تشهد العلاقة بين الوزير الأول
الجزائري عبد المجيد تبون، والرئيس عبد العزيز
بوتفليقة، ومحيطه المقرب، تصعيدا لافتا ومفاجئا، على خلفية مساعي باشرها تبون ضد رجال أعمال نافذين، بحجة "فصل المال عن السياسة".
وقال تبون، خلال عرضه مخطط الحكومة أمام البرلمان، بعد أسبوع من تعيينه على رأس الحكومة يوم 25 أيار/ مايو المنصرم، أنه تلقى تعليمات من الرئيس بوتفليقة تقضي بتطهير الساحة السياسية من
رجال الأعمال، مشيرا إلى أنه لا يقبل بتدخل رجال الأعمال بالقرار السياسي.
اقرأ أيضا: تعرف على رجل الظل "حاكم قصر المرادية" في الجزائر (بورتريه)
والواضح أن تبون، الذي منحه الرئيس بوتفليقة وسام "العشير"، وهو أعلى وسام في الدولة الجزائرية، نظير ما بذله من جهود تذليل أزمة الإسكان بالبلاد، كان يقصد رجال أعمال نافذين في الدولة، ولهم ارتباطات وثيقة مع دوائر صنع القرار في البلاد، وعلى رأسهم علي حداد، رئيس منتدى رؤساء المؤسسات؛ الذي يضم العشرات من رجال الأعمال، وتزيد ثروته الصافية عن أربعة مليارات دولار.
وبالإضافة إلى اتهام حداد بتدخله بالقرار السياسي إلى جانب سيطرة كبيرة في مجال الأعمال، مقارنة مع باقي رؤساء المؤسسات، فإن الرجل متهم بتعطيل العشرات من المشاريع الاقتصادية الكبرى التي حظي بها مجمعه الإنشائي "شركة أشغال العامة والبناء والري"، بعد أن حاز عليها من خلال صفقات بالتراضي، أي دون المرور بمناقصات مثلما ينص عليه قانون الصفقات العمومية. وبلغت قيمة تلك الصفقات 17 مليون دولار.
وبدأت العلاقة بين تبون ومحيط الرئاسة، الذي يبرز فيه سعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس الجزائري، تسوء، بعد أن أرسلت الحكومة يوم 26 تموز/ يوليو، إنذارات لمجمع علي حداد، وعدد من الشركات الاقتصادية، بغرض إتمام المشاريع المعطلة بأقرب وقت أو إعادة الدفعات المالية التي تسلمها.
وفي هذا الصدد، يعتقد الخبير الإقتصادي، لوناس بوشاري، أن "الوزير الاول، تسرع بإعلانه الحرب على رجال الأعمال المؤثرين رغم أنه يعلم أنهم مرتبطين بجهات نافذة في السلطة".
اقرأ أيضا: تعرف على رجل الظل "حاكم قصر المرادية" في الجزائر (بورتريه)
وأضاف في حديث لـ"عربي21": "أعتقد أن شقيق الرئيس كان منذ البداية معارضا لتعيين تبون على رأس الحكومة، لذا فإن العلاقة بين الطرفين، لم تكن من أولها علاقة ود".
ويرى بوشاري أن "قضية رجال الأعمال النافذ علي حداد؛ صحيح أنها كانت القطرة التي أفاضت الكأس، لكن ما لم يذكر، أن الوزير الأول سبق وأن اتخذ قرارات جد هامة وحساسة تتعلق بوقف استيراد قائمة واسعة جدا من المنتجات، تحت تأثير الأزمة المالية الناجمة عن تدهور أسعار النفط، وهو ما أضر برجال الأعمال الموردين للسلع، وبمقدمتهم موردو السيارات التي تقلص استيرادها إلى 5 في المئة، بالإضافة إلى تعليمات أرسلها الوزير الأول لمدراء البنوك تقضي بوقف منح القروض لمستثمرين بسبب عدم جدوى مشاريعهم".
وأحدثت تلك الإنذارات المشفوعة بتهديدات مبطنة، بسحب المشاريع من رجل الأعمال علي حداد وعدد من "زملائه"؛ تصعيدا واضحا في علاقة الوزير الأول بالرئاسة، بينما أعطى شقيق الرئيس بوتفليقة إشارات إلى أنه يقف إلى جانب رجل الأعمال المشار إليه، من خلال مرافقته اللصيقة أثناء تشييع جثمان رضا مالك، أحد قادة الثورة الجزائرية، يوم 28 تموز/ يوليو، كما أن علي حداد رافق شقيق الرئيس في سيارته الرئاسية أثناء مغادرة المقبرة بالعاصمة.
وأحدث ذلك المشهد جدلا واسعا، وفقا لقراءات أعطت الانطباع بوقوف الرئاسة إلى جانب رجال الأعمال، بالرغم من أن الوزير الأول أكد خلال عرضه خطة حكومته الجديدة، أمام البرلمان، أنه ينفذ تعليمات الرئيس بوتفليقة.
لكن رد فعل الرئاسة بالجزائر، يوم أمس، كان مفاجئا للغاية، إذ وجه الرئيس بوتفليقة لوزيره الأول، وهو في إجازته السنوية، إنذارا شديد اللهجة، داعيا إياه إلى "الكف عن التحرش بالمتعاملين الاقتصاديين".
جاء ذلك في رسالة منسوبة للرئيس، سربت لقناة النهار الخاصة، المقربة من الرئاسة، اعتبرت أن الحملة التي يقودها تبون على رجال الأعمال "حملت طابعا دعائيا رسم صورة سيئة لدى المراقبين الأجانب لمناخ الاستثمار بالجزائر"، بحسب الرسالة المنسوبة للرئيس.
اقرأ أيضا: موند أفريك: هل سيتم اختيار خليفة بوتفليقة من جنرالات الجيش؟
وجاء في الرسالة المسربة، أن الرئيس بوتفليقة طالب تبون بـ"وضع حد لفوضى المبادرات الحكومية". كما أعرب الرئيس عن أسفه لـ"طبيعة التسويق المبالغ فيه للقرارات الأخيرة للحكومة، والتي أعطت انطباعا لدى الرأي العام الوطني والدولي، بأنّ هناك حملة رسمية منظمة ضد رجال المال والأعمال".
وطرح مراقبون تساؤلات حول خلفيات تسريب الرسالة التي بعث بها الرئيس بوتفليقة لوزيره الأول، عبر قناة تلفزيونية خاصة، بدلا من وسائل الإعلام الرسمية، ما أثار جدلا حول الجهة الحقيقية التي سربت الرسالة؛ في وقت يرى متابعون أن مدير ديوان الرئاسة، أحمد أويحيى، وهو أحد خصوم تبون، ربما يكون وراء التسريب.
طرح هذا التصعيد غير المسبوق بين الرئيس بوتفليقة ووزيره الأول؛ تساؤلات حول مصير عبد المجيد تبون، الموجود حاليا بفرنسا لقضاء إجازته السنوية.
وفي هذا الصدد، يعتقد المحلل السياسي الجزائري أسعد بوراوي؛ أن "التصعيد الخطير الملاحظ سيكون منتهاه إقالة تبون أو دفعه للاستقالة"، موضحا في حديث لـ"عربي21"، أن "تبون صرح لمقربين منه انه لن يتنحى طواعية وسيكمل مسيرة محاربة
الفساد إلى النهاية".
وتابع بوراوي: "أعتقد أنه كون تبون حديث العهد بالتعيين على رأس الوزارة الأولى، أوقع الرئاسة بحرج بشأن عزله بالوقت الراهن"، وفق تقديره.