نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا للكاتب ثوماس إردبرنك، حول مشكلة الإدمان في طهران، وكيف بدأت الحكومة بالتعامل معها.
ويروي التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، قصة مهدي البالغ من العمر 36 عاما، لكن شعره بدأ يشيب، حيث قضى أوقاتا ممتدة في السجن، وتعرض للجلد بسبب شربه للكحول، وانضم اليوم إلى مجموعة من المدمنين السابقين الذين يساعدونه على التخلص من الإدمان.
ويشير الكاتب إلى أن
إيران، التي منع فيها
الكحول منذ ثورة 1979، أخذت في السنوات الأخيرة الخطوة الأولى، واعترفت بأنها كباقي دول العالم لديها مشكلة إدمان على الكحول.
وتذكر الصحيفة أن وزارة الصحة أمرت منذ عام 2015 بفتح مراكز علاج للعناية بالمدمنين على الكحول، وفتحت عشرات العيادات الخاصة، وفتحت المؤسسات الحكومية مكاتب وأجنحة مستشفيات خاصة لمساعدة المدمنين على الكحول، بالإضافة إلى أن الحكومة سمحت بإنشاء شبكة من مجموعات المدمنين السابقين الذين يتعاونون على ترك الإدمان، وهي شبيهة بمجموعات "المدمن المجهول" في أمريكا.
ويلفت التقرير إلى أن إيران سمحت بتخفيف القيود في ما يتعلق بظهور هذه المجموعات لأشخاص، مثل مهدي، بأن يخرج من الظل ليستفيد من مجموعة أصدقائه الجدد، الذين مروا أنفسهم بتجارب مشابهة، ورحبوا به في إحدى الأمسيات في شقة في غرب طهران، حيث يقول مهدي، وهو اختصاصي حاسوب طلب عدم ذكر اسمه الحقيقي؛ بسبب العار المرتبط بالإدمان: "تركت الشرب على مدى الاثني عشر يوما الماضية.. وهذه خطوة كبيرة لشخص كان يقضي معظم وقته سكرانا".
ويفيد إردبرنك بأن الحكومة وضعت لافتات كبيرة تحمل صور قوارير الويسكي وصور حادث سير؛ لتنبه السائقين من أن القيادة في حال السكر تؤدي إلى الحوادث، مشيرا إلى أنه وزعت على الشرطة أجهزة لقياس مستوى الكحول في دم سائقي السيارات عن طريق التنفس في الجهاز.
وتنوه الصحيفة إلى أن الرئيس حسن روحاني، الذي وصل إلى سدة الحكم في 2013، حاول إدخال شيء من الواقعية إلى السياسة الإيرانية، التي تقوم في العادة على عقيدة صارمة، لافتة إلى أن قرار فتح مراكز العلاج من الإدمان جاء من وزارة الصحة في حكومته، ما يعكس كيفية إدخال التغييرات الاجتماعية في إيران بصمت، حيث يطلب من الحكومات المحلية تطبيقها دون ضجة.
ويجد التقرير أن تغير توجهات من هم في السلطة هو تجاوب لتغيرات في المجتمع الإيراني، فبحسب الإحصائيات الرسمية، فإن هناك 10% من الشعب يتعاطون الكحول في هذه الدولة الإسلامية، مشيرا إلى أنه بالنسبة للطبقة الوسطى في المدن الإيرانية، فإن تناول الكحول أصبح طبيعيا كما هو في الغرب، وبحسب وسائل الأخبار الإيرانية، فإن أولئك الذين يتعاطون الكحول في إيران يميلون لتناول تلك المشروبات بشكل أكبر من البلدان التي اشتهر عن شعوبها بكثرة تعاطيهم، مثل روسيا وألمانيا.
ويبين الكاتب أن أحد أسباب ذلك هو سهولة الحصول على الكحول، فهناك باعة يمكن لأي شخص الاتصال بهم، ويقومون بتوصيل المشروبات إلى باب البيت أينما كنت تسكن، منوها إلى أن الموزعين يحصلون على إمداداتهم من شبكة كبيرة غير قانونية لتوزيع الكحول القادم من العراق.
وتشير الصحيفة إلى أن حجم توفر الكحول هو ما يدفع التغيير في المواقف الرسمية، حيث يقول رضا كنجيدي (36 عاما)، وكان مدمنا سابقا، ويدير عدة مجموعات لمساعدة المدمنين: "إن الكحول متوفرة جدا هذه الأيام، فمعاقبة المتعاطين واستخدام القوة لم تعد عملية.. وكان تهريب الكحول وشربها في السابق جريمة بالدرجة ذاتها، وكان الناس يجلدون لتعاطيهم الكحول، والآن لا ينظر المسؤولون الأمنيون للمدمنين على أنهم مجرمون، بل مرضى يحتاجون للعلاج".
ويلفت التقرير إلى أن المشروب الروحي المفضل للإيرانيين قبل الثورة كان هو (عرق ساغي)، الذي كان يصنع من الزبيب، ويحتوي على 65% إيثانول، ولا تزال له شعبية، حيث يباع بالغالونات.
ويقول إردبرنك إن تهريب الكحول مشكلة كبيرة، حيث يموت العشرات بسبب التسمم من الكحول كل عام بعد تعاطي نوعية سيئة من الكحول، حيث مات بهذا السبب 135 عام 2013، بحسب الإحصائيات الإيرانية الرسمية، وفي تموز/ يوليو بعد أن مات 3 أشخاص، وتسمم العشرات في مدينة سيرجان، قام قائد شرطة سابق بنشر رسالة مفتوحة، دعا فيها لإنهاء الحظر على الكحول.
وتذكر الصحيفة أن كونجيدي هو من أدخل مهدي إلى المجموعة وساعده، بعد أن قضى ما يقارب العقد من التصادم مع السلطات بسبب شربه، الذي قال إنه كان يلجأ إليه بسبب المشكلات المالية، لافتة إلى أن كونجيدي تعرف على زوجته سمين من خلال مجموعة "المدمن المجهول"، حيث تقول إنها بحاجة للقاء مرتين على الأقل في اليوم حتى لا تعود لتعاطي الكحول.
وبحسب التقرير، فإن مجموعتي "المدمن المجهول" وجمعية "الواعي المجهول" تقوم بدعم مجموعات في أنحاء إيران، بحسب كونجيدي، الذي يقول إن هناك العشرات في طهران وحدها، وأكثر من ألف على مستوى البلد.
ويقول الكاتب: "في أحد الاجتماعات التي زرناها في غرب طهران كانت هناك غرفة مقدمة دون إيجار لاجتماع المدمنين الذين يتعاونون على ترك الإدمان، وبجانبها هناك غرفة مجاورة فيها حضانة أطفال، وغرفة أخرى لتعليم القرآن".
وتنقل الصحيفة عن كونجيدي، قوله: "تطلب منا الحكومات المحلية في أنحاء البلاد المساعدة، وتسهل مهمة مجموعاتنا؛ لأنها ترى أن عملنا فعال".
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالقول إن "الشيء الوحيد الذي ينقصنا هو التصريح الرسمي، الذي يعطى للمجموعات التي تحارب
المخدرات؛ وذلك لأن الخمر مذكور في القرآن، لكن لا يقول القرآن شيئا عن المخدرات، وقالت سمين: (ينظر إلى الكحول في الإسلام على أنها أخطر من المخدرات.. مع أن الكثير في المجتمع يرى أن المخدرات أسوأ بكثير)".