رأى نشطاء وسياسيون أن قرار رفع
أسعار بطاقات الشحن في
مصر، بنسبة تصل إلى 36 في المئة، له أسباب سياسية، بجانب الدوافع الاقتصادية.
ومن بين الدوافع السياسية، بحسب مراقبين، تقليل استخدام النشطاء لوسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى تحقيق أرباح إضافية لشركة الهاتف المحمول الجديدة؛ والتي يهيمن عليها الجيش، تزامن إطلاقها مع رفع أسعار المكالمات.
وبدأت الأحد حملة مقاطعة لشركات المحمول في مصر، للتعبير عن الغضب من رفع أسعار خدماتها، حيث دعا نشطاء إلى عدم إجراء المكالمات الهاتفية لمدة ساعتين لإجبار الشركات على التراجع عن قرارها.
لكن خبراء أكدوا أن هذه الحملة لن تمثل ضغطا حقيقيا على الشركات، بسبب حاجة المواطنين لهذه الخدمة الحيوية وعدم قدرتهم على الاستغناء عنها.
"تربيح الجنرالات"
وبحسب تقارير صحفية، فإن شركة "وي" الجديدة؛ تعمل تحت إشراف القوات المسلحة التي أصبح لها نصيب كبير فيها، بداعي الحفاظ على الأمن القومي.
وعزز هذه التقارير؛ الخطوة المفاجئة من جانب شركة "وي" والتي أعلنت استثناءها من قرار رفع الأسعار، وأنها ستقدم الخدمة لعملائها بالأسعار القديمة، بعد أن حصلت على موافقة من الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات التابع للحكومة الذي يتولى تسعير المكالمات والموافقة على تقديم عروض ترويجية.
وعلى الرغم من أن قواعد التجارة المستقرة تقضي بأن ينخفض سعر السلعة أو الخدمة كلما زاد عدد المتنافسين على بيعها، إلا أن زيادة عدد شركات المحمول في مصر من ثلاث إلى أربع رافقته زيادة الأسعار بنحو 36 في المئة.
وكان الجهاز القومي قد أعلن أن هذه الزيادة في الأسعار سيذهب الجزء الأكبر من ريعها لصالح الخزينة العامة للدولة، في شكل
ضرائب، والباقى لصالح الشركات لتعويض ارتفاع تكاليف التشغيل بعد تحرير سعر صرف الدولار وارتفاع أسعار الوقود والكهرباء، استجابة لطلب مقدم من الشركات منذ شهرين.
تكميم للأفواه
وفي هذا السياق، قال الباحث السياسي عمرو هاشم ربيع؛ إن أول تسريب للسيسي، عندما كان وزيرا للدفاع قبل أكثر من أربعة أعوام، تكلم فيه على زيادة أسعار مكالمات المحمول؛ قائلا إنه يريد أن يجعل من يتصل يدفع ومن يتلقى المكالمة يدفع، حتى يحد من استخدام المحمول في المكالمات غير الهامة.
وأضاف ربيع، لـ"عربي21"، أن هذا "التسريب كان مثالا واضحا لقناعة السيسي بأنه طالما كان المواطنون يستخدمون المحمول بإفراط، فلا بد إذن من تحميلهم مزيدا من الأعباء والتكاليف حتى لو كانت أكبر من طاقتهم، ودون النظر إلى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد".
وأكد ربيع أن الزيادة الأخيرة في الأسعار جاءت في الأساس لتغطية تكلفة إنشاء الشبكة الجديدة "وي" المملوكة للدولة، والتي تم إطلاقها منذ أيام، بالإضافة إلى توفير فرصة جيدة لها للنجاح عبر إجبار الشركات الثلاث المنافسة لها على رفع أسعارها لتبقى هي الوحيدة التي تقدم الخدمة بأسعار أقل.
وحول وجود أبعاد سياسية وراء قرار زيادة أسعار مكالمات المحمول، أكد ربيع أن هناك "رغبة واضحة من النظام في تكميم الأفواه ومنع المواطنين من الاعتراض على الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية المتدهورة"، مشيرا إلى أن النظام يرى أن تقليل استخدام وسائل التواصل الاجتماعي عبر زيادة أسعار الإنترنت يساعده على إحكام قبضته أكثر على البلاد، وفق تقديره.
جباية!
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي مصطفى عطوة؛ إن زيادة أسعار بطاقات الشحن هي "استمرار للسياسات الاقتصادية الخاطئة التي تشهدها مصر، والتي تتضمن رفع أسعار السلع والخدمات والضرائب وتقليل الدعم سعيا؛ لإرضاء صندوق النقد الدولي"، مؤكدا أن هذه الخطة لا ينتج عنها سوى "تجويع الشعب"، حسب قوله.
وأوضح عطوة، في حديث لـ"عربي21"، أن الحكومة في مصر "كلما واجهتها أزمة سياسية أو اقتصادية؛ لا تفكر سوى في تحميل مزيد من الأعباء للمواطن البسيط"، لافتا إلى أن الحكومة تعاملت هذه المرة في موضوع بطاقات الشحن بـ"قسوة شديدة عبر فرض زيادة كبيرة ومفاجئة في الأسعار".
ورأى أن الحكومة لجأت إلى رفع الضرائب على شركات المحمول الثلاث كي تحصل منها على مزيد من الأموال لتساهم في سد عجز الموازنة، حسب توصيات صندوق النقد الدولي، لتثبت للصندوق أنها تسير في طريق الإصلاحات الاقتصادية المرسومة لها، كما قال.
وحول الأبعاد السياسية لهذا القرار، قال عطوة إن النظام ينظر إلى هذه الشركات على أنها تحقق مكاسب سنوية بمليارات الدولارات، ولا بد أن يتم تحصيل ضرائب إضافية منها، "كنوع من أنواع الجباية، لمساعدة النظام في تجاوز الضغوط السياسية والاجتماعية التي يعاني منها بسبب الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد".