تحولت إحدى قرى محافظة "قنا" في صعيد
مصر إلى ساحة حرب مساء الجمعة الماضية، بعدما دارت معركة بالأسلحة الآلية راح ضحيتها 14 قتيلا و17 مصابا؛ على خلفية تجدد خصومة ثأرية بين عائلتي "الطوايل" و"الغنايم" تعود إلى عام 2004.
وبحسب صحف محلية، فإن اشتعال المعركة هو الخلاف على "نصف جنيه" من ثمن بطاقة لشحن الهاتف المحمول، فإن أطراف المعركة استخدموا في القتال أسلحة آلية وأسلحة ثقيلة مثل مدافع الجرينوف.
وعلى الرغم من أن الاشتباكات الناتجة عن خصومات ثأرية تعد أمرا شائعا في محافظات
الصعيد، إلا أن الحادث الأخير كشف عن تحول في تحدي القيم الاجتماعية وانتهاك محرمات وعادات متوارثة منذ مئات السنين، مع مقتل عدد كبير من الأفراد، من بينهم أطفال ونساء، وإطلاق النار على الجنازات، وإغلاق للمساجد.
تجاوز الخطوط الحمراء
وبحسب تقارير صحفية، فقد قتلت سيدتان بإطلاق النار عليهما مباشرة، وأغلقت ستة مساجد بعد التهديد بإطلاق النار على من يقترب منها، كما منعت سيارات الإسعاف من الدخول لنقل القتلى والجرحى. كما أُطلقت النار على جنازة أحد الضحايا، وهو ما يعد خروجا واضحا عن تقاليد الصعيد الراسخة، والتي تُعتبر خطا أحمر يحترمه الجميع ولا يقترب منه أحد.
وبعد ما يقرب من عشر ساعات من تبادل إطلاق النار تدخل الأجهزة الأمنية للسيطرة على الاشتباكات وضبط بعض أطراف المشاجرة، لتحيل المشكلة إلى لجنة المصالحات بالمحافظة، بالتعاون مع الجهات المعنية.
انفتاح سيئ
وقالت أستاذة علم الاجتماع هدى زكريا؛ إن حوادث
الثأر ما زالت مستمرة في المجتمع المصري، خاصة في المناطق التي ينتشر فيها الجهل والتعصب مثل صعيد مصر.
وأوضحت زكريا، في حديث لـ"عربي21"، أن مشاكل الثأر سببها العادات الموروثة في المجتمعات القبلية، مشيرة إلى أنه كثيرا ما تندلع الاشتباكات بسبب "أمور تافهة". واعتبرت أنه قبل عام 2011 كانت تلك المشكلات تنتهي بجلسات عرفية برعاية الأمن، لكن بعد ثورة كانون الثاني/ يناير 2011 عادت من جديد بسبب ضعف التواجد الأمني، وفق تقديرها.
ورأت "أن السنوات الأخيرة شهدت أيضا تغير مفاهيم أفراد المجتمع الصعيدي وبُعده عن العادات الحسنة" بسبب الانفتاح على أهل المدن، حيث أصبح الهاتف المحمول في متناول الجميع ويتم استخدامه استخداما سيئا، مثل انتهاك حرمات الناس وتداول المشاهد العنيفة والترويج للبلطجة والعنف كحل للمشكلات، الأمر الذي أكسبهم صفات سلبية وساعد في انهيار قيم مجتمعية عديدة وتأجيج دعوات الثأر".
تقصير أمني واضح
من جانبه، حمّل أستاذ علم الاجتماع السياسي محمد السعيد؛ مشكلة الثأر في الأساس إلى ضعف القبضة الأمنية، مؤكدا أن "عدم سيطرة الشرطة بشكل كامل على قرى الصعيد، جعل كميات كبيرة من الأسلحة متاحة لمتناول الأهالي ليتعاركوا بها في الشوارع مع أي مشكلة تنشب بينهم".
وأضاف السعيد لـ"عربي21": "لو بحثنا عن كيفية دخول هذه الأسلحة إلى الصعيد؛ سنجد أنها مهربة من خارج البلاد، ما يؤكد وجود تقصير أمني واضح".
وتابع: "بالقطع هناك جوانب اجتماعية ونفسية أيضا لهذه الأزمة، ففكرة الثأر ما زالت منتشرة ومؤثرة بشدة على الأهالي في صعيد مصر حتى الآن، كما أصبحت منتشرة في مناطق أخرى بالمجتمع المصري كله، لكنها أكثر وضوحا في الصعيد بسبب الغياب شبه الكامل للأمن هناك"، وفق قوله.
وأوضح أن بعض الخلافات في الصعيد يستخدم فيها الأسلحة الآلية، وتخشى الشرطة التدخل فيها إلا بعد مرور ساعات طويلة، على عكس محافظات الوجه البحري التي يستخدم أفرادها الأسلحة البيضاء غالبا في المشاجرات ويتواجد الأمن بسرعة لفضها، كما قال.
مطالبات بتطبيق الشريعة
وفي سياق ذي صلة، أكد عدد من نواب البرلمان وجود تغير واضح في الثقافة والسلوكيات المصرية في السنوات الأخيرة، وطالبوا بضرورة تطبيق القانون على جميع الأشخاص للحد من هذا "التدهور الأخلاقي".
وفي هذا الإطار، اتهم النائب عفيفي كامل؛ القضاة بالمسؤولية عن انتشار ظاهرة الثأر في الصعيد. وأكد أن التشريعات القانونية موجودة، لكنها تحتاج فقط إلى التطبيق السليم.
واعتبر في تصريحات لقناة "صدي البلد"، يوم الأربعاء الماضي، أن "بعض القضاة لا يتعاملون مع حوادث الثأر بالحزم اللازم، حيث يخففون العقوبات في كثير من القضايا باعتبارها عادات مترسخة ومنتشرة في الصعيد"، وفق قوله.
من جانبه، طالب النائب خالد حنفي؛ بـ"تطبيق شرع الله في قضايا
القتل مع سبق الإصرار، عبر القصاص من القاتل وإنزال عقوبة الإعدام عليه"، مؤكدا أن هذا الأمر سيردع من يتجرأ على القتل ويساهم في الحد من انتشار ظاهرة الثأر.
كما طالب أستاذ الاجتماع سيد عوض؛ بتعديل القانون بشكل عاجل، لجعل عقوبة القتل هي قتل القاتل "بشكل شرعي على يد السلطة في ميدان عام، بحضور أسرة المجني عليه، ليكون بديلا عن الثأر".