يعد
الاندماج بين الألمان و
المهاجرين -خاصة من
المسلمين- في المجتمع، من أهم النقاشات التي لا يزال صداها يتفاعل بشكل كبير داخل ألمانيا.
ومع الجدل الكبير الذي أحدثه هذا المصطلح داخل البلاد، لا سيما مع موجة اللجوء الأخيرة، فقد أصبح الاندماج من أهم الشروط الأساسية للبقاء في ألمانيا الاتحادية، بقرار من الحكومة الألمانية.
ولكن، مع وضوح بأن المقصد من الاندماج هو اللغة والتواصل مع المجتمع والعمل، ثمة من يخلطون بينه وبين الانصهار، من العرب والألمان.
لا مطالب بالانصهار
وقال مدير مركز برلين إنسايدرز، ناصر جبارة، في هذا الصدد: "إن الجدل حول مفهوم الاندماج بألمانيا له سببان؛ أولهما أن الحكومة لا تريد تكرار أخطاء أخرى ارتكبتها مع موجات لجوء سابقة. ولكن، أن يأتي الاعتراف بالخطأ متأخرا خير من ألّا يأتي".
وأضاف لـ"
عربي21": "أما السبب الآخر، فهو الأعداد الكبيرة للاجئين التي دخلت البلاد، لا سيما مع موجة عام 2015".
وأوضح جبارة أن الاندماج يبدأ أولا بتعلم اللغة الألمانية، وهذا يعطي الفرصة للاختلاط بالمجتمع، وأن العمل أمر مهم جدا بهذا الصدد.
ولفت إلى أنه "لا أحد يطالب بانصهار المسلمين أو المهاجرين في المجتمع الألماني، وهذا لا يعني أنهم مطالبون بمخالفة شعائر دينهم" .
وحول إجراء صحفي ألماني مقابلات مع لاجئين مسلمين، وسؤاله لهم عن الخمر والجنس والخنازير، وربطه ذلك بمعايير للاندماج، اعتبر مدير مركز برلين إنسايدرز، أن هذا لا يعبر عن موقف الحكومة، والدليل بأنها تعدّ الإسلام جزءا من البلد، "بل إن هذا العمل يأتي في سياق الصحافة الصفراء" .
للاندماج طرفان
أما فيما يتعلق بتقبل الألمان للمسلمين، فأكد جبارة بأن للاندماج طرفين، وقد جزمت الدراسات بأن المسلمين مندمجون بشكل جيد جيدا في المجتمع، لكن الألمان غير متقبلين بشكل كاف للمسلم.
ويدعو مدير مركز "برلين إنسايدرز" الحكومة الألمانية لتنظيم حملات توعية لمواطنيها، لتوضح لهم بأن المسلمين ليسوا إرهابيين، وبأنهم إخوان لكم في المجتمع، مطالبا بالاعتراف بشكل أفضل بالدين الإسلامي، وقبول المهاجرين.
ورفض جبارة إطلاق مصطلح "العمال الضيوف" على من اعتبرهم -أي المسلمين- ساهموا في تحقيق ما يعرف بالمعجزة الألمانية الاقتصادية، مؤكدا أنهم أبناء للبلد، لما ساهموا في بنائه، وعاشوا سنوات طوال في أحضانه، وكثير منهم من ولد على ترابه، فضلا عن أنهم يحملون جنسيته.
عملية متبادلة
وقال دكتور الإعلام في جامعة هامبورغ، المختص بمجال الاندماج واللاجئين، وسام عامر: "إن هناك خلطا في مفهوم الاندماج، سواء كانت من منظور عربي أو حتى ألماني".
وأضاف لـ"
عربي21": "أرى أن الاندماج هو عملية متبادلة، تقوم على التكيف مع البيئة المحيطة بالإنسان، وفهم الثقافات في المجتمع الذي يقطن فيه الشخص، وهذا لا يعني انصهارا كليا، فلكل شخص عادته وتقاليده وثقافته التي نشأ بها".
وأوضح عامر بأنه "لا يمكن أن يأتي الوافد ليغير عادات وثقافة مجتمع لا توافق أفكاره وآراءه، في المقابل ليس من حق المجتمع أن يفرض على الوافد بأن يأخذ بجميع ثقافات وعادات المجتمع كمسلمات لا يمكن تغييرها، وفرض التعايش معها".
وأكد بأن هناك إشكاليات عدة تواجه الاندماج في المجتمع الألماني، وهي الخطأ في ترتيب الأولويات بالنسبة للمهاجرين، وعدم تعلم اللغة، وعدم فهم النظام والقوانين ولجوء البعض للفوضوية من ناحية، وعدم التفهم والقبول من الألمان للمهاجرين؛ بسبب بعض التصرفات الفردية السيئة، أو التصورات المسبقة، أو المغالطات، من ناحية أخرى.
تعزيز الاندماج
ويرى أنه لا بد من القيام بخطوات عدة لتعزيز الاندماج في المجتمع، كأن يتم الالتحاق بالمؤسسات والجمعيات الألمانية المجتمعية، والتركيز على اللغة والتعليم، فهما المفتاح لتسهيل الاندماج والتمسك بالإيجابيات والابتعاد عن السلبيات، بالإضافة لفهم الهوية والثقافة الألمانية كأساس للانطلاق في التكيف مع المجتمع.
وأشار عامر إلى أن هناك تجارب كثيرة ناجحة لعرب ومسلمين في المجتمع الألماني -سواء ممن قدموا قديما أو حديثا- فمثلا هناك فلسطينيون قدموا بداية التسعينيات لألمانيا، ويحتلون الآن مناصب كبيرة في المستشفيات الألمانية، وكثير من المحاضرين العرب ومسؤولي الكليات العلمية ومراكز الأبحاث، ولكن بسبب عدم مشاركتهم الفاعلة في لقاءات اجتماعية في المجتمع يختفي أو يقل أثرهم.
وأكد عامر أن هناك قصورا في فهم بعض الألمان لبعض الثقافات، خصوصا العربية والإسلامية، ودرايتهم بالتجارب الناجعة بالمجتمع، وهذا يصعب من المهمة.
واعتبر عامر بأن تنظيم لقاءات وورشات عمل ومؤتمرات شعبية علمية؛ للتعريف وزيادة وعي المجتمع الألماني بالثقافة العربية والإسلامية، ضرورة حتمية لجعل المجتمع الألماني أكثر تقبلا للعرب والمسلمين.
وكان مؤسسة "بيرتلسمان" الإعلامية المرموقة نشرت دراسة في آب/ أغسطس الماضي، أظهرت فيها أن المسلمين في ألمانيا غير مقبولين في المجتمع الألماني، مقارنة مع دول أوربية غربية أخرى، رغم أنهم مندمجون بشكل جيد جدا.
الجدير بالذكر بأن عدد المسلمين في ألمانيا يبلغ 4.7 مليون، غالبيتهم من الأتراك.