ماكين: نحتاج إلى استراتيجية للشرق الأوسط

نشرت صحيفة "نيويوك تايمز" مقالا للسيناتور الجمهوري جون ماكين، يقول فيه إن الاشتباكات التي حصلت هذا الشهر بين عناصر من قوات الأمن العراقية والقوات الكردية في ضواحي كركوك أمر مقلق جدا، وبالذات بسبب العلاقة الحميمة لأمريكا بالأكراد. 

ويقول ماكين في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إن "هذه الاشتباكات ترمز إلى حقيقة أكثر إزعاجا: فعدا عن الانتصار التكتيكي الذي حققته أمريكا في حربها ضد تنظيم الدولة، فما ينقص أمريكا هو الاستراتيجية المتكاملة نجاه الشرق الأوسط بتعقيداته كلها". 

ويضيف الكاتب: "هذا هو الإرث المؤسف الذي خلفته إدارة أوباما لخليفته، وتعد دعوة الرئيس دونالد ترامب هذا الشهر لاستراتيجية واسعة لمواجهة التدخل الإيراني المؤذي في الشرق الأوسط مؤشرا مشجعا على أن الإدارة تدرك المشكلة".

ويستدرك ماكين بأنه "بعد ذلك الخطاب بأيام، كانت هناك تقارير بأن قائد قوات القدس، قوات النخبة في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، تواجد بالقرب من كركوك؛ لترتيب زحف عسكري على مواقع الأكراد من المليشيات الشيعية الموالية لإيران لدعم القوات العراقية، وعندما تم الزحف على تلك المواقع استخدمت القوات العراقية معدات قدمتها أمريكا، بحسب التقارير". 

ويعلق الكاتب قائلا إن "هذا غير مقبول تماما، حيث أن أمريكا وفرت الأسلحة والتدريب للحكومة العراقية لقتال تنظيم الدولة، ولحماية العراق من التهديدات الخارجية، وليس لمهاجمة الأكراد العراقيين، الذين هم شركاء أمريكا الأكثر ثقة وقدرة في المنطقة".

ويشير ماكين إلى أن "تحالف الأكراد مع أمريكا حماهم لعقود من الهجمات من داخل العراق وخارجه، وحافظ في الوقت ذاته على مصالح الأمن القومي الأمريكي، وفي السنوات القليلة الماضية، أصبح الأكراد حلفاء أقرب، وقاتلوا إلى جانب أمريكا ضد تنظيم الدولة".

ويقول الكاتب: "دعوني أكون واضحا: إن لم تستطع بغداد أن تضمن الأمن والحرية والفرص للأكراد في العراق، وكان على أمريكا أن تختار بين المليشيات التي تدعمها إيران والشركاء الأكراد القدامى، سأختار الأكراد".  

ويبين ماكين أن "الاشتباكات في كركوك تظهر أعراض مشكلة أعمق فشلت أمريكا في معالجتها على مدى سنوات عديدة: داخل الدول أو بينها، فالنظام الإقليمي في الشرق الأوسط يتداعى بشكل سريع، كما بدأت القوة والنفوذ الأمريكي بالانحسار هناك، وذلك بشكل كبير؛ لأن أمريكا انسحبت من هناك على مدى الثماني سنوات الماضية، وبدأت القوى المعادية لأمريكا بملء الفراغ الناتج". 

ويلفت الكاتب إلى أنه "في الوقت الذي بقيت فيه الإدارة الحالية، كسابقتها مركزة على هزيمة تنظيم الدولة -التي هي ضرورية طبعا- فإن أعداءنا يستغلون الفرصة في المساحات الأخرى كلها". 

ويقول ماكين: "يبدو أن أمريكا لا تزال تستمتع بنشوة النصر بعد تحرير الموصل هذا الصيف، وفي الوقت ذاته تقوم إيران بزراعة بذور الفرقة داخل العراق، كما رأينا في كركوك، وتحرك السياسة العراقية لمعاداة أمريكا، وتحويل انتخابات العام القادم إلى تراجع أستراتيجي يطرد النفوذ الأمريكي من البلد". 

وينوه الكاتب إلى أنه "عبر الحدود في سوريا، قام نظام الأسد، مدعوما من روسيا وإيران وحزب الله ومجموعة من المليشيات، باستعادة السيطرة على معظم البلد، بما في ذلك مناطق في الشرق السوري، تعدها أمريكا مناطق ذات أهمية استراتيجية، ويتم تحديد مستقبل سوريا بالقوة على الأرض، وبقليل من المبادرة الأمريكية".

ويحذر ماكين من أن "هناك نسيجا من وكلاء إيران يمتدون من شرق الأبيض المتوسط إلى الجزيرة العربية، مهددا الاستقرار وحرية الملاحة وأراضي شركائنا وحلفائنا، بما في ذلك الأسلحة التقليدية المتقدمة، وتستمر إيران في إجراء التجارب على الصواريخ البالستية، وتزعج جيرانها، وتستخدم الأموال التي حصلت عليها من رفع العقوبات لأهداف ضارة".

ويقول الكاتب: "حلفاؤنا من الدول العربية مشغولون بخلافهم الدبلوماسي مع قطر، في وجه تهديدات أكثر خطورة بكثير، وخلف هذا كله ظلت روسيا فلاديمير بوتين تستعيد نفسها بصفتها قوة إقليمية تنشط ضد المصالح الأمريكية، ولا تهمها أبدا حقوق الإنسان ولا الحياة المدنية".

ويذهب ماكين إلى أن "هذه مجموعة مشكلات معقدة بالتأكيد، لكن يحتاج الأمريكيون أن يفهموا التحدي الأكبر: للشرق الأوسط أهمية حيوية لمستقبل الأمن والاقتصاد العالميين، وكلاهما مهم للشعب الأمريكي، والآن هناك شبكة من القوى المعادية لأمريكا، تعمل إحيانا مع بعضها، وأحيانا أخرى وحدها؛ لطرد النفوذ الأمريكي من الشرق الأوسط، وإعادة ترتيب المنطقة بطريقة تعارض مصالحنا وقيمنا، يفعلون ذلك بدعم الإرهابيين والمليشيات، ويخربون مصالح أصدقائنا ويخوفونهم، ويقومون باستبدالنا دبلوماسيا، وينشرون تكنولوجيا عسكرية مقلقة، تجعل الوجود الأمريكي في المنطقة أكثر صعوبة وخطورة". 

ويخلص السناتور الجمهورري إلى القول: "إن بقينا نسير نائمين في الاتجاه ذاته، فقد نصحو في المستقبل القريب لنجد أن النفوذ الأمريكي انتهى في أهم مناطق العالم، وهذا هو السبب الذي يجعل من الضروري أن يهتم الأمريكيون بما يحصل في الشرق الأوسط الآن، ولذلك يجب علينا أن نقف مع أصدقائنا الحقيقيين، مثل الأكراد، ولذلك نحتاج الآن أكثر من أي وقت آخر إلى استراتيجية تلفت نظرنا إلى أبعد من المستوى التكتيكي، وتفصل المستعجل عن المهم حقيقة".