كتبت منذ
ما يزيد عن العام والنصف؛ عن أنه "في كل مرة تحدث فيها عملية إرهابية، ينبري البعض
للاستثمار السياسي الفج في الدم؛ عوض الاستثمار في الوحدة الوطنية وتقوية اللحمة
الداخلية".
يستنجد السبسي بحادثة إرهابية للركوب عليها، واعتبار أن الحل الوحيد لمكافحة الإرهاب وصد الاعتداءات الإرهابية على الأمنيين هو مشروع قانون تقدم به حزبه
أمام المأزق متعدد الأوجه
للباجي قائد السبسي ومنظومة حكمه، سواء من إفلاس سياسي أو أزمة اقتصادية وارتهان
الدولة في قوانين تطبيع الفساد، يستنجد مرة أخرى بحادثة إرهابية للركوب عليها،
واعتبار أن الحل الوحيد لمكافحة الإرهاب وصد الاعتداءات الإرهابية على الأمنيين هو
مشروع قانون سبق أن تقدم به حزبه؛ لا يمثل أي إضافة في محاربة الإرهاب، بقدر ما
يرسخ منطق دولة أمنية لا غير.
فمباشرة،
إثر العملية الإرهابية الجبانة التي تمثلت في طعن ضابطي أمن يوم الأربعاء الماضي،
سارع السبسي إلى إعطاء "الأولوية القصوى" في البرلمان لمشروع القانون من
عشرين فصلا، رقم
2015/25، ويتعلق بزجر الاعتداء على الأمنيين. فوق ذلك، بادرت بعض النقابات الأمنية
لوضع أجل أمام رئيس البرلمان لتمرير القانون، خاصة بعد إعلانه أنه سيتم عرض
المشروع على استشارة المجتمع المدني، بل وهددت في بيانها بأنها سترفع أي حماية أمنية
على النواب أو أي مسؤول سياسي؛ في حال لم يتم تمرير القانون.
تفاصيل القانون تحيل على مدخل خطير لاستعمال القوة القاتلة بشكل غير مبرر
لن يكون هناك أي داع
للاعتراض على القانون، لا سيما إذا كان هدفه الأساسي والفعلي حماية الأمنيين
وعائلاتهم، خاصة في حالة تعرضهم لاعتداءات، غير أن تفاصيله تحيل على مدخل خطير لاستعمال القوة القاتلة بشكل
غير مبرر. يتعلق ذلك تحديدا بالفصل 18 الذي ينص على: "لا تترتب أية مسؤولية
جزائية على عون القوات المسلحة الذي تسبب، عند دفعه لأحد الاعتداءات التي تتكون
منها الجرائــم المنصوص عليها بالفصول 13 و14 و16 من هذا القانون، في إصابة
المعتدي أو في موته، إذا كان هذا الفعل ضروريا لبلوغ الهدف المشروع المطلوب تحقيقه؛
حماية للأرواح أوالممتلكات، وكانت الوسائل المستخدمة هي الوحيدة الكفيلة برد
الاعتداء وكان الردّ متناسبا مع خطورتـه".
المنظمات الحقوقية الدولية،
وعلى رأسها منظمة "العفو الدولية"، سبق أن انتقدت بشدة القانون. وجاء في
بيانات وتصريحات المنظمة؛ أن هذه المبادرة التشريعية "سوف تُقوَّض على نحو
خطير تعهدات السلطات التونسية المتعلقة بإجراء إصلاحات لقطاع الأمن، إذا ما مضت
الحكومة قُدما بطرح مشروع القانون المعروف باسم "قانون زجر الاعتداءات على الأمنيين"،
والذي من شأنه منح الحصانة من التتبع القضائي لأفراد قوات الأمن من أجل الاستخدام
غير الضروري للقوة المميتة، وكذلك تجريم أي انتقاد لسلوك الشرطة. ومن الممكن أن
يُعاد طرح مشروع القانون على مجلس نواب الشعب خلال الشهر القادم". وقالت
مسؤولة المنظمة هبة مرايف: "إن تعهدات السلطات التونسية، بوضع حد لإفلات
أفراد قوات الأمن من العقاب؛ ستكون بلا معنى إذا ما مضت السلطات قُدما بطرح مشروع
قانون يمنح قوات الأمن الحماية من التتبع القضائي من أجل
انتهاكات حقوق الإنسان.
ويجب على السلطات أن تبرهن التزامها بالوفاء بوعودها التي قطعتها (..)، وذلك
بالتخلي عن مشروع القانون فورا".
الحقيقة أن كل القوانين
القائمة، وأهمها قانون مكافحة الإرهاب، يتضمن أقصى العقوبات وأشدها لتتبع المحكوم
عليهم الإرهاب، ولا نحتاج قوانين جديدة لتشديد العقوبات، خاصة الفصول 13 و14 و15،
وتتضمن عقوبات شديدة في كل الحالات التي تتضمن أي نوع من الإضرار المادي أو المعنوي
بالقوات الحاملة للسلاح.
القانون الذي تقدمه الحكومة هنا؛ لا يتضمن بشكل واضح ما هو أهم، أي الإحاطة طويلة الأمد بالأمنيين وعائلاتهم في حالة الإضرار بهم
يبقى أن القانون الذي تقدمه
الحكومة هنا؛ لا يتضمن بشكل واضح ما هو أهم، أي الإحاطة طويلة الأمد بالأمنيين
وعائلاتهم في حالة الإضرار بهم. وقد تقدم نواب من "الكتلة الديمقراطية" بمشروع
قانون سنة 2016 يركز على هذا الجانب، وجاء في مقدمته: "ويهدف مشروع القانون
لوضع أحكام تخص إلزام الإدارة بتحمل أجر العون المتوفى وتوابعه لمدة سنة كتعويض
للباقين على قيد الحياة، من ورثة الشهيد وتجنيبهم تعقيدات تسوية الجرايات
التعويضية، كما يهدف لاستثناء شرط ثبوت كفالة الأصول بالنسبة للأعوان الذين ليس
لهم أزواج وأبناء". غير أن الأغلبية الحاكمة تجاهلت عرضه على النقاش، بما
يؤكد أن الهدف ليس العناية بالأمنيين المتضررين وعائلاتهم، بل بالعودة إلى عقلية
الدولة الأمنية.
هذا المفهوم للدولة المتخلفة، وليس لدولة عصرية، يرتبط أيضا بعقلية الأمن الموازي المعبر عن اللوبيات
هذا المفهوم للدولة المتخلفة،
وليس لدولة عصرية، يرتبط أيضا بعقلية الأمن الموازي المعبر عن اللوبيات. وهو الأمر
الذي بصدد التعري في ظل وجود حد أدنى من القضاء المستقل، وآخر مؤشراته أن وزير
الداخلية الأسبق، ناجم الغرسلي، والذي تم ترشيحه الصيف الماضي مجددا من قبل حزب
السبسي، تم إصدار بطاقة إيداع في السجن بحقه اليوم، على خلفية اتهامات تخص توظيفه
الأجهزة الأمنية لمصلحة رجال أعمال و"التآمر على أمن الدولة الداخلي".