود أي أنشطة مشبوهة، حيث ستكون لهذا الحدث تداعيات عدم وجود أسلحة دمار شامل في العراق عام 2003 ذاتها.
وتبين الصحيفة أن أحد انتقادات ترامب لاتفاقية 2015 هو أنها تغطي الجانب النووي فقط، ولا تتضمن دعم الإرهاب، ولا تجارب الصواريخ، ولا أنشطة إيران في العراق وسوريا، لافتة إلى أن وزارة الخارجية الأمريكية اشتكت من إطلاق إيران لصاروخ في الفضاء يوم الخميس، حيث قالت إن ذلك يخرق روح الاتفاق النووي.
وتختم "نيويورك تايمز" بالإشارة إلى قول الصحافي نادر كريمي جوني، المقرب من الحكومة والرئيس روحاني، بأن إطلاق الصاروخ القادر على وضع قمر صناعي زنته 250 كيلوغراما في مدار بعده 500 كم عن الأرض، جاء ردا على تصويت مجلس النواب الأمريكي للمصادقة على عقوبات جديدة ضد إيران.