بالحملة الأخيرة التي استهدفت الأمراء والوزراء وعدداً كبيراً من رجال الأعمال في السعودية ليلة السبت الرابع من نوفمبر، فان المملكة تكون قد دخلت عصراً جديداً لا يمكن العودة منه الى الوراء؛ إذ أن ما حدث ستكون له انعكاسات على مستقبل البلاد والعباد طوال السنوات والعقود المقبلة.
ما حدث يؤكد بشكل قاطع وجود خلافات حادة داخل الأسرة السعودية الحاكمة، وهذه الخلافات لم يسبق أن وصلت الى درجة اعتقال الأمراء من أبناء العم، فحتى ما قبل سنوات كان أمير سعودي من طرف العائلة قد ارتكب جريمة قتل ولم يتمكن لا القضاء ولا الشرطة ولا أحد في المملكة من اعتقاله، فضلاً عن صدور حكمٍ بإعدامه لم ينفذ أصلاً.. فما يحدث يدل بشكل قاطع على أن الصراع بلغ ذروته داخل العائلة وأن محمد بن سلمان اتخذ قراراً بتصفية خصومه من أبناء العمومة وقطع دابرهم ليتولى السلطة في البلاد سريعاً قبل أن يموت والده وتذهب آماله أدراج الرياح.
ومع ذلك كله، فليست المشكلة في الأزمة التي تشهدها العائلة السعودية والتي لا يعلم إلا الله الى أين ستنتهي والى أين ستقود المملكة، لكن الأزمة الأكبر التي ستكبد البلاد خسائر ستستمر لسنوات هي استهداف كبار رجال الأعمال والأثرياء وأصحاب المليارات في السعودية وإيداعهم السجن، وفي مقدمتهم الأمير الوليد بن طلال الذي يتربع على عرش أثرى أثرياء العالم، إضافة الى رجل الأعمال المعروف صالح كامل ووليد الإبراهيم وحسين العامودي، وغيرهم، وربما تطال الحملة مزيداً من رجال الأعمال والأثرياء مستقبلاً.
تقول وكالة "بلومبيرغ" الأمريكية إن ثروة الوليد بن طلال تتجاوز 19 مليار دولار، بينما سبق أن رفض الوليد هذه التقديرات وقال إن ثروته تزيد عن 25 ملياراً، لكنه على كل الأحوال هو الرجل الأغنى في العالم العربي، وثروته تفوق ضعف حجم الموازنة العامة لبلد عربي بأكمله مثل الأردن أو تونس. أما شركة "المملكة" التي يمتلكها فهي مستثمر مهم في "سيتي بنك" و"أمازون" و"آبل" وعشرات الشركات العالمية الكبرى.
الحملة التي طالت الوليد بن طلال ضربت سعر سهم الشركة فهوى في اليوم الأول لاعتقاله بنسبة 10%، وطالت الحملة ذاتها أيضاً أكبر شركات الاعلام في العالم العربي: أم بي سي وروتانا وإيه آر تي، إضافة الى اعتقال عدد من كبار رجال الأعمال الآخرين، وذلك بعد ساعة واحدة على تأسيس الهيئة التي يُفترض أنها ستُحقق في الفساد، اي أن التحقيقات التي انتهت باعتقال كل هؤلاء استمرت أقل من ستين دقيقة!!
هذه الحملة ستؤدي الى هزة اقتصادية كبيرة في السعودية، تُضاف الى الأزمة الخانقة التي تعيشها المملكة بسبب هبوط أسعار النفط والعجز في الموازنة وحرب اليمن المستمرة منذ ثلاث سنوات بدون جدوى، وهذا يعني أن الوضع الذي كانت عليه المملكة لا يمكن أن تعود له مطلقاً.
السعودية اليوم ليست كما الأمس.. والوضع السابق لا يمكن العودة له لسببين، الأول أن الاقتصاد السعودي، وهو أكبر اقتصاد عربي، يتلقى الضربة تلو الأخرى، وآخرها الحملة على أكبر الشركات والتي ستؤدي بالضرورة الى ركود عميق، لأن كل شركة من هذه الشركات وكل واحد من هؤلاء الأثرياء ترتبط به عشرات الشركات المتوسطة، ومئات الشركات الصغيرة.
أما السبب الثاني، فهو أن ثقة الأمراء ببعضهم البعض اهتزت ولن تعود الى سابق عهدها، فما فعله ابن سلمان بأبناء العم سيعتبرونه "حالة غدر" ولا يمكن بعدها الوثوق، فهو الذي استدرج ابن عمه عبد العزيز بن فهد وأخفاه، وهو الذي اختطف ثلاثة من الأمراء وأخفاهم، والان يشن حملة اعتقالات فيمن تبقى منهم..!!
ما حدث في السعودية مساء السبت يُشكل نقطة فاصلة في تاريخ المملكة، نقطة تحول تاريخية، فلا البلاد يمكن أن تعود الى سالف عهدها، ولا العائلة يمكن أن يلتئم جرحها وتعود الى سابق ازدهارها.
مذبحة الأمراء.. أكذوبة محاربة الفساد