أثارت فتوي
وزير الأوقاف بحكومة
الانقلاب العسكري في
مصر، مختار جمعة، ردود فعل غاضبة، ومخاوف بشأن ما تخطط له سلطات الانقلاب بحق
المساجد الصغيرة المنتشرة في البلاد.
وأثناء لقائه الجمعة، بأئمة ودعاة محافظة الشرقية (شمال القاهرة)، قال الوزير، إنه لا حاجة لبناء زوايا جديدة، مضيفا أن "كثرة بناء الزوايا وتعددها ليس من الدين ولا الوطنية، كما أنها تفرق ولا تجمع وأداة لنشر الأفكار المتطرفة".
وأعلن جمعة، أن الزوايا الموجودة حاليا سيقتصر دورها على أداء الصلوات فقط، أما الدروس الدينية، وتحفيظ القران يقتصر على المسجد الجامع.
وقرر الوزير حظر بناء المساجد بجميع أنحاء الجمهورية إلا بعد استخراج تصريح رسمي من وزارة الأوقاف والمحليات.
حرب الانقلاب
وإثر الانقلاب العسكري منتصف 2013، شنت السلطات حربا على الدعوة الإسلامية بالمساجد وعزلت المئات من الأئمة وأغلقت الزوايا الصغيرة.
وبعد شهرين من الانقلاب تم إلغاء الصلاة في أكثر من 20 ألف زاوية، وتم سحب مساجد الدعوة السلفية وضمها للأوقاف وكذلك مساجد الجمعية الشرعية ومنع كل خطبائها، فيما اعتبره كثيرون وقتها أنها "قرارات أمنية".
وفي 8 أيلول/سبتمبر 2013، قرر الوزير، حصر صلاة الجمعة في المسجد الجامع ومنعها نهائيا بالزوايا التي تقل مساحتها عن 80 مترا.
وفي 7 أيار/مايو 2016، أعلن جمعة، أنه لا اعتكاف في رمضان إلا بالمساجد الجامعة والرئيسية بالمحافظات ومنعه بالزوايا والمساجد الصغيرة.
وفي 4 كانون الثاني/يناير الماضي، استعرض جمعة، قانون "الخطابة الجديد"، أمام البرلمان، مؤكدا أنه حاسم وسيغلق منابع التطرف، وينص على أن صلاة الجمعة لا تنعقد إلا بالمسجد الجامع ولا يجوز عقدها فى الزوايا.
وفي 19 حزيران/يونيو الماضي، اتهم جمعة، بحوار لوكالة "أنباء الشرق الأوسط"، خطباء وأئمة الزوايا بأنهم "لصوص" بحجة أنهم يخطبون في مكان غير مسموح الخطابة به، وبدون ترخيص من الوزارة.
وفي 23 حزيران/يونيو الماضي، أفتى وزير الأوقاف بأن صلاة العيد لا تتحقق ولا تصح بالطرقات ولا الزوايا ولا المصليات، وأن الأوقاف الجهة المختصة قررت قصر الصلاة على الساحات والمساجد الجامعة التي حددتها.
سجن دمياط وكنائس المنيا
فتوى الوزير بحرمة بناء الزوايا؛ تتزامن مع إعلان محافظ دمياط، إسماعيل عبد الحميد، عن موافقة حكومة الانقلاب، على تخصيص قطعة أرض بمساحة 6.56 فدان من أراضي الدولة لصالح وزارة الداخلية؛ لبناء سجن دمياط التي لا يوجد بها سجن مركزي.
كما تتزامن الفتوى مع ما نقلته صحيفة "المصري اليوم"، الجمعة، عن مصادر كنسية مطلعة أن "هناك رغبة سياسية على أعلى مستوى لحل المشاكل العالقة"، وأن هناك انفراجه بأزمة الكنائس المغلقة بالمنيا (17 كنيسة غير مرخصة)، وآخرها أزمة كنيسة "العذراء" التي تم تحويلها من بيت سكني لدار عبادة، الشهر الماضي.
انقلاب على الهوية
وانتقد أستاذ الفقه وأصوله والسياسة الشرعية بجامعة المدينة سابقا، عطية عدلان، حديث وزير أوقاف الانقلاب، بقوله "هذه الفتوى من وزير الأوقاف ليست مجرد فتوى؛ لأنه رجل تنفيذي يتكلم فيما هو من اختصاصه تنفيذيا"، مضيفا "ولذلك كلامه غاية الخطورة".
وأعلن عدلان عن مخاوفه من تصريحات الوزير، وأكد في حديثه لـ
"عربي 21"، أن "هذا الحديث يعني أن هناك قرارات سوف تتخذها سلطات الانقلاب، إن لم تكن قد اتُخذت بالفعل".
وعن ماهية تلك القرارات، أوضح عدلان أنها "تأتي في إطار تقييد الوجود الإسلامي في بلد إسلامي"، مضيفا أن "ما يقوله ويفعله هذا الوزير (الغريب) يأتي في إطار الانقلاب على هوية البلاد ودينها".
وحول شرعية الفتوى، أكد المفكر والأكاديمي المصري، أنه "لا يوجد في الفقه الإسلامي ما يدل على صحة هذه الدعوى الغريبة"، موضحا "إنما الموجود هو في حدود صلاة الجمعة فقط، هل تصلى في المسجد الجامع فقط أم في سائر المساجد؟".
هدف الانقلاب
وفي تعليقه على فتوى الأوقاف، قال الأستاذ المساعد بجامعة السلطان الشريف علي الإسلامية، بماليزيا، ياسر محمد، أن "هؤلاء يفعلون ما يُرضي اليهود والنصارى، ولا يُرضي المسلمين"، مضيفا أن "هذا هو ديدنهم حتى في قضايا المسلمين؛ فيغضبون لكل ما هو غير إسلامي ويصمتون عن أزمات المسلمين".
وأكد محمد، في حديثه لـ
"عربي 21"، أن تأثير مثل تلك القرارات على الدعوة الإسلامية ومستقبل النشأ المسلم؛ كبير في المستوى البعيد، مشيرا إلى أن "النتائج ستكون مزرية؛ ويزيد من خطورة الأمر ضعف المسلمين وتراجع دور علمائهم"، مطالبا علماء الأمة بـ"عدم الخور والجبن بمقابل مثل تلك القرارات".
وأوضح الأكاديمي المصري، أن "السكوت على تحجيم وزير الأوقاف لدور المساجد الصغيرة، حيث لا صلاة جمعة ولا جماعة ولا تراويح ولا تهجد ولا اعتكاف ولا صلاة عيد، ولا تحفيظ قرآن؛ سيعزل جيل الأطفال عن المسجد القريب لهم"، متوقعا أن "يكون ذلك هو هدف الانقلاب الأول".