قضايا وآراء

ترامب وأرامكو

1300x600

في تغريدة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب على تويتر، السبت الماضي، قال إنه سيقدر كثيرا أن السعوديين سيدرجون شركة أرامكو السعودية في الولايات المتحدة، معتبرا أن هذا مهم للولايات المتحدة.

 وفي هذا الإطار أيضا، ذكر ترامب للصحفيين الأحد الماضي، وهو على متن طائرته متوجها إلى اليابان، أنه يريد من السعودية أن تنظر بجدية إلى سوق نيويورك للتعاملات المالية أو بورصة ناسداك أو إلى أي مكان آخر في الولايات المتحدة. وأضاف: "تحدثت مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز قبل قليل بشأن إدراج أسهم شركة أرامكو في نيويورك"، وأكد أن السعوديين سيدرسون استخدام البورصات الأمريكية. وذكر ترامب أن "هذا أمر مهم للغاية، ونريد أن يكون لدينا كل الكبار".

وهذه التصريحات للرئيس الأمريكي ترامب لا تنفصم عن تصريحات سابقة له، بعد زيارته المملكة العربية السعودية في أيار/ مايو من هذا العام، واقتناص صفقات اقتصادية لصالح الولايات المتحدة تقدر بـ460 مليار دولار، فضلا عما حصل عليه من هدايا وعطايا. ووقتها غرد ترامب عبر تويتر، بكل زهو، بأنه "جنى منها مئات مليارات الدولات، بما سيتيح فرص العمل للأمريكيين".

وقد جاء توجه المملكة بطرح حصة في شركة أرامكو تقدر بنحو 5 في المئة - والمزمع إجراؤها في النصف الثاني من 2018 - للاكتتاب في سوق الأسهم السعودية "تداول" مع الإدراج المزدوج مع بورصة أخرى عالمية، مثل نيويورك أو لندن، في إطار الخطة الاقتصادية "رؤية 2030" التي أطلقها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في 25 نيسان/ أبريل 2016، والتي ذكر صراحة أنها تعتمد على أرامكو كمفتاح أساسي لها، مُستنكرا تقديس أرامكو وكأنها دستور المملكة. وتحدث عن فوائد ذلك التوجه لتطوير الصندوق السيادي السعودي، لتصبح الاستثمارات المصدر الرئيس للدخل، بدلا من إيرادات النفط، متوقعا أن يدير الصندوق استثمارات بأكثر من تريليوني دولار.

وشركة أرامكو تعد أكبر شركة نفط في العالم، وقد شكلت إيراداتها 60 في المئة من ميزانية السعودية العام الماضي. وقد ذكر ولي العهد السعودي أن قيمة الشركة تقدر بـتريليوني دولار، وهذا يعني أن طرح 5 في المئة منها للاكتتاب سيعادل 100 مليار دولار، وهو ما يعنى أيضا أن هذا الطرح سيكون أكبر عملية طرح من نوعها في التاريخ، وإن كان يمثل في الوقت ذاته حصة صغيرة بالنسبة للشركة، فهذه الحصة قابلة للزيادة خلال السنوات القادمة، لتصل إلى 49 في المئة من قيمة أسهم الشركة.

 

 

هذا الطرح له مخاطره. فهو يعرض اقتصاد المملكة للتدخل الخارجي في قطاع حيوي يقوم عليه اقتصادها، فضلا عن التأثير سلبا على العمالة التي غالبيتها من السعوديين

وبغض النظر عن القيمة الحقيقية لشركة أرامكو، لا سيما ما أثير من استقطاع الحكومة السعودية 20 في المئة من إيراداتها على شكل عقد امتياز، فضلا عن ضريبة من صافي الدخل تقدر بـ85 في المئة، فإنه مما لا شك فيه أن طرح تلك النسبة من أرامكو للاكتتاب - وإن كان هذا الطرح يمثل وجهة المسؤولين في المملكة نحو الخصخصة وما سموه بالإصلاح الاقتصادي - فإن هذا الطرح له مخاطره. فهو يعرض اقتصاد المملكة لفتح الباب أمام التدخل الخارجي في قطاع حيوي يقوم عليه اقتصادها، فضلا عن التأثير سلبا على العمالة التي غالبيتها من السعوديين، حيث تمثل العمالة السعودية أكثر من 85 في المئة من العاملين في شركة أرامكو. كما أن حرص محمد بن سلمان على طرح أسهم الشركة في بورصة نيويورك، قد يفتح المجال للتقدم بدعاوي قضائية من قبل ضحايا هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001، بناء على اتهام السعودية بدعم الإرهاب. كما أن الأموال التي سيتم جمعها للاكتتاب لن يعرف أحد على وجه الحقيقة أين ستتجه، في ظل غياب الشفافية والإفصاح. فقد تعرف طريقها للتسليح، ولتصب في جيب الولايات المتحدة الأمريكية مرة أخرى، لا سيما في ظل حرب اليمن، وخلق عدو وهمي للسعودية يستنزف الأمريكان من خلاله ثرواتها؛ اسمه "إيران"، وهو ما يعني أن هذا سيؤثر سلبا على إيرادات الموازنة العامة للدولة؛ باعتبار أن مصدرها الرئيس هو النفط، لا سيما وأن التجارب أتثبت أنه من الصعب تكوين قاعدة إنتاجية وتنويع الاستثمارات في ظل فقدان الحرية وسيادة الدكتاتورية.

 

 

الأموال التي سيتم جمعها للاكتتاب لن يعرف أحد على وجه الحقيقة أين ستتجه، في ظل غياب الشفافية والإفصاح

إن صفقة أرامكو تأتي في سلسلة الصفقات الاقتصادية بغطاء سياسي واضح جلي. فإذا كان سعي الولايات المتحدة لإدراج أسهم أرامكو من خلال إحدى البورصات الأمريكية؛ يهدف للفوز بتلك الصفقة لإنعاش الاقتصاد الأمريكي، فإن المملكة تهدف من وراء هذه الصفقة للمزيد من مغازلة الرئيس الأمريكي، بالوعود المالية لأغراض سياسية وليست اقتصادية، فالسعودية تحتاج الدعم الأمريكي لانتقال السلطة من الملك سلمان لنجله ولي العهد، لا سيما بعد أن اتخذ خطوات باعتقال كل من ظن فيه عدم التأييد لجلوسه على كرسي عرش المملكة، من دعاة ورجال فكر، وأخيرا رجال أعمال وسياسيين من الأسرة الحاكمة نفسها بزعم الفساد، والتي سيكون لها ما بعدها.

 

المملكة تهدف من وراء هذه الصفقة للمزيد من مغازلة الرئيس الأمريكي، بالوعود المالية لأغراض سياسية وليست اقتصادية


ويبدو الجانب السياسي واضحا كذلك، من خلال خلق عدو بمقتضى وبدون مقتضى اسمه "إيران"، تماشيا مع سياسة الرئيس الأمريكي ترامب، لا سيما وأن إيران أصبحت محل جذب شركات النفط والشركات الصناعية العالمية، وتسير في خطواتها النووية، وتعتمد على ذاتها في تلبية حاجتها. كما أن السعودية رفضت مرارا خفض إنتاجها من النفط لتحسين الأسعار.. فمتى ينتهي أهل السياسة والحكم من إخضاع الاقتصاد لأهوائهم، والتضحية بمصالح وموارد الشعوب بحثا عن ملك لا يدوم؟!