تشهد الساحة
الإعلامية في
مصر عودة مجموعة كبيرة من الإعلاميين الذين كانوا قد أُزيحوا من المشهد واحدا تلو الآخر بعد انقلاب تموز/ يوليو 2013.
وبحسب تقارير صحفية، فإن وجوها إعلامية قديمة، أمثال محمود سعد عمرو الليثي، وعماد أديب، وإبراهيم عيسى، وخيري رمضان، وهالة سرحان، سيعودون إلى تقديم برامجهم من جديد خلال أيام بعد غياب وصل إلى عامين.
وأثارت هذه العودة الجماعية للوجوه الإعلامية القديمة، التي برزت في عهد مبارك، تساؤلات حول الأسباب التي دفعت النظام للسماح لهم بالظهور مجددا، بعد أن اعتمد منذ وصوله للسلطة استراتيجية تقوم على تأميم الإعلام والسيطرة عليه تماما، مع الاعتماد على وجوه إعلامية جديدة غير محروقة تدين له بالولاء التام.
الوجوه القديمة تعود
وكانت تقارير صحفية مصرية أكدت عودة عدد كبير من الإعلاميين المخضرمين، مع تغيير كبير في الخرائط البرامجية للقنوات الفضائية.
ومن بين العائدين؛ الإعلامي محمود سعد، الذي كان يحصل على أعلى أجر بين الإعلاميين قبل ثورة كانون الثاني/ يناير 2011، ومن المتوقع عودته خلال أيام إلى قناة "النهار"، بعد غياب استمر أكثر من عامين، لكن عودته للشاشة ستكون عبر برنامج اجتماعي يحمل اسم "باب الخلق".
أما ثاني العائدين، فهو إبراهيم عيسى الذي كان قد رحل عن قناة "القاهرة والناس" قبل نحو عام، بعد توجيهه انتقادات حادة لمجلس النواب، ومن المتوقع عودته ببرنامج سياسي عبر قناة "أون إي"، المملوكة لرجل الأعمال أحمد أبو هشيمة.
كما تشهد الساحة الإعلامية عودة الإعلامية هالة سرحان، بعد غياب اقترب من ثلاث سنوات، حيث تعاقدت معها مجموعة قنوات "الحياة" التي اشترتها شركة "فالكون" المملوكة لجهاز المخابرات من رجل الأعمال ورئيس حزب الوفد، السيد البدوي، وأسندت لها رئاسة القنوات.
وأعلنت قناة الحياة عودة الإعلامي عمرو الليثي، الذي ابتعد عن الساحة الإعلامية منذ إذاعة حلقة سائق "التوك توك" الشهيرة، الذي انتقد فيها النظام؛ بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
وأكدت تقارير صحفية أن الإعلامي خيري رمضان، الذي رحل عن قناة النهار منذ شهور، سيعود إلى التلفزيون المصري؛ لتقديم برنامج "التوك شو" الرئيسي به، في محاولة لإعادة الحياة للتلفزيون الرسمي.
كما عاد للشاشة الإعلامي المخضرم عماد أديب، بعد نحو عامين من توقف برنامجه على قناة "سي بي سي"، حيث أعلن أخوه عمرو أديب أنه سيظهر معه كل ثلاثاء عبر برنامجه "كل يوم" على قناة "أون إي"، ليقدم تحليلا للمشهد السياسي المصري.
تجهيز لقرارات خطيرة
وتعليقا على هذا التطور الأخير، توقع الباحث السياسي محمد شوقي أن النظام يستعد لاتخاذ قرارات سياسية خطيرة تحتاج إلى دعم قوي من إعلاميين لهم ثقل في الشارع، مشيرا إلى أن النظام أيقن في الأسابيع الأخيرة أن شعبيته ضعفت كثيرا؛ بسبب إجراءاته السياسية والاقتصادية".
وأوضح شوقي، في تصريحات لـ"عربي21"، أن النظام جرب خلال الفترة الماضية الاعتماد على إعلاميين آخرين مؤيدين له تأييدا مطلقا، لكنهم أساءوا له كثيرا، مثل أحمد موسى الذي أذاع تسجيلات مسربة لحادث الواحات الذي وقع مؤخرا، وتسبب في إضعاف الروح المعنوية للشرطة بشكل كبير، وأثار بلبلة كبيرة في المجتمع المصري؛ ولذلك سمح بوجود إعلاميين قادرين على التأثير في الناس مرة أخرى.
وحول التكهنات بأن النظام تعرض لضغوط من قبل أجهزة أمنية في الدولة من أجل إعادة ظهور هؤلاء الإعلاميين على الشاشة مجددا، قال الباحث السياسي محمد شوقي إنه لا يعتقد صحة هذا الرأي، مشيرا إلى أن النظام يتعرض باستمرار لضغوط منذ وجوده قبل أربعة أعوام، ولا يكترث بها، ويفعل ما يحلو له.
ضغوط دولية
لكن أستاذ العلوم السياسية، مصطفى علوي، رأى أن النظام قد يكون تعرض لضغوط دولية دفعته إلى اتخاذ هذا القرار، مشيرا إلى أن عبد الفتاح
السيسي يواجه انتقادات كبيرة في كل محفل دولي يشارك فيه؛ بسبب تدهور حقوق الإنسان في البلاد، ومن الممكن أن تكون إعادة الوجوه الإعلامية القديمة هدفها توصيل رسالة للرأي العام العالمي بأن الإعلام في مصر حر، ويمارس عمله دون قيود؛ بدليل وجود شخصيات معارضة للنظام تظهر على الشاشة كل يوم.
وأضاف علوي، لـ"عربي21"، أن "الإعلاميين الذين يتصدرون المشهد الإعلامي غير مؤثرين في الشارع، ولا يصلحون لممارسة دورهم، مؤكدا أن القنوات الخاصة التي سيطر عليها النظام لتصبح ناطقة باسمه لا تمتلك إلا مجموعة من الكوادر الإعلامية، التي لا تصلح لممارسة دورها؛ لأنهم لا يفقهون ألف باء الإعلام، ولا يعرفون قواعد المهنة.
وتابع: "النظام وجد نفسه محصورا بين كوادر قديمة ذات شعبية ومؤثرة في الشارع، وبين الاعتماد على وجوه جديدة فشلت في ملء الفراغ الذي تركه القدامى، وفي النهاية اختار العودة للوجوه القديمة بعد أن تعرضت لما يشبه قرصة الأذن، وعرفت أن النظام يمكنه أن يحيلها للتقاعد في أي لحظة إذا تجاوزت الخطوط الحمراء.