أثار الارتفاع اللافت للدين الخارجي المستحق على
مصر، مخاوف الأوساط الاقتصادية في البلاد، التي تمر بمرحلة صعبة على صعيد الاستقرار المالي.
وتوسعت
الحكومة المصرية الحالية، بشكل كبير، في طرح السندات السيادية، لسد الفجوة التمويلية، مع تحديد ثلاثة خيارات لمواجهة تزايد الدين الخارجي.
الحكومة المصرية، تقلل بشكل غير مباشر من هذه الإشكالية من خلال التأكيد على ظهور مؤشرات عدة على نجاح برنامج إصلاحها الاقتصادي، تتمثل في تزايد الاحتياطي الأجنبي، واستثمارات الأجانب في أدوات الدين، وتحويلات العاملين في الخارج.
ووفق أحدث بيانات رسمية، صعد الاحتياطي الأجنبي لمصر إلى 36.534 مليار دولار، وبلغت استثمارات الأجانب في الأوراق المالية الحكومية 18 مليار دولار، فيما ارتفعت تحويلات العاملين بالخارج إلى 14.5 مليار دولار، حتى أيلول/ سبتمبر الماضي.
مع ذلك، قدر وزير المالية المصري عمرو الجارحي في 19 أيلول/ سبتمبر 2017، حجم الفجوة التمويلية لبلاده بين 10 إلى 12 مليار دولار خلال العام المالي الجاري 2017 – 2018.
سندات دولية
وفي 27 أيلول/ سبتمبر 2017، أعلن رئيس الوزراء المصري شريف إسماعيل موافقة الحكومة على برنامج لطرح سندات دولية بنحو 7 مليارات دولار خلال العام المالي الجاري.
وتشكل السندات الدولية وسيلة استثمار مهمة على الصعيد الدولي، وأحد أدوات السياسة المالية للدول لتقليل العجز وسد الفجوات التمويلية.
وجاء التأكيد الرسمي المصري بطرح سندات دولية خلال العام المالي الجاري، في ضوء ارتفاع الدين الخارجي للبلاد إلى 79 مليار دولار في حزيران/ يونيو 2017، مقابل 55.8 مليار دولار في الشهر نفسه من 2016.
ويرى المركزي المصري، أن الدين الخارجي ما يزال في الحدود الآمنة لكون القروض الخارجية قصيرة الأجل تعادل 39 بالمائة من صافي الاحتياطيات الدولية.
وطرحت مصر سندات دولية بقيمة 7 مليارات دولار خلال 2017، بواقع 4 مليارات دولار في كانون الثاني / يناير، و3 مليارات دولار في أيار/ مايو.
ديون مرعبة
وبسبب تزايد وتيرة مصر للاقتراض، ارتفعت القيمة المقدرة لفوائد
الديون خلال العام المالي الجاري إلى نحو 410 مليارات جنيه تساوي نحو 23.5 مليار دولار.
وأرجع المحلل الاقتصادي إيهاب العربي، إقدام مصر على طرح سندات دولية، إلى أمرين، الأول عجز
الموازنة وعدم الكفاية التمويلية، والثاني، لأن بعض الديون تستوجب السداد في الأجل القصير فهي استدانة لتغطية الاستدانة.
ومؤخرا، كشف طارق عامر محافظ البنك المركزي المصري، عزم بلاده سداد 5.2 مليارات دولار دين لصالح بنك التصدير والاستيراد الإفريقي قبل حلول 2018.
واستبعد أن تقدم مصر على طرح سندات دولية لزيادة رصيد الاحتياطي الأجنبي، لرفع قيمة الجنيه أمام الدولار.
وبينما تقول الحكومة المصرية، إن السندات الدولية توفر عنصر سيولة دولارية سريعا، يقول العربي: "لا أرى إيجابيات في استمرار حالة الاستدانة، وخصوصاً بالسندات الدولية الأكثر تكلفة والأغلى في فاتورة خدمة الدين".
وتابع: "الدين العام مثل العشب الضار، الذي ينبت مع الزرع النافع فيستهلك منه مياها ومعادن ويسد عنه ضوء الشمس"، بحسب المحلل الاقتصادي.
أعباء خدمة الدين
ويقول المحلل الاقتصادي ماهر شرف الدين، إن الحكومة المصرية "تستخدم الاستدانة لسداد ديون سابقة، وليس لزيادة الطلب الكلي لتحريك العجلة الاقتصادية من جديد، وزيادة دائرة الإنتاج".
وأكد شرف الدين أن استخدام الدين العام لتمويل عجز الموازنة، يؤدي إلى زيادة أعباء خدمة الدين، "ومع سوء الإدارة، يتواصل الدين العام في الزيادة، ما يعني حرمان المواطنين من الاستفادة من هذه المبالغ في مجالات الصحة والتعليم".
وزاد: "هذه صورة لفقدان العدالة بين الأجيال المصرية، ما يجعل القادم أسوأ، إذ سترث الأجيال القادمة ديونا وليس مشروعات تنموية".
ويطرح شرف الدين رؤية للخروج من دائرة الدين، تتضمن تنفيذ مشروعات صناعية بكافة محافظات مصر، لزيادة معدلات التشغيل وزيادة الناتج المحلي الإجمالي، للقدرة على سداد المديونيات.
وطالب بوضع أهداف واضحة لإدارة الدين العام، وتقدير حجم المخاطر في ضوء اعتبارات التكلفة، ووضع حدود للتوسع في الاقتراض، وتوخي الحرص في إدارة مخاطر إعادة التمويل ومخاطر السوق.
وحث على تشجيع التعاون الاقتصادي مع الدول الأخرى خاصة الدول الأفريقية، بما يزيد من الصادرات ويصب في صالح ميزان المدفوعات، والاستفادة قدر الإمكان من خلال التكتلات الاقتصادية التي تنتمي لها مصر.
ويرى مراقبون أن طرح الحكومة المصرية لسندات دولية يعد مسكنا مؤقتا ومصدرا سريعا لتوليد تدفقات نقدية مباشرة لتمويل العجز بدون الضغط المباشر على السوق المحلية.