كيف يساهم الفن بمساعدة ضحايا الحروب والصراعات في المهجر؟

نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية تقريرا، تحدثت فيه عن إحياء التراث الحِرفي في الدول التي تمزقها الحروب، وكيف تمكن شاب وشابة من فرنسا وبريطانيا من تسويق الفن الحرفي التقليدي الذي جلبوه من دول أفريقية وآسيوية، في مدينة لندن وعلى شبكة الإنترنت.
 
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن الشابين إدموند لوبران وصديقته فلور دي تيسن قررا افتتاح محل صغير للعرض في أحد أركان شارع بايكر في لندن؛ من أجل مساعدة ضحايا الحروب والحرفيين الذين يعانون من كساد صنعتهم بسبب تدهور السياحة. ويحمل محلهم اسم "إيشكار"، كما يوجد إلى جانبه أيضا متجر إلكتروني يبيع المعروضات ذاتها، وهي قطع حرفية وفنية جلبها المهاجرون من مناطق الصراع حول العالم.

وذكرت الصحيفة أن من بين البضائع التي يتم عرضها في هذا الركن كؤوسا بلورية رائعة لونها أخضر، وتم صنعها بأسلوب يدوي، إلى جانب أحجار كريمة تحمل اللونين الأزرق والفيروزي، وقطع من السجاد العتيق المصنوع في آسيا الوسطى، فضلا عن قماش مصنوع بشكل دقيق من شعر الجمل، بالإضافة إلى أقراط وسكانين أفريقية.

 
وأشارت الصحيفة إلى أن هذين الصديقين، البالغين من العمر 27 سنة، استلهما هذه الفكرة التجارية من أسواق مدينة كابول، التي كانا يعيشان فيها عندما التقيا لأول مرة. آنذاك، كان إدموند يعمل ضمن مؤسسة "تيركواز ماونتن"، وهي منظمة غير حكومية تهدف إلى حفظ وإحياء المباني القديمة والمحلات التجارية في أفغانستان. أما الشابة فلور، فقد ترعرعت في باريس، وكانت تعمل مستشارة لمنظمات إغاثية ناشطة في كابول.
 
ونقلت الصحيفة عن إدموند قولا وضح فيه: "كانت وظيفتي تتمثل في إطلاق مشاريع تجارية حرفية، وإيجاد طرق لإنجاحها وتطويرها، لذلك كنت أعمل عن قرب مع الحرفيين المحليين". وأضاف إدموند أن "الحرفيين الأفغان يتمتعون بمهارات عالية جدا وطاقة كبيرة، وهو أمر مثير للإعجاب بالنظر إلى الظروف التي تمر بها بلادهم. ولكن المشكل يتمثل في قلة الفرص للتواصل مع الأسواق الخارجية؛ لذلك، أنشئ متجر إيشكار في لندن كرد فعل مباشر على هذه المسألة؛ بهدف ربط الصلة بين هؤلاء الحرفيين الموهوبين والناس الذين يملكون المال لشراء منتجاتهم".
 
وذكرت الصحيفة أنه في أواخر سنة 2015 تم الشروع في تجربة هذه الفكرة، حيث طلب الشابان مجموعة من أزرار الأكمام، التي يصنعها الحرفيون في كابول، لبيعها كهدايا في أعياد الميلاد. وقد تفاجأا بسرعة نفاذ الكمية في السوق، فرتبا الأمور لجلب المزيد من الأنواع والكميات، وبيعها عبر المتجر الصغير وعلى شبكة الإنترنت.
 
وأضافت الصحيفة أن الثنائي أيضا كانا في انتظار وصول شحنة تتكون من أربعة آلاف كأس بلوري، وكانا يأملان ألا يتعرض عدد كبير منها للكسر خلال الرحلة المرهقة من كابول إلى لندن، خاصة أن الأواني البلورية تحمل قيمة رمزية كبيرة، وتساعد على إنجاح المشروع.
 
حيال هذا الشأن، أفاد إدموند: "لقد كانت حرفة صناعة البلور منتشرة في أفغانستان منذ حوالي 2000 سنة، إلا أن هذا البلد ظل يعاني من الحرب على مدى أربعين سنة الماضية؛ لذلك لا يوجد أي سائح فيه، ولا توجد سوق محلية لبيع هذه الأشياء بعد إغراق السوق بالبضائع الصينية الرخيصة. ولم يبق من المحلات التقليدية لصنع وبيع البلور سوى محل واحد، وهو الذي نستورد منه هذه المنتجات".
 
وأكدت الصحيفة أن الأرباح التي يجنيها الثنائي من بيع هذه المنتجات المحلية الأفغانية ترسل في شكل مساعدات إلى مؤسسة تيركواز ماونتن الخيرية في كابول. بالإضافة إلى ذلك، يخصص جزء من هذه العائدات إلى عدد من المنظمات غير الحكومية التي تساعد السكان المحليين. في هذا السياق، أورد إدموند: "أعرف أن البعض يشككون في نجاح هذه التجربة وصحة دوافعها، ولكن متجر إيشكار هو فعلا نتاج ثلاث سنوات من التجارب والجهود التي المبذولة في أفغانستان".
 
وأشارت الصحيفة إلى أن المرحلة المقبلة في هذا المشروع تتمثل في جلب منتجات حرفية من مناطق أخرى حول العالم تمزقها الحروب. فمؤخرا، جلب المتجر نماذج من سوريا، لكن الحرب الأهلية هناك تجعل من الصعب معرفة مصدر المنتجات والأشخاص الذين يحصلون فعلا على المال. لهذا السبب، يوجه التركيز الآن نحو بلدان أخرى مثل مالي، التي تعرضت فيها الحرف التقليدية لضرر كبير بسبب الحرب الأهلية منذ سنة 2012.
 
في هذا السياق، قالت فلور إن "الأوضاع في مالي أسوأ من أفغانستان، فقبل الأزمة كانت مدينة تمبكتو تستقبل بين 20 و30 ألف سائح سنويا، وكان الحرفيون يحصلون على دخل جيد يتراوح بين 10 و15 ألف يورو". ونتيجة الحرب تدهورت السياحة، حتى وجد الحرفيون أنفسهم بلا عمل، فاضطر الكثير منهم للانضمام إلى الجماعات المسلحة وعصابات التهريب؛ من أجل إعالة أسرهم.
 
وفي الختام، أورد إدموند أن "هذه المناطق تمتلك تقاليد حرفية ثرية جدا، لكن هذه الكنوز غير معروفة في الدول الغربية، والأشخاص هنا لا يمكنهم الوصول إليها؛ لذلك سوف يسهل محل إيشكار هذه العملية".