باءت جميع محاولات قائد الانقلاب عبد الفتاح
السيسي، لإعادة السياح الروس لمصر، بالفشل، بعد حادث تفجير الطائرة الروسية فوق شبه جزيرة سيناء قبل نحو عامين، ومقتل جميع ركابها البالغ عددهم 224 شخصا.
وكانت آخر محاولة عندما التقى السيسي بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على هامش اجتماع دول "البريكس" بمدينة شيامين الصينية، الاثنين الماضي، حيث أعاد عليه رغبته الشديدة في استئناف الرحلات الجوية الروسية إلى
مصر، وهو ما قابله بوتين بالرفض بأسلوب ديبلوماسي، بالقول بأنه يأمل في ذلك قريبا.
وسبق أن كرر بوتين نفس الرد على السيسي في أكثر من مناسبة، وخلال أحاديث هاتفية، كان آخرها في كانون الأول/ ديسمبر العام الماضي.
ويأتي طلب السيسي الأخير؛ بعد نحو أقل من أسبوعين على زيارة وزير خارجيته سامح شكري إلى موسكو، وإثارة مسألة استئناف الرحلات الروسية إلى مصر، حيث تلقى نفس الرد. ومن المعروف أن قرار عودة السياح الروس إلى مصر مرهون بقرار من بوتين.
ويرى عدد من المحللين والسياسين أن إصرار الجانب الروسي على رفض إعادة السياح الروس إلى مصر يثير العديد من التكهنات، يتعلق بعضها بجوانب سياسية وأمنية وأخرى اقتصادية.
السيسي واللعب على الحبال
وفي هذا الصدد انتقد مدرس الاقتصاد بجامعة أوكلاند الأمريكية، مصطفى شاهين، سياسة السيسي الدولية قائلا: "السيسي يلعب لعبة أكبر منه، فهو يتوهم أنه بإمكانه جمع القوى الكبرى في صفه، وفي السياسة لا يمكن تجميع كل اللاعبين مع بعض، هو باختصار يريد أن يلعب على جميع الأحبال، فلا يثق به أحد".
وأضاف لـ"
عربي21": "إلحاح السيسي على عودة السياح الروس؛ هو رسالة لبوتين وروسيا أنه يريدهم بأي ثمن، ولكن ما يحدث أن
روسيا تنبذه تارة، وأمريكا تلفظه تارة أخرى بعد أن رشحت معلومات بأن هناك تعاونا بين النظام في مصر وبين كوريا الشمالية، وهذا أمر مرفوض لواشنظن، وهو ما يفسر قطع المعونات الاقتصادية الأخيرة".
وأكد أن "لسان حال روسيا اليوم للسيسي: إذا أردت السياح الروس فما المقابل الذي ستدفعه؟"، لافتا إلى أن "روسيا اليوم غير روسيا الأمس، فهي بصدد بناء تحالفات جديدة في المنطقة، والتمدد مرة أخرى في الشرق الأوسط بما يضمن مصالحها".
وفيما يتعلق بتخوفات روسيا الأمنية، قال شاهين: "بدون أدنى شك، هناك تخوف أمني؛ فمصر بلد مخترق. فحتى اللحظة لم نستطع الإجابة على الأحداث التي وقعت في مصر كتفجير الكنائس، والطائرة الروسية، وغيرها من الأحداث، وربما لدى المخابرات المصرية والروسية من المعلومات ما لا نعرفه"، وفق تقديره.
هيمنة بوتين وتضرع السيسي
وأرجع المحلل السياسي خالد الأصور؛ رغبة السيسي الملحة في عودة السياح الروس إلى مصر ومراوغة بوتين، إلى "حاجة السيسي إلى تحقيق أرقام، وبروباجاندا بعودة
السياحة الروسية الكبيرة"، مضيفا: "مراوغة بوتين في هذا الموضوع؛ هي محاولة لممارسة مزيد من الابتزاز لمصر، وحلب الضرع الفقيرة أصلا عبر مشروع الضبعة، وصفقات سلاح جديدة، وتوغل أكثر في الشأن المصري سياسيا واقتصاديا"، هذا فضلا "عن رغبة بوتين في تسخير الدور المصري لخدمة الأجندة الروسية في العديد من الملفات المتفجرة في المنطقة ولا سيما الملف السوري"، وفق قوله لـ"
عربي21".
وفيما يتعلق بحقيقة حجم السياحة الروسية في مصر، قال: "السياحة الروسية كما يعرف العاملون في النشاط السياحي إن كانت كبيرة كما وعددا فهي ضعيفة كيفا، بمعنى أن معدل الإنفاق السياحي للروس هو الأقل، ولا يقارن مثلا بالسياح العرب. فالسياح الروس أقرب في شح إنفاقهم من السائح الإسرائيلي"، بحسب تعبيره.
السيسي في حضن أمريكا
من جهته؛ قال المحلل السياسي سيد أمين؛ إن "بوتين يعمل مع من يدفع، والسيسي يعمل لمن يدفع، وبالتالي فإن عمل الاثنين معا أمر صعب، لا سيما لو كان بدون مقابل".
وأضاف لـ"
عربي21": "محاولات السيسي في الظهور بدور الباحث عن حليف غربي أو شرقي كبير؛ ليرمي مصر في أحضانه لم يعد يصدقها الروس، وربما لم يصدقوها أصلا من قبل، لعلمهم أن مصر محجوزة دائما لأمريكا، وأنها صاحبة القرار ليس الأول بل الوحيد فيها"، كما قال.
ولفت إلى أن "الروس الآن في مواجهة شبه باردة مع أمريكا، وبالتالي هم ليسوا في فسحة من الوقت ليقبلوا أن يمثل عليهم السيسي دور الساعي إلى حليف بينما يدركون تماما أنه صنيعة أمريكية، وأنه لا يتحرك خطوة بدونهم، ولا يستطيع حتى أن يفعل غير ذلك"، بسحب وفق قوله.