بات تنظيم الدولة في العراق وسوريا بين فكي كماشة بعد الإعلانات المتزامنة لكل من القوات العراقية وقوات الحشد الشعبي من جهة والنظام السوري من جهة أخرى عن تحضيرات للهجوم على كل من القائم العراقية والبوكمال آخر معاقل التنظيم بسوريا.
ويعد الهجوم على البوكمال السورية أحد أهم الأهداف الاستراتيجية الإيرانية في سوريا لأنه يشكل نقطة عبور آمنة لممر طهران دمشق بيروت وصولا إلى المياه الدافئة على المتوسط بالإضافة لما يمثله من أهمية للنظام السوري والروس كمنطقة نفوذ وثروات نفطية ومعابر حدودية مع العراق.
اقرأ أيضا: النظام وحزب الله ينتزعان محطة نفطية من تنظيم الدولة
تنظيم الدولة وخلال الأيام القليلة الماضية تقهقر بشكل كبير باتجاه البوكمال على الحدود مع العراق بعد خسائره المتلاحقة في دير الزور وخسارته حقول النفط المنتشرة في تلك المناطق وتمركز قوات النظام السوري على مسافة أقل من 74 كيلومترا من البوكمال.
وعلى الرغم من تحذيرات التحالف الدولي السابقة للنظام السوري والمليشيات الإيرانية من الاقتراب من محيط التنف وقيامه بقصف أحد الأرتال المتحركة صوب المعبر الحدودي ومحيطه قبل أشهر إلا أنه وعلى ما يبدو فإن تلك المنطقة حسمت لصالح إيران ومليشياتها والنظام السوري في ظل التحضيرات للهجوم النهائي على البوكمال.
فعلى الجانب العراقي قالت القوات الجوية العراقية إنها أسقطت منشورات على منطقة القائم وراوة المجاورة للبوكمال السورية وتطالب المسلحين بإلقاء أسلحتهم لأن "الموقف حسم" بالإضافة لدعوة العراقيين الحاملين للسلاح لـ"اللجوء إلى أي بيت في القائم ورفع راية بيضاء على سطحه وانتظار القوات".
وعلى الطرف المقابل أعلن النظام السوري بدء العملية العسكرية باتجاه البوكمال من خلال التمهيد الناري، وفقا لما أوردته صحيفة "الوطن" السورية التابعة للنظام السوري في أعقاب السيطرة على بلدة محكان على الضفة الجنوبية لنهر الفرات في دير الزور.
هجوم متزامن
الخبير العسكري السوري العميد أحمد الرحال قال إن الهجوم العسكري ضد تنظيم الدولة هذه المرة سيكون من عدة محاور وجبهات سواء من طرف القوات العراقية أو من طرف النظام السوري.
وأوضح الرحال لـ"عربي21" أن القوات العراقية المسنودة بالحشد الشعبي تتجه من طرف راوة إلى القائم البعيدة عن البوكمال 3 كيلومترات، في الوقت الذي سيطرت فيه قوات النظام والمليشيات الإيرانية والمساندة بعد عملية "فجر 3" على محور الحميمة البعيد عن البوكمال 70 كيلومترا لتأمين خط الهجوم.
وأشار إلى أن وجود القوات العراقية والحشد إلى الجانب العراقي بالقائم وتدفق النظام تجاه البوكمال يعني أن هناك تنسيقا واضحا لإكمال "الهلال الشيعي" وممر إيران من طهران مرورا بالتنف ثم البوكمال وصولا للبحر المتوسط.
وعلى صعيد خطوط الهجوم قال الرحال إن الهجوم من الجهة العراقية سيبدأ من محاور في راوة صوب القائم والمعبر الحدودي وعلى الطرف الآخر المحور الأول الحميمة البوكمال والـ"تي 2" والمحور الثاني من الميادين صوب البوكمال وهناك محور من مناطق الصور والبصيرة و"التينغ".
وبشأن تنظيم الدولة ومناطق السيطرة المتبقية له أوضح الرحال أنه لم يتبق له سوى المنطقة المحصورة ما بين نهر الخابور والحدود السورية العراقية ومنطقة البادية والمناطق الممتدة من الميادين إلى البوكمال على طول 100 كم على ضفتي نهر الفرات.
وشدد على أن تنظيم الدولة الآن فقد الأهداف الاستراتيجية لقتاله وبدأ يتبع أهدافا تكتيكية تعتمد على الإنهاك والاستنزاف والتأثير على المهاجمين والانكماش تجاه الحدود.
وأضاف الرحال أن "تنظيم الدولة لن ينتهي بانتهاء العمل العسكري"، وأشار إلى أن ما حصل كان تفكك الوحدات العسكرية الكبيرة واتجاه المقاتلين نحو المدن في العراق وسوريا وصوب الصحراء الواسعة علاوة على وجود مسلحين للتنظيم في وادي حوران على امتداد 600 كيلومتر.
ويرى بأن التنظيم سيتنشر في الصحراء يقوم بهجمات معاكسة وإغارات لإيقاع خسائر متواصلة، لافتا إلى أن هذا النوع من التنظيمات لا يمكن أن ينتهي بالعمل العسكري فقط.
إيران والمياه الدافئة
بدوره قال الباحث السياسي معن طلاع إنه ومنذ انتهاء معارك البادية بدأت ملامح القوى الفاعلة في سوريا تظهر وانحصرت في إيران ومليشياتها والروس والتحالف الدولي وبدأت عملية التهافت على دير الزور لأن المنتصر فيها سيرسم حتما ملامح الخريطة السياسية القادمة.
وأوضح طلاع لـ"عربي21" أن إيران كانت "تلهث بقوه وراء امتلاك الخط الرابط ما بين العراق وسوريا عبر التنف لكن التحالف الدولي عرقلها لفترة معينة".
وأضاف أن "البراغماتية التي يتمتع بها التحالف وعدم قدرة أمريكا على محاصرة إيران بسبب نفوذها المناطق المجاورة لها رجح كفة أن يكون النظام المتصدر للعمل العسكري لدحر تنظيم الدولة من الجهة السورية من الحدود".
وأشار إلى أن الخسائر المتلاحقة لتنظيم الدولة من الرقة وحتى دير الزور" شجع النظام على التدحرج المستمر بالعمل العسكري لإنهاك تنظيم الدولة واستغلال حالة التقهقر والخسائر لإنهائه".
ويرى طلاع أن سيطرة النظام على 3 مواقع استراتيجية على الحدود مع العراق وتسليم قوات سوريا الديمقراطية حقل العمر للنظام بعد انتزاعه من تنظيم الدولة زاد مساحة سيطرة الأخير، مضيفا: "أصبحنا اليوم نتحدث عن سيطرة النظام على 70 بالمائة من مساحة الجمهورية السورية".
اقرأ أيضا.. بوبليكو: كيف يعيد تنظيم الدولة تشكيل نفسه بعد خسارة الأرض؟
وتابع: "هذه السيطرة تعني أن النظام السوري سيفرض شروطا سياسية بكل أريحية على الطاولة في أي مباحثات مقبلة للحل السياسي".
وأوضح أن النظام "استطاع تحسين هوامشه على أرض الواقع في أي تفاوض".
لكنه قال إن المسألة الهامة للغاية استراتيجيا بعد هذه السنوات من المعارك في سوريا أن النظام فقد المقدرة على أمرين: "الأول القدرة على الحفاظ على أي مكتسبات دون دعم بشري وعسكري خارجي والأمر الثاني القدرة على المبادأة في أي هجوم عسكري وهو ما يشير لخلل كبير في بنية النظام".
واعتبر طلاع أن المعركة الحالية في البوكمال تعد "إيرانية بامتياز" لما لها من أهمية على معبر طهران بغداد دمشق بيروت الاستراتيجي وملء هذا الفراغ بشكل أفقي لاستمرار فرض الشروط الإيرانية في المنطقة.
ويشير إلى أن "استماتة" إيران لخوض المعركة الحدودية في البوكمال رغم محاولة التحالف الدولي سابقا عرقلتها يعود لـ"الكلفة البشرية الكبيرة التي دفعتها إيران خلال سنوات قتالها بسوريا وهذا الاستنزاف برأيها لا بد أن يكون له هدف" على حد وصفه.
وشدد على أن إيران أصبحت قادرة الآن على تعطيل أي حل سياسي في سوريا بعد المساحة الهائلة التي امتد إليها نفوذها عبر دعم النظام ومليشياتها على الأرض.
الائتلاف: توحيد إدارة المعابر خطوة إيجابية لبناء سوريا الجديدة
الروس والنظام يتصدرون قائمة مرتكبي المجازر بسوريا
التحالف الدولي يؤكد أن تنظيم الدولة بالرقة يلفظ أنفاسه