شهدت بعض العواصم الأوروبية خلال الفترة الماضية
هجمات متتالية من قبل
تنظيم الدولة، كان أبرزها حادث الدهس بمدينة برشلونة الإسبانية في 17 أب/ أغسطس الجاري، والذي أسفر عن مقتل وإصابة عدد كبير من السياح.
ويأتي الاتجاه المتصاعد لهذه الهجمات في إطار فقدان التنظيم مساحات واسعة من المناطق التي كان يسيطر عليها بالعراق وسوريا، فضلا عن مقتل عدد كبير من قياداته العليا، مما دفعه نحو التحول لتوسيع نطاق عملياته في مناطق أخرى بالعالم، ولاسيما بالقارة الأوروبية.
وأكدت دراسة حديثة أعدها مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أن تنفيذ تنظيم الدولة بعض العمليات الإرهابية بأوروبا يأتي انعكاسًا لتمكنه من تطوير شبكات تجنيد وتمويل قوية تابعة له في
أوروبا تشمل عددا كبيرا من المقاتلين الأوروبيين المحتملين الذين انخرطوا، حسب اتجاهات عديدة، في معارك التنظيم بمناطق الصراع في العراق وسوريا، واعتماده في الوقت نفسه على أساليب هجومية غير معقدة كالدهس أو الطعن فيما يعرف بـ"عمليات الذئاب المنفردة"، وهذه الطريقة من البساطة في التنفيذ بما لا يثير انتباه السلطات الأمنية الأوروبية كما لا تحتاج أموالا كبيرة لارتكابها.
ومع استمرار التنظيم في ارتكاب تلك العمليات، فإن ذلك معناه أن الاقتصادات الأوروبية ستتكبد تكاليف باهظة لاعتبارات عديدة: يتمثل أولها، في ارتفاع مستويات الاستعداد الأمني لمواجهة تنظيم الدولة والذي سينعكس في زيادة الإنفاق الأمني. وينصرف ثانيها، إلى الأضرار المادية والبشرية التي ستتحملها الحكومات.
ويتعلق ثالثها، بالتراجع المحتمل الذي سيصيب القطاع السياحي في كثير من تلك الدول. ومحصلة هذه التكاليف معا تعني أن المخاطر الجيوسياسية ستعرِّض الاقتصادات الأوروبية لضغوط إضافية في الفترة المقبلة، ولاسيما في حال تصاعد عمليات الدولة في أوروبا.
ارتباط مباشر
يرتبط تطور تهديد التنظيم للقارة الأوروبية في الآونة الأخيرة، بالهزائم التي تعرض لها التنظيم في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا منذ أواخر عام 2016. وقد أدت هذه الهزائم إلى فقدان تنظيم الدولة مساحات واسعة من الأراضي التي كان يسيطر عليها في العراق وسوريا، وبما أضعف من الثقل المالي والعسكري للتنظيم. وفقد التنظيم أيضًا أبرز قياداته العليا، ولم يعد بمقدوره تجنيد مزيد من المقاتلين الأجانب كما كان عليه الحال في السابق.
وهذه الاعتبارات السابقة دفعت تنظيم الدولة إلى التحول نحو توسيع نطاق عملياته في العالم وأوروبا على الأخص، معتمدا على آليات مختلفة في التمويل والتنفيذ والتجنيد. وفي هذه الأثناء أيضا، كثيرا ما كان يدعو التنظيم لشن هجمات ضد أهداف اقتصادية ومدنية وعسكرية في أوروبا.
وتعرضت بعض العواصم الأوروبية لعدد كبير من الهجمات الإرهابية، ووفق إحصاءات الشرطة الأوروبية فقد نفذ التنظيم 6 هجمات إرهابية من مجموع 13 هجوما تعرضت له أوروبا في عام 2016.
تداعيات محتملة
من المحتمل أن تكبد الحوادث الإرهابية الاقتصادات الأوروبية مجموعة من التكاليف الكبيرة، حيث خلفت هذه الأحداث أضراراً مادية مباشرة بعد استهداف منشآت البنية التحتية الأوروبية، يضاف إليها تكاليف التعويضات التي تدفعها الحكومات.
وقدر نائب رئيس الوزراء البلجيكي كريس بيترز، في تشرين الأول/ أكتوبر 2016، التكلفة الإجمالية لهجمات بروكسل بنحو 379.3 مليون دولار، تشمل تعويضات للضحايا وتعويضات عن الأضرار المادية التي شملت مطار بروكسل ومحطة مترو مالبيك، مع الأخذ في الاعتبار
الخسائر المادية الباهظة التي أصابت القطاع السياحي في بروكسل.
ويكشف تكرار العمليات الإرهابية التي ينفذها تنظيم الدولة في أوروبا عن عدم كفاية التمويل المخصص للسلطات الأمنية وأجهزة الاستخبارات فضلا عن انتشار السوق السوداء في تجارة السلاح. ولذا خصصت بلجيكا في أعقاب أحداث آذار/مارس 2016 نحو 450 مليون دولار إضافية لتطوير قدراتها الأمنية على المستويين البشري والتكنولوجي. ويرجح أن كثيرا من الدول الأوروبية ستجري تغييرات كبيرة لتطوير منظومتها الأمنية بهدف رفع مستوى فعاليتها في مواجهة تنظيم الدولة، كما تشارك كثير من تلك الدول بالفعل مع قوات التحالف الدولي في محاربة "داعش" داخل كل من العراق وسوريا.
خسائر السياحة
يعد قطاع السياحة أكبر الخاسرين من تلك العمليات الإرهابية، حيث تسببت في انخفاض تعداد السياح في كثير من الدول الأوروبية، نتيجة المخاوف الأمنية التي باتت أكثر تهديدا للقطاع مقارنة بأي وقت مضى. وفي فرنسا على سبيل المثال، فقد سوق السياحة نحو 1.5 مليون سائح في عام 2016 نتيجة الهجمات التي شنها تنظيم الدولة في هذا العام، وبما تسبب أيضا في خسائر في العوائد تقدر بنحو 1.5 مليار دولار في العام نفسه، يضاف إليها خسائر أخرى بنحو 2.3 مليار دولار في عام 2015.