كتب المحرر والمراسل السابق لمجلة "إيكونومييست" جون أندروز، حول الأزمة
القطرية، مشيرا إلى أنها ستحل في النهاية، لكن السؤال يظل حول ما إذا كانت النهاية مناسبة ومرضية للرجل الذي قام بإشعالها والتخطيط لها، وهو ولي العهد السعودي الجديد الأمير
محمد بن سلمان.
ويقول أندروز إن "حلا متطرفا، لكنه غير محتمل للأزمة، سيكون من خلال عملية إجبارية لتغيير النظام، يتم من خلالها استبدال الأمير الحالي الشيخ تميم بن حمد آل خليفة بعضو آخر مطواع للسعودية، وفي السيناريو الأقرب احتمالا، فإن قطر قد توافق على التوقف عن منح الملجأ لعدد من أفراد جماعة الإخوان المسلمين وحركة وحماس، وتقوم بكبح قناة (الجزيرة)، الشبكة التي تقوم بتمويلها وتبث في أنحاء المنطقة كلها".
ويشير الكاتب في مقاله بموقع "بروجيكت سندكيت"، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أنه "في السيناريو الأخير سيعد الدبلوماسيون العمانيون والكويتيون أنفسهم وسطاء سلام، أما محمد بن سلمان فسيظهر على أنه رجل دولة، وسيشعر المسؤولون الغربيون، الذين أبدوا قلقا حول أسعار النفط ومستقبل القاعدة العسكرية الأمريكية في العديد القطرية، بالراحة، على الأقل حتى الأزمة الخليجية القادمة، وفي حال استمر ابن سلمان في سياسته المتشددة وقطر بالتصرف بطريقة أكبر من حجمها في المنطقة، فإن الأزمة القادمة لن تكون بعيدة".
ويقول أندروز إن "النكسة
السعودية القطرية الأخيرة لا يمكن اعتبارها (مصيدة ثيوسداديز)، بحسب تعريف المفكر السياسي الأمريكي أليسون غراهام، حيث يؤدي صعود قوة إلى خوف القوة المتسيدة، فالسعودية لديها سكان يتجاوز عددهم الـ32 مليون نسمة، ثلثهم من العمالة الوافدة، أما قطر فلديها 2.6 مليون نسمة 90% من الأجانب".
ويلفت الكاتب إلى أنه "بدلا من هذا الوصف، فإن ما يقع في قلب الأزمة هو خوف السعودية، الدولة التي تعيش حالة من الخوف من صعود
إيران المنافسة لها في التأثير على المنطقة، وهناك اقتناع لدى السعوديين بأن قطر تقوم بدعم المهمة الإيرانية في المنطقة، على الرغم من الاشتراك بين قطر والسعودية في الفكر الوهابي".
ويرى أندروز أن "السعودية لديها مبرر للخوف من إيران، فبعد الثورة الإسلامية عام 1979، تبنى الإمام آية الله الخميني مشروع تصدير الثورة للعالم الإسلامي، وبعد جيل على نشوء الجمهورية الإسلامية نجحت إيران بإيجاد موطئ قدم لها في كل من
العراق وسوريا ولبنان واليمن، الذي تقدم فيه الدعم للمتمردين الحوثيين لإحباط التدخل الذي لم يخطط له ابن سلمان جيدا، والآن وقد فرضت السعودية الحصار على قطر، جاءت إيران لدعم الأخيرة، وتقديم الدعم لها من المساعدات الغذائية، وفتح أجوائها أمام الطيران القطري".
ويقول الكاتب: "من الجدير هنا السؤال إن كان محمد بن سلمان قد أخطأ في قراءة الواقع السياسي والاقتصادي، حيث حصل على سلطة كبيرة باعتباره الابن المفضل للملك سلمان، فقد مضغ أكثر مما يستطيع بلعه، فهو وزير الدفاع منذ كانون الثاني/ يناير 2015، إلا أن الحرب في اليمن مضى عليها عامان، وتحولت إلى كارثة إنسانية وحصار بحري شامل، أدى إلى مجاعة وانتشار داء الكولير بين 500 ألف شخص".
ويبين أندروز أنه "في سوريا قامت السعودية وقطر بدعم جماعات متشددة، إلا أنها لم تستطع الإطاحة برئيس النظام السوري بشار الأسد، وفي ميزان القوة الإقليمي، فإن الدعم السعودي والأمريكي للمعارضة السورية لا يقارن بالدعم الذي يقدمه حلفاء الأسد له؛ الروس والإيرانيون".
وينوه الكاتب إلى أن "محمد بن سلمان يواجه تحديا أكبر، فالسعودية باعتبارها أكبر منتج للنفط في العالم، قامت باسترضاء الشعب السعودي، من خلال النفقات الكبيرة، واستطاعت الحصول على دعم المؤسسة الدينية الوهابية، من خلال الحفاظ على النمط الاجتماعي، ومنع التغيرات إلا في الحد الأدنى، إلا أن انخفاض أسعار النفط يعني عدم استمرار المملكة في شراء الأصدقاء والتخلص من الأعداء".
ويفيد أندروز بأن "محمد بن سلمان يعترف بضرورة التغيير، حيث تراجع الاحتياط السعودي، وتضاعف عدد السعوديين في الثلاثين سنة الماضية، وهم يريدون مزيدا من الحرية ووظائف خارج القطاع النفطي، ولمواجهة المشكلة فإن الأمير اقترح رؤية 2030، وهي خطة جريئة لكنها ليست عملية لتنويع اقتصاد البلاد، وتخصيص جزء من شركة النفط (أرامكو)، وتوسيع القطاع الخاص، ويخطط الأمير لإنشاء منتجعات للهو والترفيه تنافس ما لدى دبي".
ويعلق الكاتب قائلا إن "الأمير الذي يواجه تحديات خارجية وداخلية، خاصة أن الكثير من الأمراء يشعرون بالسخط لصعوده السريع، بحاجة إلى إثبات أن لديه النضج والخبرة للقيادة، وقد يجد مساعدة من مصدر غير متوقع، ففي نهاية تموز/ يوليو قام مقتدى الصدر بزيارة جدة، وهي ثاني زيارة له إلى السعودية منذ عام 2006، وقام رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بزيارة للسعودية بداية العام الحالي، وتبعتها زيارة لوزيري الخارجية والنفط السعوديين للعراق".
ويذهب أندروز إلى أن "زيارات الوفود السعودية والعراقية المتبادلة تشير إلى أن كلا البلدين يقومان بتطوير علاقات تجر المنفعة عليهما، فعلاقات قوية مع السعودية تجعل القادة العراقيين يقومون بتحرير أنفسهم من التأثير الإيراني، وكذلك استخدام النفوذ السياسي السعودي على سنة العراق، وتأمين الدعم السعودي لإعادة بناء الموصل، التي تم طرد تنظيم الدولة منها".
ويقول الكاتب إن "المملكة ستستفيد من هزيمة تنظيم الدولة في العراق، خاصة أنه معاد لآل سعود، ويمكنها أيضا استخدام العلاقة الجديدة مع العراق لتهدئة المنطقة الشرقية، التي يعيش فيها الشيعة، ويمكن لمحمد بن سلمان أن يقدم نفسه على أنه مفكر استراتيجي قادر على رأب الخلافات العربية، والحد من النفوذ الإيراني في المنطقة".
ويرى أندروز أنه "لا يزال غير واضح مصير الحرب في اليمن ومتى تنتهي، وفيما إن استمرت كل من إيران وتركيا في دعمها لقطر وتقويض الحصار المفروض عليها، وفيما إذا أذعنت الدوحة لمطالب الدول المحاصرة، خاصة إغلاق قناة (الجزيرة)".
ويخلص الكاتب إلى القول إن "أيا من هذه التطورات لن يحصل قريبا، وفي الوقت الحالي على الأمير التعلم ليحد من تهوره، وكما يقول المثل العربي (الصبر مفتاح الفرج)".