أقدمت بعض الحركات الإسلامية السياسية والجهادية، في غمرة خوضها للعمل السياسي بكل تعقيداته وتداخلاته على التحالف مع دول عربية وإسلامية، لتأمين ما تحتاجه من أشكال الدعم المختلفة التي تمكنها من استمرارية وجودها الفاعل والمؤثر.
لكن تلك الحركات غالبا ما تجد نفسها عند منعطفات واقعية حادة، أمام معضلة إقامة التوازن بين إكراهات الواقع وضروراته، وبين المحافظة على استقلالية السياسات والقرارات، وهو ما يتكرر بصورة لافتة في ذلك النسق من العلاقات بين تلك الدول والحركات.
فكيف تعاطت تلك الحركات مع ذلك النسق من العلاقات؟ وهل كان بوسعها إدارتها بطريقة تحفظ لها استقلالية سياساتها وقرارتها، أم إنها وجدت ـ وتجد ـ نفسها مضطرة لقبول إملاءات تلك الدول بحكم الضرورة أم أدارت ظهرها لها، لتبحث من جديد عن مصادر أخرى؟.
وفقا للكاتب والباحث السياسي الفلسطيني، عدنان أبو عامر فإن تحالف الحركات الإسلامية مع دول مختلفة، لا يندرج بالضرورة تحت عنوان الاضطرار، لأن يجدر بها في ممارستها للعمل السياسي أن تتمتع بمرونة عالية، وهوامش واسعة تمكنها من إقامة علاقات سياسية ودبلوماسية، لخدمة الصالح العام.
وقال أبو عامر لـ"
عربي21": إن ممارسة الحركات الإسلامية للعمل السياسي، لا يعني بالضرورة أن تتخلى عن هويتها أو أيدلوجيتها تحت ضغط الواقع السياسي، واضطرارها لنسج علاقات معينة، لأنها تجد نفسها مضطرة لإقامة ذلك اللون من العلاقات وفقا للتقديرات المصلحية، في ظل معطيات الواقع وظروفه.
ومثّل أبو عامر لذلك بحركة
حماس في قطاع غزة، التي تجد نفسها مضطرة لترميم علاقاتها مع مصر، مع وجود اختلافات جوهرية مع النظام هناك، لكنها تسعى بذلك إلى تخفيف وطأة الحصار عن أهل غزة، وكذلك الحال في علاقاتها مع
إيران.
وردا على سؤال: كيف تتمكن الحركات الإسلامية من إحداث التوازن بين إكراهات الواقع وبين المحافظة على استقلالية سياساتها وقراراتها؟ أجاب أبو عامر "التوازن أحد مفردات العمل السياسي، وكما يقول علماء الشرع: ما لا يدرك كله لا يترك جله".
وتابع: "لعلنا في السنوات الأخيرة تجاوزنا كثيرا من الأدبيات التي كانت سائدة من قبل في أوساط تلك الحركات، كالسياسات المستقلة، والقرار المستقل وما إلى ذلك، إذ لم تعد الحركات السياسية ومنها الإسلامية بمنأى عن التأثر بما يجري من حولها".
ولفت أستاذ العلوم السياسية إلى أن بعض الحركات الإسلامية تجد نفسها في بعض الأحيان مضطرة لتأييد موقف سياسي ما، أو السكوت عن موقف سياسي آخر، وقد يكون دفعا لمفسدة أكبر، أو محاباة لنظام سياسي ما، تقديرا منها للمصالح والمفاسد بحسب قراءتها ورؤيتها.
وأشار أبو عامر إلى أنه لا يرى حدا فاصلا إلزاميا بين إكراهات الواقع وضروراته وبين محافظة الحركات الإسلامية على استقلالية سياساتها وقراراتها، والأهم من ذلك كله أن تتمتع بمرونة عالية، لتتمكن من استثمار الهوامش المتاحة على ضيقها للتحرك في تلك الفضاءات بما يخدم الصالح العام، ويحقق بعض أهدافها ومقاصدها.
من جهته، انتقد الباحث المصري في العلاقات الدولية، محمد حامد الحركات الإسلامية سواء منها السياسية أو العسكرية، بأنها "تفتقر إلى حنكة رجال الدولة والسياسة، وأنها تتحرك بمنظور ضيق ومحدود انطلاقا من منطلقاتها الفكرية.
وأضاف في حديثه لـ"
عربي21": ونتيجة لذلك فغالبا ما تكون بوصلتها خاطئة، ورؤيتها غير صائبة، مثل خيارات حماس بعد تولي محمد مرسي السلطة في مصر، وانفصالها عن حزب الله وسوريا وإيران".
ووصف حامد "الجماعات والفصائل المسلحة السورية بالفاقدة لاستقلاليتها"، و"تتلاعب بها
قطر وتركيا تارة، والسعودية تارة أخرى، وروسيا مرات ومرات" على حد قوله.
وجوابا عن سؤال: هل نجحت تلك الحركات في المحافظة على قدر معقول من استقلالية سياساتها وقراراتها دون الخضوع الكامل لإملاءات الدول الداعمة؟ قال حامد "تلك استقلالية مزيفة، وإن وجدت فهامشها ضئيل جدا، فكافة الحركات تدور في فلك الدول الداعمة لها، وتتبع سياسة المحاور، فإذا ما تركت محورا ما فإنها سرعان ما تتجه لمحور آخر".
وطبقا للباحث في العلاقات الدولية حامد فإن "غالب تلك الحركات لم يستطع بناء سياسة إستراتيجية محددة، برؤية واضحة، لها صفة الديمومة، ما أوقعها في مشكلات عديدة".
بدوره رأى القيادي في جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، إبراهيم اليماني أنه "لا يمكن القول بوجود رأي واحد بشأن التعامل والتحالف بين مختلف الدول والحركات الإسلامية السياسية، في ظل الظروف الراهنة، والدولة القطرية العربية".
وقال اليماني لـ"
عربي21": ما تحاوله الحركات الإسلامية السياسية بصفة عامة هو الاستفادة من التوازنات السياسية القائمة، والمتغيرات في المنطقة والعالم" ذاكرا أنه "عمل جائز وهو من بديهيات العمل السياسي".
ولفت اليماني إلى أن "حركة الإخوان في
سوريا في مرحلة ما تحالفت مع النظام العراقي، مستغلة الصراع الذي كان قائما حينذاك بين النظامين السوري والعراقي". وهو ما أمن لها الملاذ الآمن، والدعم المطلوب وقتئذ.
واعتبر اليماني في رده على سؤال: ما مدى تأثير الدول الداعمة على استقلالية تلك الحركات؟ أن القضية تدور حول قراءة موازين القوى بشكل جيد، وعدم اتخاذ مواقف وقرارات قد تحرج الطرف المتحالف معك في مرحلة معينة من مراحل الصراع المؤقت، سواء أكان فكريا أم سياسيا".
وانتقد اليماني من يصدر حكما عاما على جميع الحركات الإسلامية من غير مراعاة الظروف الخاصة بكل دولة، واختلاف الواقع من مكان إلى آخر، وما يتولد عن ذلك من ضرورات وإكراهات، تتفاوت من موقع لآخر، وتقدر بقدرها وبحسبها.
وتابع "كل حركة إسلامية تعيش في مكان معين، هي التي تقدر الممكن والمتاح والمقدور عليه بحسب تقديراتها وإمكاناتها" لافتا إلى أن "إكراهات الواقع وضروراته في المغرب العربي، تختلف عنها في المشرق العربي".
ودعا اليماني الحركات الإسلامية إلى "ضرورة المحافظة على ثوابتها، والتشبث بأصولها الكلية التي قامت عليها في أول نشأتها، وبدايات تأسيسها، لأنها إن فرطت في شيء من ذلك فإنها تفقد مبررات وجودها".