منذ قيامه بانقلاب تموز/ يوليو 2013، لم يتوقف نظام عبد الفتاح السيسي عن إدخال التعديلات على النظام القضائي المصري المستقر من عقود طويلة، بهدف التنكيل بمعارضيه السياسيين.
وبدأت هذه التعديلات بمنح القضاء حق تجديد حبس المتهمين احتياطيا لمدة تزيد عن عامين، مرورا بإطلاق يد القضاء العسكري في محاكمة المدنيين، وتخصيص دوائر قضائية محدودة لمحاكمة المتهمين في قضايا الإرهاب يتدخل النظام في اختيار قضاتها، واقتراح تعديلات على قانون الإجراءات الجنائية لجعل إجراءات التقاضي على درجتين فقط.
لكن أحدث هذه التعديلات وأغربها هو محاكمة معارضي النظام عن بعد، من داخل محبسهم، عبر تقنية "الفيديو كونفرانس"، الأمر الذي يعصف بحقوق المتهمين ويزيد من القمع والتنكيل الذي يتعرضون له، بحسب حقوقيين.
وكشفت صحيفة "اليوم السابع" الخميس الماضي؛ أن قانون الإجراءات الجديد الذي تقدمت به الحكومة مؤخرا، ويناقشه مجلس النواب خلال أيام، يتضمن تطبيق نظام المحاكمات عن بعد عبر تقنية "الفيديو كونفرانس"، موضحة أن الحكومة لجأت إلى إقرار هذا النظام خشية وقوع إضرابات من جانب قوات الشرطة أو صعوبة نقل المعتقلين من أماكن احتجازهم إلى مقر المحاكمة.
ونص القانون المقترح على أنه يجوز لجهة التحقيق والمحكمة المختصة جعل إجراءات التحقيق أو المحاكمة عن بعد مع المتهمين أو الشهود أو المجني عليهم أو الخبراء أو المدعى بالحقوق المدنية، متى ارتأت القيام بذلك، كما يجوز لها اتخاذ تلك الإجراءات فيما يتعلق بالنظر في أمر مد الحبس الاحتياطي والتدابير والإفراج المؤقت واستئناف أوامرها، ولها أن تقرر منع الكشف عن الشخصية الحقيقة للشهود بكافة وسائل وتقنيات الاتصال الحديثة المسموعة والمرئية المناسبة؛ أثناء الإدلاء بأقوالهم عن بعد مع المراعاة.
"عدالة ناجزة"
وفي هذا السياق، اعتبر النائب خالد حنفي عضو اللجنة التشريعية بالبرلمان، أن المحاكمة عن بعد فكرة جديدة ستحقق العدالة الناجزة في البلاد وتسرع وتيرة المحاكمات الجنائية عبر إجراءات وأفكار غير تقليدية.
وأضاف حنفي، في تصريحات صحفية، أن هذا النظام سيتيح للقضاة التغلب على صعوبات إجرائية عديدة ظهرت خلال السنوات الأخيرة وأدت إلى إصدار أحكام غيابية أو تأجيل القضايا لفترات طويلة بسبب ظروف المكان أو صعوبة نقل المتهمين، مشددا على ضرورة توفير الاعتمادات المالية والتقنيات اللازمة لتفعيل نظام "الفيديو كونفرانس".
وأوضح أن المحكمة يمكن أن تلجأ لهذا النوع من المحاكمات لعدة أسباب منها إمكانية حدوث اضطرابات عنيفة في قاعة المحكمة، أو نظرا لصعوبة نقل المتهمين، أو التخوف من تهريبهم أو الاعتداء عليهم، أو حدوث إيذاء معنوي لفئات معينة مثل النساء أو الأطفال، كما قال.
تستر على فضائح النظام
من جهته، أكد المحامي الحقوقي إسلام مصطفى؛ أن محاكمة المعتقلين عبر تقنية "الفيديو كونفرانس" هي فكرة غير قانونية من الأساس، وتهدر حقوق المتهمين في الدفاع عن أنفسهم أمام هيئة المحكمة.
وأضاف مصطفى، في حديث لـ"عربي21"، أن "النظام يريد تطبيق هذه الطريقة لعدم فضح ممارساته القمعية بحق المعتقلين أمام القضاء والرأي العام، بعد أن شاهد العالم المحاكمات الهزلية التي تفتقر إلى أدنى معايير العدالة"، مشيرا إلى أن هناك المئات من المتهمين الذين يتم تحويلهم للمحاكمة وتمت تبرئهم.
وأوضح مصطفى أن هذه المحاكمات ستمثل "تنكيلا جديدا بالمتهمين ومنعهم من ممارسة حقوقهم القانونية، يضاف إلى عمليات التعذيب الجماعي التي تحدث في السجون ضد المعتقلين، والبعض يتم حبسهم انفراديا داخل زنازين ليس فيها تهوية"، مشيرا إلى أن هناك قيادات إخوانية تعاني من أمراض خطيرة ومزمنة مثل السرطان؛ الذي يعاني منه مرشد الإخوان المسلمين السابق محمد مهدي عاكف؛ "ولا يهتم به أحد لأن التعذيب الممنهج ضد أعضاء الجماعة داخل السجون أصبح هو السمة السائدة الآن"، كما قال.
استمرار للتنكيل بالمعتقلين
من جانبها، أكدت الناشطة والمحامية الحقوقية دعاء عباس؛ أنه لا توجد دولة في العالم كله تمنع المتهمين من الوقوف أمام قاضيهم الطبيعي، مشددة على أن نظام "الفيديو كونفرانس" ليس قانونيا أو دستوريا.
وأشارت عباس إلى أن "الفيديو كونفرانس" يمثل "استمرارا لقمع المعتقلين والتنكيل بهم، حيث يحرم المتهمون من التواصل الطبيعي مع باقي أطراف المحاكمة من قضاة ونيابة ومحامين وشهود"، متسائلة: "كيف سيتحدث المتهم مع القاضي أو المحامي الخاص به إذا كانت المحاكمة تتم عبر الفيديو كونفرانس؟".
وقالت لـ"عربي21"؛ إنه من الممكن أن تكون الأجهزة الأمنية قد فكرت في هذه الطريقة لتوفير نفقات حراسة ونقل المتهمين من السجن للمحكمة، لافتة إلى أن "النظام لم يعد يهتم بحقوق آلاف المعتقلين، ويسيء معاملتهم، بدءا من منع الزيارات العائلية عنهم، وحتى الضرب والتعذيب في بعض السجون، بالإضافة للإصابة بالأمراض المزمنة بسبب ظروف احتجازهم غير الآدمية"، على حد وصفها.