تشير الإحصائيات إلى أن
الأمراض السرطانية باتت تحتل المرتبة الأولى بين الأمراض الأكثر انتشارا في
سوريا، بسبب التأثير طويل الأمد لمخلفات الحرب، مع التراجع الكبير في مستوى الرعاية الصحية، بل فقدانها في كثير من المناطق.
ومن أهم أسباب انتشار مرض السرطان ارتفاع نسبة تلوث الماء والهواء والتربة، نتيجة القصف المستمر بمختلف أنواع الأسلحة والقنابل والدخان الناتج عن المعارك، واستخدام المولدات الكهربائية التي لا يكاد منزل يخلو منها في بعض المناطق السورية.
في الغوطة
وتقول الطبيبة وسام الرز، المديرة الطبية لـمجمع دار السلام في غوطة دمشق؛ إن زيادة أمراض السرطان في ظل الأزمة تعود أولا إلى التلوث بمخلفات الحرب، وثانيا العامل النفسي، وثالثا الحصار المطبق على الغوطة الذي أدى بدوره إلى سوء تغذية، ما يؤدي الى سوء الحالة العامة لدى المريض، إضافة للعوامل الأخرى الاعتيادية المعروفة.
وذكرت الرز أن المركز يستقبل المرضى المشخصين سابقا، ويعمل على معالجتهم أو الذين هم قيد الدراسة ويعمل على تشخيصهم ومن ثم علاجهم، "حيث يبلغ عدد المرضى لدينا 1200، وهناك زيادة واضحة بالأعداد خاصة مرضى الدم (لمفوما- لوكيميا)، ومن بعدها الأورام الصلبة الأخرى".
وعن تكاليف العلاج وطرق تأمينه، قالت الطبيبة لـ"
عربي21": "بروتوكولات العلاج عالمية والعلاج مكلف جدا، كون الأدوية مستوردة".
وأضافت: "المركز الذي أقوم بالإشراف عليه مدعوم من قبل (أطباء بلا حدود) فقط، وليس له أي دعم آخر، بحجة أن مريض الأورام مكلف ويمكن علاج أكثر من جريح، علما بأن هذا الكلام عار عن
الصحة، فالمرضى كلهم بميزان واحد من الناحية الإنسانية"، كما قالت.
مصاعب تلقي العلاج
ويفتقد مرضى السرطان في كثير من المناطق السورية لعيادات الأورام، أو المشافي المتخصّصة بالكشف المبكر عن المرض، ولا يحظى المرضى بالعلاج، ما يضطرهم إلى السفر ساعات طويلة إلى أحد المراكز العلاجية القليلة الموجودة في المدن الكبرى.
وقالت الطبيبة هناء مسالمة، أخصائية الأمراض الداخلية وأمراض الدم: "هناك صعوبات تواجهني، فعيادتي الموجودة في درعا غير مؤهلة لاستقبال المرضى بسبب ضعف الإمكانيات، كما أنها غير مجهزة بالمعدات اللازمة. فأنا أقوم بتطبيق العلاج فيها ضمن الإمكانيات المتاحة وتشخيص المرضى وعلاجهم، لكن الصعوبة تكمن في الحاجة لتأمين إبر الخزع والأدوية الكيماوية من دمشق، بالإضافة إلى التكلفة المادية الكبيرة التي تقع على عاتق المريض".
وأضافت لـ"
عربي21"؛ أن "المريض يحاول تأمين كلفة الجرعة بمساعدة جمعيات أو ببيع ممتلكاته، وهناك من يتوقف عن العلاج لعدم وجود القدرة المادية".
وتابعت: "أذكر أن هناك مريضة سرطان ثدي رفضت العلاج لعدم قدرتها على تأمين ثمن الأدوية، فأنا أُشرف على علاج 10 مرضى بالسرطان بأنواعه المختلفة، وهناك أعداد أخرى أقوم بتحويلهم إلى مشافي دمشق إذا كان المريض قادرا على التنقل".
وأردفت قائلة: "معظم السوريين الذين بدأوا علاجا مبكرا للمرض؛ اكتشفوه مصادفة خلال قيامهم بفحوصات لأمراض أخرى، بسبب عدم وجود فحوصات دورية في المشافي والمستوصفات"، مشيرة إلى أن "غالبية المرضى يتم اكتشاف مرضهم بشكل متأخر".
وتتوقع المسالمة زيادة مستقبلية في عدد مرضى السرطان والسبب، برأيها، التأثير طويل الأمد لمخلّفات الحرب، كالتلوّث بالمواد الكيماوية والعضوية والمعدنية.
"قاهر المرض والأسد"
من جهته، قال أحمد النابلسي (32 عاما): "أصبت بالمرض نوع هودجكن درجة رابعة بالعقد اللمفاوية بالعنق والصدر والبطن والحوض، منذ سنة تقريبا، ولم تكن هناك أي صعوبة أو حالة خوف بسبب مرض السرطان؛ لأن ما يحدث في سوريا أصعب من المرض بحد ذاته".
وأضاف: "كنت أشعر بوجع في معدتي بشكل دائم. كنت ألاحظ أن وزني ينقص بشكل غريب. وبعد عدة تحاليل وخزعات، تبينت إصابتي بهذا المرض".
ونوه أحمد النابلسي، وهو عنصر في الجيش الحر، إلى أن صعوبة تأمين الأدوية تتسبب في تأخير العلاج، لافتا إلى أن الأدوية في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام غير متوفرة، فيضطر المريض لشرائها بأسعار مضاعفة عدة مرات من خارج المحافظة، "ونواجه صعوبة في إدخالها بسبب التدقيق الأمني الكبير من قبل حواجز منتشرة تابعة لنظام الأسد على مداخل درعا".
وحول عدم مغادرته سوريا لتلقي العلاج، قال النابلسي: "في البداية عُرض عليّ العلاج في أحد الدول المجاورة، لكنني رفضت الخروج من درعا، فأطلقوا عليّ لقب قاهر الأسد وقاهر السرطان، لأنني ما زلت حتى اللحظة مرابطا ومقاتلا في جبهات درعا ضد عصابات الأسد ومليشياته، وقاهر السرطان لأنني لم أيأس وأستسلم للمرض"، وفق قوله.