بلومبيرغ: هل تنجح خطة ابن سلمان بعد عامين على إطلاقها؟

ويستدرك الموقع بأنه بعد عامين من الإعلان عن خطة التحول، فإن المسؤولين يتصارعون مع سؤال حول كيفية توفير المال، وفي الوقت ذاته تسريع التغييرات الاجتماعية دون شل الاقتصاد، والتصادم في الوقت ذاته مع المؤسسة الدينية، ولهذا السبب قامت الحكومة قبل رفع الحظر عن قيادة السيارات للمرأة باعتقال العلماء المستقلين والناشطين الآخرين. 

وينقل التقرير عن لويد بلانكفين، المدير التنفيذي لـ"غولدمان ساكس إنكفي" منبر بلومبيرغ الاقتصادي الدولي، الذي عقد الشهر الماضي في نيويورك: "هذا تحد كبير للبلد، وسيترك تداعيات عظيمة على العالم"، مشيرا إلى أن في الوقت الذي يجب فيه أن تكون هناك حاجة ملحة، فإن هناك أيضا يجب الحذر؛ حتى يؤدي التغيير الذي تحتاجه البلاد لتحقيق الاستقرار من جهة لزعزعته من جهة أخرى، ومن هنا، فإن الفشل في الحصول على الأجوبة الصحيحة سيترك البلد معلقا - ملكية مطلقة بمصادر تتراجع لتدعم نسخة غير مستقرة من الرأسمالية، ومن هنا سيشعر السعوديون بالقلق، وسيتوقف الاقتصاد.

وينقل الموقع عن وزير المالية محمد الجدعان، قوله إن الدولة قد تقوم بقطع الدعم عن السلع الرئيسية بطريقة تدريجية لتخفف أثرها على المجتمع، مشيرا إلى أن سلسلة من المقابلات التي أجراها الموقع مع عدد كبير من المستثمرين والمحللين ومديري الشركات والدبلوماسيين ومستشاري الحكومة، أظهرت أن الاقتصاد لا يترنح من تخفيض النفقات، التي تبعت انهيار أسعار النفط، والمواجهة مع قطر، التي تعد عرضا جانبيا مكلفا. 

ويورد التقرير نقلا عن رجل الأعمال تركي الرشيد، قوله: "المشكلات الإقليمية- قطر، اليمن، سوريا، العراق- كلها مفتعلة"، وأضاف أن الفشل في تحقيق نمو مستمر يعد "تهديدا حقيقيا". 

ويعلق الموقع قائلا إن الرشيد لم يتخل عن دعمه لرؤية 2030، لكنه يتذكر المحاولات السابقة التي انتهت بالفشل، وأشار إلى المبادرة التي عرفت بـ"رؤية المستقبل للاقتصاد السعودي عام 2020"، وكيف نظم لها  400 ورشة عمل، وجاءت المحاولة الأخيرة كرد فعل على انهيار أسعار النفط عام 2014 .

ويفيد التقرير بأنه من أجل تجنب تراجع كارثي في الأموال، فإن الأمير ومستشاريه قاموا بإلغاء المشاريع التي رأوا أنها غير ضرورية، وتم وقف الدعم المكلف وكذلك الدفع للمتعهدين، مستدركا بأنه رغم اعتبار سياسة التقشف ضرورية لوقع العجز الضخم في الميزانية، إلا أنها تركت أثرا واضحا على النمو الاقتصادي، الذي سادته حالة من الركود، خاصة في القطاع غير النفطي، وتراجعت في الوقت ذاته ثقة المستهلك، وانخفضت مصاريفه، وزادت نسبة البطالة بين السعوديين بثلاثة أرباع، خاصة بين من هم تحت سن الـ40 عاما، وتأثر العقد الاجتماعي التقليدي، الذي كان يقوم من خلاله الحاكم بالإنفاق وبكرم لاسترضاء مواطنين يعيشون في ظل قيود مشددة. 

وينوه الموقع إلى أن العائلة المالكة لم تبد استعدادا لمشاركة المواطنين في الأعباء، ففي الزيارة الأخيرة التي قام بها الملك سلمان لروسيا، رافقه فيها 1500 من الحاشية، وسلم من الذهب وسجاده الخاص، وحجز فندقين راقيين في موسكو، بحسب أشخاص علموا بتفاصيل الزيارة. 

ويشير التقرير إلى تراجع القوة الشرائية، من خلال مثال شركة حلمي نتو للبصريات، التي بدأت منذ ثلاثة أعوام، حيث يقول نتو، الذي يدعم "رؤية 2030": "نحن ننزف"، وأضاف أن التراجع في النمو الاقتصادي حوله من "نجم روك" إلى "فلاح لا يعرف شيئا". 

ويذكر الموقع أن ثائر العتيبي، الذي يملك ثلاثة مقاه في الرياض، يحاول الحفاظ على تجارته بعد تراجع المبيعات بنسبة 35%، حيث يقول: "نفضل لو ساعدتنا الحكومة، وليست لدي فكرة كيف"، واشتكى عدد من رجال الأعمال في أحاديث خاصة من أن قرار الحكومة وقف الدفع قد أضر بأعمالهم والثقة بالاستثمار، وقال آخرون إن "رؤية 2030"، وإن كانت ضرورية، إلا أنه تم التعجل بها، واعتمدت على حلول سريعة بدلا من التغير التدريجي، لافتا إلى أن عددا من السعوديين رفضوا، في أحاديثهم الخاصة، الخطة كلها؛ كونها تعتمد على المستشارين الأجانب لا يعرفون إلا القليل عن السياق الاجتماعي والسياسي للمملكة. 

ويلفت التقرير إلى أن الأرقام الرسمية تكشف أن الدخل الإجمالي للقطاع غير النفطي المهم لخلق فرص عمل لم يتوسع كثيرا في الربعين الأولين من هذا العام، فصناعة البناء التي تراجعت بسبب خفض النفقات قد تقلصت منذ عام 2016، مستدركا بأنه رغم الحديث عن تنويع الدخل من القطاع، فإن تقليل الفجوة في الميزانية هذا العام جاء نتيجة لزيادة تصدير النفط هذا العام. 

ويقول الموقع: "لو كان التاريخ دليلا، فإن الاقتصاد غير النفطي قد يبدأ من سنوات الركود، حيث ظل الدخل القومي العام من القطاع غير النفطي يكافح مع زيادة عدد السكان في عقدي الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، وعلى خلاف الفترات الماضية، فإن فرص صعود أسعار النفط بشكل ينقذ الوضع الاقتصادي ضئيلة اليوم، ولهذا يحتاج الأمير ابن سلمان لتوفير فرص العمل، والتخفيف عن القطاع العام المتضخم، نموا في الأعمال". 

وينقل التقرير عن إيملي هوثورن من الشركة الاستشارية في تكساس "ستراتفور"، قولها إن "الوضع حرج بالنسبة لهم في الوقت الحالي، وهم بحاجة لشيء ينمي القطاع الخاص"، لافتا إلى أن السلطات السعودية أخبرت صندوق النقد الدولي أنها تخطط لدعم عدد من الصناعات ومساعداتها للتكيف مع ارتفاع أسعار الكهرباء والماء، وستقوم هيئة الاستثمار العامة بقيادة جهود الاستثمار في الصناعات الترفيهية والتنقيب عن المعادن والدفاع. 

ويذكر الموقع أن الأمير ابن سلمان قال في خطاب ألقاه في أيار/ مايو، إن هيئة الاستثمار العامة ستنفق نصف المال الذي سيولد من خلال بيع أسهم في "أرامكو" على الاستثمارات المحلية، منوها إلى أن حجم المال من البيع ووقته غير معلومين، خاصة أن السعوديين يفكرون بتأخيره حتى عام 2019، بحسب مصادر مطلعة. 

ويورد التقرير نقلا عن هيئة الاستثمار، قولها  في 9 تشرين الأول/ أكتوبر، إنها ستخصص 1.1 مليار دولار لدعم الأعمال الصغيرة والمتوسطة، وأعلنت عن سلسلة من المشاريع الضخمة في البلاد، من مثل إنشاء شركة للترفيه بقيمة 2.7 مليار دولار؛ في محاولة لفتح المجتمع، وتوفير النفقات التي ينفقها السعوديون في رحلاتهم السياحية في الخارج. 

وبحسب الموقع، فإن اليوم الوطني شهد رقص شباب وشابات سعوديين على وقع الموسيقى وصوت "دي جي"، وهو أمر لم يكن متخيلا في المملكة، حيث تحتوي المطاعم على صالات خاصة بالرجال وأخرى للنساء، مشيرا إلى أنه في زيارة الملك سلمان لروسيا تم عرض ثلاثة أفلام لمخرجين سعوديين، منها واحد حصل على جائزة في مهرجان دبي للأفلام، وبالنسبة للمخرج أيمن جمال (45 عاما)، الذي تحول لصناعة الأفلام بعدما عمل في البنوك، فإن رؤية 2030 هي "العصر الذهبي" لصناعة الفيلم الناشئة في المملكة، حيث يقول: "لقد خلقت الرؤية فرصا ونماذج جديدة وقطاعات، لكنها خلقت تحديات للتقليديين، سواء من ناحية نماذجهم التجارية، أو الهامش الكبير". 

ويرى ياسر الرميان، وهو أحد المقربين من الأمير ابن سلمان، أن التفاؤل هو صورة عن القبول لرؤية 2030 بعد الرفض القوي لها، فيما يقول آخرون، مثل مدير شركة حاجي حسين علي رضا وشركاه، التي تبيع العربات بأنواعها كلها، علي رضا، إن هناك ميلا للتعلم من الأخطاء بدلا من التغطية  عليها، ويضيف رضا: "ما شاهده القطاع الخاص هو أن الحكومة لا تعرف كل شيء، وأن بعض القرارات التي اتخذت ألغيت". 

وينوه التقرير إلى أن الملك سلمان أعاد العلاوات في نيسان/ أبريل، بعد ستة أشهر من قطعها، حيث أثرت سياسة التقشف على الإنفاق، وأضرت بنمو الاقتصاد، مشيرا إلى أن الحكومة تحاول في الوقت ذاته دفع السعوديين للعمل في القطاع الخاص، وتم تقييد أعمال بالمواطنين السعوديين، فيما رفعت رسوم العمال الوافدين والمرافقين لهم، بشكل زاد الكلفة على الشركات لاستقدام عمال أجانب. 

وينقل الموقع عن محمد (40 عاما) وهو متعهد صغير، قوله إنه لم يستطع العثور على سعوديين للعمل في أعمال يدوية، ولهذا قام بتزوير عقود، ودفع 1500 ريال شهري لسعوديين مقابل البقاء في بيوتهم حتى يطبق الكوتا المطلوبة منه.

ويختم "بلومبيرغ" تقريره بالإشارة إلى قول تاجر البصريات نتو، إنه أغلق أربعة من محلاته في جدة، وتعلم العيش ضمن ميزانية محددة، وأصبح تناول الطعام في الخارج مناسبة لا روتينيا يوميا، وكذلك مصاريف الصالون لزوجته والتدليك، وقرر استبدال رحلة لمدة شهر لزيارة ديزني لاند في أمريكا برحلة لمصر.