نشرت صحيفة "إندبندنت" تقريرا لمراسلها باتريك كوكبيرن، يقول فيه إن
تنظيم الدولة حارب بإتقان وبيأس للحفاظ على مدينة
الرقة السورية، الواقعة منذ أكثر من أربعة أشهر تحت حصار ضربته عليها القوات التي يقودها الأكراد، مستدركا بأنه سيخسرها قريبا في آخر هزيمة لهذا التنظيم.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أنه لم يبق سوى القليل من "الخلافة"، التي أعلن عنها التنظيم عام 2014، الذي حكم معظم غرب
العراق وشرق
سوريا.
ويقول كوكبيرن إن "تنظيم الدولة حارب أكثر مما توقعه أي شخص في الموصل والرقة، لكن كان عليه أن يحارب على عدة جبهات ضد أعدائه الكثر، والأهم من ذلك ضد القوة الجوية الهائلة الأمريكية والروسية والقوى الحليفة، بالإضافة إلى المدفعية التقليدية، واحتاج الأمر إلى تحويل المدينتين إلى ركام لتنتصر القوات العراقية وقوات سوريا الديمقراطية".
وتستدرك الصحيفة بأنه "رغم أن المعارك كانت طاحنة، لكن ليس هناك شك بمن هو المنتصر، ومن المهم أن تنظيم الدولة لم يقاوم كثيرا في تلعفر غرب الموصل والحويجة جنوبها، اللتين كانتا معقلين للتنظيم لفترة طويلة، وفقط في محافظة
دير الزور أبدى التنظيم أن لديه وحدات قتالية قادرة على شن هجمات مضادة ناجحة، وأدت واحدة من هذه الهجمات في الأيام الأخيرة إلى طرد قوات حكومة النظام السوري من الميادين، وهي مدينة صغيرة في شرق سوريا".
ويلفت التقرير إلى أن "الحكومات في أنحاء العالم تسأل عن اكتمال الانتصار على تنظيم الدولة واستمراره، وعما إذا كان التنظيم سيحاول أن يثبت أنه لم يهزم بزيادة عدد هجماته في الخارج، حتى لو كان دور التنظيم هو الإلهام وليس التنظيم، فيبقى اسمه في الأخبار، ويظهر أنه لا يزال يحظى بأتباع مستعدين للموت في سبيل معتقداتهم".
ويبين الكاتب أن "أحد مكامن القوة لدى التنظيم خلال ذروة نجاحه عام 2014، هو أنه كان بإمكانه الادعاء بأنه هزم جيوشا أفضل تسليحا بعون الله، وبعد خسارته لمعظم المساحات التي كان يسيطر عليها فإنه لا يستطيع الادعاء بمثل هذا الأمر، بالإضافة إلى أن علامات الهزيمة المعنوية كانت واضحة في الحويجة، حيث استسلم مئات من مقاتلي التنظيم للأكراد، لكن هذا لا يحصل في كل مكان: ففي الرقة لم يستسلم من مقاتليه سوى 15 مقاتلا خلال ثلاثة أسابيع".
وتفيد الصحيفة بأن "تنظيم الدولة يعاني من هزائم ثقيلة، لكن من السابق لأوانه الاعتقاد بأنه انتهى تماما، حيث توقعت قياداته أنهم مهما قاتلوا فإنهم سيخسرون الموصل والرقة في النهاية، وللاستمرار فإنهم أعدوا مخابئ تحت الأرض في الصحراء وشبه الصحراء بين العراق وسوريا، حيث يمكنهم تجنب العاصفة، وربما العودة خلال عدة سنوات، وقد نجح التنظيم بفعل ذلك سابقا، بعد أن هزمتهم أمريكا مع العرب السنة عام 2006- 2008، وعادوا بشكل أقوى بعد عام 2011، عندما كان الوضع السياسي في المنطقة مواتيا".
ويذهب التقرير إلى أنه "يمكن أن يحصل هذا مرة أخرى بمجرد أن يبدأ هذا التجمع الغريب، الذي ضم دولا ومنظمات، من أمريكا إلى إيران إلى الجيش السوري وحزب الله والمليشيات العراقية، بالتفكك، لكن عودة تنظيم الدولة مرة أخرى تبقى احتمالا غير متوقع؛ لأن خروج التنظيم قبل ثلاث سنوات صدم القوى الإقليمية والدولية، وستكون على حذر من السماح له بأن يعود للحياة ثانية".
وينوه كوكبيرن إلى أنه لا تزال لدى تنظيم الدولة نقاط قوة؛ فآخر تسجيل لقائده أبي بكر البغدادي يشير إلى أنه لا يزال على قيد الحياة، مشيرا إلى أنه ما دام ذلك صحيحا فإن من الصعب إعلان تنظيمه ميتا.
وتقول الصحيفة إن "أيديولوجية تنظيم الدولة ستعيش، تغذيها الانقسامات الطائفية بين السنة والشيعة في المنطقة، فهذه الفروقات تعمد التنظيم تبنيها من خلال المذابح التي ارتكبها على مدى السنوات الثلاث الماضية، وبعض الشباب السنة الذين حرص التنظيم على أن يؤثر عليهم من خلال دعايته، سيبقون مخلصين لقضيته، بالإضافة إلى أن احتلال مناطق الأكثرية السنية من القوات الحكومية العراقية والسورية أو المليشيات الموالية لها قد يثير استياء لدى السنة".
وتختم "إندبندنت" تقريرها بالقول: "مع ذلك، فإن هناك رابحين وخاسرين في الصراع في سوريا والعراق، وإن كان إدراك ذلك سيأخذ وقتا، وقد استفاد الأكراد من الحرب ما مكنهم من إقامة إقليم كردستان العراق منذ عام 1991 وروجافا في سوريا منذ عام 2011، بالإضافة إلى أن مستوى العنف يتراجع، وهذا ما يضعف تنظيم الدولة الذي يعمل على أكمل وجه في أجواء العسكرة التي يتم فيها تحديد كل شيء بالبندقية، فقد يعيش تنظيم الدولة كقوة حرب عصابات خطيرة، لكنه لن يشكل التهديد القاتل الذي شكله في السابق".