تنشر "
عربي21" على مدار جزءين متتاليين حوارا مفتوحا وشاملا مع وزير العدل الأسبق؛ الذي طلبنا منه أن يذكر شهادته كاملة لحق المجتمع في معرفة ما كان يدور في الكواليس خلال فترة الرئيس محمد
مرسي.
في الجزء الثاني يتحدث المستشار مكي عن تجربته كوزير للعدل، حيث يتطرق للحديث عن عملية إدارة الدولة في عهد الرئيس مرسي، وأثر ارتباط الرئيس بالإخوان على طريقة إدارة الدولة، إلى جانب قضية الفصل بين "الدعوي والسياسي"، وطريقة التعامل مع مقترح الانتخابات الرئاسية المبكرة آنذاك، كاشفا عن استشعاره بوجود مؤامرة حول السلطة من قلب جهاز الدولة و"الدولة العميقة"، لكنه رفض التكهن بما إذا مرسي كان مخدوعا أم لا.
اقرأ أيضا: مكي: هذا مصير تحقيقات 25 يناير.. ولهذا لن يُدان مبارك (1)
وإلى نص الجزء الثاني من الحوار:
الوزارة وعملية الاختيار لها
* إذا انتقلنا لتجربتك كوزير للعدل، كيف تقيّم تجربتك هذه؟ هل أضافت لرصيدك في الشارع أم خصمت منه؟
- أنا قاضٍ أصلا، والقاضي ليس له علاقة بالسياسة. والقاضي إذا عمل بالسياسة يخسر ولا يكسب، كالسنهوري وعبد العزيز باشا فهمي، وكذلك رجل الدين كمحمد عبده. فالداعية شيء والسياسي شيء آخر، خصوصا في دول العالم الثالث. والسياسة فن مخاطبة الجماهير والممكن، أما القاضي والداعية يحددان لك واجباتك وما يجب عليك، رضيت أو لم ترضَ. لكن تجربتي أفادتني شخصيا وازددت معرفة، وأنا توليت الوزارة في فترة كانت فيها كارثة تسمى الإعلام، وأعطيك مثالا.. فعندما كنت أتناقش مع ممدوح شاهين عن تحفظّات الجيش على تنمية محور قناة السويس، خرج الإعلام ليقول إننا سنبيع القناة لقطر، كذلك قضية محمد الجندي التي أتحدى أي شخص أن يكون هناك قضية جرى فيها تحقيق من النيابة كتلك القضية.
* على ذكر قضية الجندي، هل تطمئن لتقرير الطب الشرعي فيها؟
- أنا كوزير لا علاقة لي بالتقرير - كما قلت من قبل - هذه مسؤوليتهم. لكن على كل حال، وضع هذا التقرير أساتذة من كلية الطب، والتشريح ذكر وجود إصابات رضّيّة، والإصابات الرضية تأتي من ضربة عصا أو من اصطدام سيارة، لكن الكلام الذي كان يتردد عن صعق بالكهرباء، ولا توجد لها آثار، والقضية حُفظت، فأين الإعلام منها الآن؟
* بخصوص ما يثار عن إدارة الدولة في عهد الإخوان، هل كان اختيارك من قبل الجماعة، أم بترشيح من جهة داخل الدولة لحرق اسمك في الشارع؟
- حتى الآن لا أعلم على أي أساس تم اختياري، وكان لي حوار قبل إبلاغي بالقرار بيوم؛ ذكرت فيه أنني لا أرغب أن أكون وزيرا. وربما كان السبب ظهوري بكثرة قبل حكم الدستورية العليا بحلّ مجلس الشعب في 2012 وتنبيهي لاحتمالية حلّه، وهو ما حدث بالفعل، وهي (المحكمة) لم تحكم طوال سنواتها بمثل ذلك الحكم، واختصاصها منحصر في مدى مطابقة القانون للنص الدستوري، فالإحالة كانت خاطئة والحكم كذلك.
* ما هو رد فعلك على إبلاغك بترشيحك للوزارة؟
- ظللت أفكر في ذهابي للاتحادية من عدمه طوال الليل، فأنا لست سياسيا وكنت أرفض الذهاب لاجتماعات المجلس العسكري لهذا السبب، لكن ما دفعني للقبول أن هذه أول تجربة ديمقراطية.
* هل استطعت تنفيذ رؤيتك التي كنت تطرحها منذ بروز اسمك في قضاة تيار الاستقلال؟
- بالتأكيد حاولت، وعملت مشروعات قوانين موجودة في أرشيف وزارة العدل وأقرها مجلس الوزراء وأعتز بها، منها قانون التظاهر، والجمعيات الأهلية، وحرية تداول المعلومات، ومشروع لتعديل قانون الطوارئ الذي لم أقدّمه لخوفهم منه، ولكن على أرض الواقع لم يتم تنفيذ ذلك.
* تمت مهاجمتك بشدة بسبب مشروع الطوارئ؟
- عندما أحلت للمعاش وقبل تولي الوزارة بدأت في العمل حول المشروع، وكنت أهدف لتنظيم القانون ومنع تغول السلطة على الناس، فمن الطبيعي وجود قانون ينظّم الحالات الاستثنائية في البلد، وكان النص الموجود سيئا، فأردت تعديله قبل تولي الوزارة، ولما أصبحت وزيرا قالوا إنني أريد فرض الطوارئ.
الاختلاف مع الرئيس
* البعض يتحدث عن أنك وغيرك من قضاة تيار الاستقلال وقفتم ضد بعض محاولات التعديلات الثورية لقوانين القضاء في عهد مرسي، بحجة الدفاع عن استقلاله، على الرغم من معرفتكم بوجود فساد في المنظومة وخروج مصر من ثورة تحتاج لتغييرات جذرية لتحقيق أهدافها، فما تعليقك؟
- بالنسبة للقاضي احترام الأشكال واجب، وذكرت ما تعلّق بخفض سن القضاة.
* لكن ماذا عن إقالة النائب العام، وتحصين قرارات الرئيس ضد أحكام المحكمة خاصة مع وجود سابقة كحل مجلس الشعب؟
- في مشروع السلطة القضائية، كان هناك نص يمنع بقاء النائب العام في منصبه أكثر من أربع سنوات، فكان النائب العام سيترك منصبه تلقائيا بمجرد إقرار القانون. وقلت للرئيس مرسي "سيبه لي"، ولكنه لم يسمع الكلام. أما تحصين القرارات ضد أحكام المحكمة، فيمكن القول إنه كان يوجد توجس من المحكمة، لكن اعتراضي على القرار كان سياسيا، وأنا ضد وجود المحكمة الدستورية أصلا، خاصة في دول العالم الثالث، ويمكن إلغاؤها بالدستور أو كفالة استقلالها وتنظيم اختصاصاتها وتعيين حدودها فلا تتجاوزها. وأنا أعذر د. مرسي في خوفه من حل الجمعية التأسيسية للدستور ومجلس الشورى، لكنه لم يكتب ذلك بل حصّن قراراته. وعندما اعترضت وأنا وزير؛ لم يعاتبني، وذهبت إليه بمجلس القضاء، فصححنا العبارات ووافق عليها، لكن واجبه يحتم عليه أن يسمع أولا قبل إصدار القرارات، ولكنه كان يتأثر باعتبارات أخرى كحزبه.
* هل كنت تشعر باختلاف في حجم وزيري الدفاع والداخلية أثناء اجتماع مجلس الوزراء؟
- نحن كنا عبارة عن لجنة شؤون موظفين، وهي عبارة مثْبتة في محاضر المجلس، وكنا نتناقش حول شراء السيارات واحتياجات الوزارات، ولم نكن نتحدث عن أوضاع البلد، وتلك كانت شكواي.. أننا ينبغي أن نساهم في رسم السياسة العامة للدولة.
كيف تدار الدولة؟
* إذن كيف كانت تُدار الدولة منذ كانون الثاني/ يناير 2011؟
- كانت القرارات تصدر والدولة العميقة تعطّل القرارات، وعدم جاهزية الإخوان للحكم كانت سببا كذلك. وهناك أسباب لعدم الجاهزية، كاضطهادها. فهم كانوا جماعة مغلقة، وهذا الانغلاق ضد الانفتاح السياسي، وأيضا عند الحكم ينبغي أن تكون عينك على احتياجات الناس وليس فرض الشريعة، فالشريعة يُدعى إليها، فليست مهمتها إقامة الشرع بل تيسير أمور الناس. وعندما كنت أسمع بعض قادتها أرى خلطا بين ما هو سياسي وما هو دعوي.
وفي تقديري أن الجيش هو الحاكم منذ 1952 حتى أيام مبارك، لكنه كان يترك مساحة للحاكم. ولمست ذلك في 1986، عندما تناقش المستشار يحيى الرفاعي مع الرئيس مبارك حول قانون القضاء العسكري ومحاكمة المدنيين في خلافات مع أفراد الجيش، فقال مبارك: "لن تقدروا على الجيش"؟ فنحن ذهبنا إليه لكنه حدّثنا عن مواجهتنا مع الجيش، فالجيش هو الحاكم لمصر، وهناك دولة خفية والكثير من البيانات غير معلومة، مما جعل تحليلاتنا لا يمكن وصفها بالصحة في غياب المعلومات، وما نقوله أقرب للتخمين.
الانتخابات المبكرة
* هل دعوت الرئيس مرسي لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة؟
- هذه الفكرة طرحها د. عبد المنعم أبو الفتوح واستحسنتُها، وطُرحت في أحد اجتماعات مجلس الوزراء باعتبارها اقتراحا جيدا، ولم يكن الرئيس حاضرا، وكان
السيسي موجودا ولم يعلّق هو أو غيره، ولم أتكلم عنها مرة أخرى.
الاستقالة
* أنت استقلت في أبريل 2013..
- (مقاطعا) لا أنا استقلت في 13 آذار/ مارس وأعلنتها في نيسان/ أبريل، وتركت المنصب في أيار/ مايو مع تشكيل الحكومة الجديدة.
* ما سبب الاستقالة؟
- في 15 كانون الثاني/ يناير، كانت هناك مظاهرة في وزارة العدل دعا إليها سامح عاشور بحجة احتجاز الوزارة لمبلغ مليار جنيه لصالح نقابة المحامين، ووزارة العدل لا تحصّل أي مبالغ مالية، فرسوم المحاكم تذهب مباشرة لخزانة الدولة، والوزارة ليست لها خزانة. فالكلام مكذوب، ويوم التظاهرة وجدت عشرات الموظفين يتظاهرون في البهو، فانفعلت عليهم لأن مكتبي دائما مفتوح، وانصرفوا بالفعل واعتذروا لي بعدها.
قام وزير الداخلية بالاتصال بي لزيادة الحراسة، فرفضت، وقلت للوزير: كيف يمكن حصول مظاهرة داخل الوزارة دون علمكم؟ فاتصل بي مدير جهاز الأمن الوطني، فكلمته بانفعال بسبب ذلك الأمر، ثم جاءتني أخبار أن المتظاهرين تابعون للأمن، فدخلت في نفسي شكوك أن الداخلية متواطئة.
ثم في يوم 12 آذار/ مارس ذهبت لافتتاح محكمة في الغربية، فاتصل بي مدير الأمن الوطني بعد اقترابي من المحكمة ليبلغني بوجود مظاهرات ودعاني للرجوع، فقلت له: "لن أعود"، فقال: "أنا أبلغتك والقرار لسيادتك". ودخلت المحكمة والناس تتظاهر وتسبني، ومن ضمن الهتافات "الشعب والشرطة ايد واحدة"، ثم حضر موظفون من المحكمة ليخبروني أن المتظاهرين ليسوا من البلد، وفيهم أحداث من مدينة المحلة، واستقر في ذهني أننا نُضرب من قلب جهاز الدولة، فذهبت في اليوم التالي لمجلس الوزراء واستقلت بعدما ذكرت ما جرى. وأقرت وزيرة التضامن الاجتماعي بتأجير الأحداث، وقالت لي: "دي حكاية كبيرة".
* هل كان مرسي يشعر بوجود من يضربه من قلب جهاز الدولة؟
- لم تكن لدي أدلّة لأخبره أن جهازا ضده.
* لكنك ذكرت أن لديك يقينا بذلك؟
- نعم هذا يقيني، لكن لا توجد لدي أدلة لأتهم بها أحدا.
* هل تتصور أنه خُدع أم حاول ولم يقدر عليهم؟
- لا أستطيع إجابتك، لأن الجواب يحتاج لمن هو داخل دهاليز الجماعة، لكن ساورتني الشكوك منذ فرض الطوارئ في منطقة القناة؛ لأن من خرق الحظر وكان أفراده يلعبون الكرة بالشوارع كان الجيش الذي طالب مرسي بفرضها، وقيل حينها: "ساعة الحظر ما تتعوضش". لكن في الأغلب أن كان مخدوعا، وأنه ظن أن السيسي على وجه التحديد معه؛ لأنه كان يتصور أن الجيش ضد 30 حزيران/ يونيو، بدليل أن أنصاره لم يذهبوا لحماية الاتحادية كما جرى من قبل. ولماذا ترك مرسي الاتحادية إلا إذا كان مطمئنا أن الجيش معه؟ لكن ذلك استنتاج وليس بناء على معلومات.
وضع مرسي والأزمة السياسية
* مرسي يقول في محاكماته إنه لا يزال الرئيس الشرعي لمصر، فهل كلامه صحيح من الناحية القانونية؟
- نعم، ولكن ما القانون الذي تتكلم عنه؟ لا يوجد قانون.
* هل كان يمكننا تجاوز ما حدث في تموز/ يوليو وآب/ أغسطس 2013؟
- ظني أن القوى المدنية في مصر غير مؤهلة للحكم، بما فيهم الإخوان؛ التنظيم السياسي الأقوى. وحكم مصر يحتاج لدراسة وخطط مسبقة قبل تولي السلطة لحل المشاكل الشعبية، وظني أن الإخوان ليس لديهم تصور للحكم، كما ينبغي عدم تجاهل أن الجيش المصري حاكم وأنه قوة رئيسية، ولا بد من تأمين علاقتك بالجيش والشرطة. نحن وصلنا إلى أن رئيس وزراء مصر لا تقدر أسرته على الخروج من منزلها بسبب التظاهرات.
وأحيانا يُخيّل إليّ أن ما جرى منذ كانون الثاني/ يناير 2011 كان مدبّرا، ولكنها تخمينات، ويمكن أن يكون تسليم السلطة للإخوان مدبرا، كما يُنقل على لسان طنطاوي: "سلمنا الإخوان للبلد".
* وماذا عن مذبحة رابعة؟ هل كان يمكن تجاوزها؟
- لا توجد لدي معلومات، لكن هل كان هناك حرص على إسالة دم؟ هل طريقة صاحب القرار - الذي لا أعرفه - أن يسيل الدم لإخافة الناس أم أنه فُرض عليه؟ فنحن نخمّن.
* بعيدا عن التخمينات، هل هناك وسيلة للخروج من الأزمة السياسية والاجتماعية للبلد؟
- لا بد في الحال أو المآل ألا يحكم الجيش مصر حكما مباشرا؛ لأنه سيخرب الوطن وسيَخرب هو أيضا، وأسوأ عمل يقوم به الجيش أن يحكم أو يحارب الإرهاب من الداخل، فهذه مهمة شُرَطية، حتى في إسرائيل رفض الجيش قمع مظاهرات الفلسطينيين، وهم أعداء، مما أجبر رابين على الذهاب لأوسلو. فمن واجبات الجيش الأصلية ألا يحكم حتى لا يفقد شعبيته.
انتخابات الرئاسة 2018
* هل ستُجرى انتخابات نزيهة في 2018؟
- هذا يتوقف على مفهوم النزاهة. ولا أتصور أنها ستكون مثل 2012، أتصور أن النقاش سيكون هل نزوّر ورقا أم لا؟ النزاهة حلم بعيد.
* هل لو نزل السيسي في انتخابات حقيقية سيفوز؟
- بالتأكيد هو أقل شعبية، لكن هل هناك منافس؟ المشكلة أننا نُحكم حكما عسكريا والمدنيون ليسوا مؤهلين، ولكن لا بد من نزول أحد ويتصدّر المشهد السياسي ويكون جادا ولا يؤدي دورا تمثيليا، ولا بد أن نحاول مع الجيش أولا، وأتمنى أن تنمو قوة عاقلة داخله ترى أهمية الانسحاب من الصورة.
* إذا لم ينزل أحد أمام السيسي، هل يجوز الاستفتاء عليه؟
- نعم يجوز لكن لا يُنتخب، إلا إذا حصل على أصوات 20 في المئة من الناخبين وهو شرط صعب. لكن دعنا نسأل سؤالا آخر: هل الجيش سيتخلى عن السلطة أم لا؟ إذا كان مستعدا للتخلي عنها، فليكن هناك مرشح مدني ويكون مقبولا من الجيش، وهذا قرار يقدر على أخذه العسكريون الذين يقدّرون خطورة انشغال الجيش بقضايا داخلية. ومشاكل مصر معقدة تحتاج لجيش قوي يحمي حدودها ويفرض هيبتها بين الدول، وبحاجة لحكومة مدنية مدعومة من مؤسسات الدولة.
* لماذا ربطتَها بقرار الجيش؟ ألا يمكن للناس أن يخرجوا مرة أخرى؟
- لا توجد قوة مدنية قادرة على فرض إرادتها على الجيش، وتاريخ مصر كله منذ ثورة عمر مكرم في 1805؛ لم تقدر قوة مدنية على قهر الجيش المصري، إلا أن تنهار الدولة بالكامل.
* هل أنت متفائل بالمستقبل؟
- لا زلت أعتقد أن جيش مصر جيش وطني، وأنه سيدرك أنه الخاسر الأكبر من حكم مصر. والجيوش عندما تحكم تستعمل السلاح ضد شعوبها، ولا تستطيع رفع السلاح ضد أعدائها وتفقد القدرة على مواجهتهم. وجيش مصر جيش وطني، وهو أولى من جيش بريطانيا الذي انسحب من داخل المدن المصرية إلى القناة عندما بدأ صدامه مع المواطنين. لا أستطيع أن أتصور أن جيشا مصر أسوأ من جيوش الاحتلال. وأتمنى أن ينقذ نفسه من هذه الورطة، وأملي أن تقوى القوى المدنية وتفهم قدراتها، وأن تحسن تقدير تأثير القوى الدولية والإقليمية.
(لقراءة الجزء الأول من المقابلة: اضغط
هنا)