قرابة 70 عاما تفصلنا بين وداع الأستاذ المؤسس الشهيد حسن البنا وبين مريده الشيخ المجاهد محمد مهدي عاكف لم تتبدل فيها أحوال الاستبداد في وطني، حيث لم يتورع المستعمر أن يتخلص من أكبر جماعة مقاومة للاستبداد والاستعمار معا بيد الملك وحاشيته ليتم اغتيال حسن البنا، وتصفيته وحرمانه من العلاج حتى يلقى الله، كما صنع الاستبداد العسكري مع الشيخ التسعيني عاكف الذي صفته حكومة الاحتلال العسكري بالإهمال الطبي في محبسه حتى بات شاهدا على الصمود الثوري والفجر العسكري في الخصومة.
رحل عاكف مجدد دماء أكبر حركة إسلامية في المشرق الإسلامي يشكو إلى ربه ظلم السيسي وعصابته وفجرهم في الخصومة حتى انتزعت الإنسانية من صدورهم وبات الانتقام شعارهم كما كان شعار من قبلهم مع أستاذه البنا الذي حرموه وداع مئات الآلاف من أنصاره ومريديه، حيث شيع في مشهد رباعي قاده والده الشيخ عبد الرحمان البنا وزوجته وبناته كما حدث مع الشهيد عاكف الذي رفضت سلطة السيسي لغير زوجته وابنته ومحاميه أن يصلوا عليه، وحرمت العشرات من محبيه في محيط مقابر مدينة نصر من شهود جنازته فأدخله القبر أولائك الأربعة فيما حرم ملايين من أعضاء جماعته من شهود تشييعه.
حقيقة الليلة أسوأ من البارحة، فسجون السيسي بها 300 عاكف دون السبعين ينتظرون موتا بالإهمال الطبي، ويحرمون من كافة حقوقهم الطبية بحسب تقارير حقوقية، يشرفون على الموت وتتعنت سلطة الجنرال معهم كما قتلت فريد إسماعيل ومهند وعشرات قبلهم وبعدهم إهمالا وانتقاما وستقتل بعدهم المئات بذات الطريقة الانتقامية، دون أن يحرك ذلك ضمير المصريين أو ضمير النظام العالمي التي لا يعبأ بأي انتهاكات طالما كانت ضد أتباع حسن البنا ومهدي عاكف.
أما سجين كل العصور التسعيني الثائر الذي دفع ضريبة حرية شعبه ووطنه منذ مقاومته لليهود في فلسطين، التي كان يشرف على تدريب المتطوعين فيها وكان أحد الذين تركوا بصمة كبيرة على المقاومة الفلسطينية إلى اليوم فقد عاش لفلسطين وتحرير المسجد الأقصى بل وتحرير كل بلاد الإسلام من سطوة المحتل الأجنبي وكل أزلامه.
عاكف كان وسيظل علما وشارة لمقاومة الاحتلال الأجنبي والمحلي لمقدرات الوطن، فقد قاوم الانجليز وكان في طليعة قادة المقاومة الشعبية ومعسكرات جامعة القاهرة تشهد له بذلك، فقد ربى جيلا من المقاومين لا يزال أثرهم يمتد إلى اليوم، ولم يتوقف عند مقاومة الاحتلال الأجنبي بل قاوم الاستبداد العسكري في أول موجاته بقيادة عبد الناصر الذي سجنه وحكمت عليه محاكمه العسكرية بالإعدام، لكن الله كتب له البقاء فمات عبد الناصر وبقي عاكف ليتصدي لاستبداد السادات وتطبيعه ويدفع ثمن مواقفه سجنا واعتقالا ثم ليقاوم مبارك ويقود أكبر القوى المعارضة ويعيد تنظيمها ورص صفوفها ويعيد تموضعها علي الخريطة المصرية ويسجل أول تجربة حقيقية لتداول السلطة داخل الحركة الإسلامية استعدادا لمرحلة الثورة التي شارك عاكف برؤيته بعيدة المدى في تهيئة الإخوان لها ويظل حارسا أمينا لأفكاره التي آمن بها بعد أن تخلى طواعية عن المناصب فيكون المستشار الأمين للقيادة الجديدة.
شيخ المجاهدين حقا، إنه رفيق عمر المختار الذي رفع شعار "نحن لا نهزم ننتصر أو نموت"، فنال ما أراد شهادة في سبيل الله وإعلاء لمبادئه التي مات لأجلها فيما سيكون نصيب قاتليه مزبلة التاريخ ولعنات الشعوب كما صار إليها من سبقهم من المستبدين والخونة المفرطين.
شيخ المجاهدين الذي فاضت روحه الطاهرة بعد الظهر الجمعة 2 محرم 1439 هجرية الموافق 22/9/2017م رحل إلى رفاقه الأساتذة محمد حامد أبو النصر والأستاذ مصطفى مشهور والأستاذ الهضيبي المرشدون السابقون في يوم رحيلهم حيث كان الأستاذ عاكف أوصى أن يدفن بجوار الأستاذ المرشد التلمساني ومصطفى مشهور، والحمد لله نفذت وصيته بعد أن قام بتغسيل الجثمان الطاهر زوج شقيقته في حضور خمسة رجال (زوج بنت أخته والمحامي وثلاثة رجال من الداخلية) وأربع سيدات هن (زوجته وابنته واخرتان)
*زوجة شهيدنا الأستاذة وفاء عزت ( شقيقة الدكتور محمود عزت) الأستاذ عاكف خاطبته بعد الصلاة: مت يا حبيبي كما كان وفاة أستاذك البنا وتشيع كما شيع معلمك البنا رحمة الله عليك.