تسببت
خسائر النفط في خلق حالة من الارتباك لدى الدول التي تعتمد ميزانياتها بشكل كبير على النفط، فبعضها لجأ إلى تقليص الدعم بل وإلغائه في عدد من الخدمات، مع اتخاذ حزمة من القرارات الصادمة في إطار خطط التحول
الاقتصادي، خاصة بقطاعات "الكهرباء ـ مياه الشرب ـ النقل ـ المدارس ـ الرعاية الصحية"، ناهيك عن ارتفاع معدلات التضخم، واشتعال
الأسعار بنسب مخيفة.
وبين السياسات التقشفية الحادة اقتصاديا، والتفاوت الملحوظ في ارتفاع وانخفاض معدلات التضخم بين الدول، لكن مازالت الأسعار في ارتفاع مستمر، ليشعر الجميع بأن عصر رفاهية المواطن الخليجي قد انتهى مع أول تراجع في أسعار النفط الذي تشكل عائدات بيعه النسبة الأكبر في ميزانيات الدول المنتجة.
آثار صعبة في السعودية
على رأس الدول التي عانت بسبب خسائر النفط تأتي المملكة العربية السعودية أيضاً، لاعتمادها في ميزانياتها علي النفط، الأمر الذي دفعها إلى تقليص الدعم، واعتزامها تخفيض الاعتماد على الإيرادات البترولية، إلى جانب وضع خطة التحول الاقتصادي في إطار رؤية 2030.
ومن هذا المنطلق، أعلنت الرياض في 25 نيسان / أبريل، عن خطة التحول الوطني أو "رؤية 2030"، التي تهدف إلى خصخصة قطاعات إضافية، منها الرعاية الصحية والسفر الجوي، ولأول مرة بات ممكنا تملُّك متاجر للبيع بالتجزئة بالكامل من قبل جهات أجنبية لتوفير مليون وظيفة حتى عام 2020.
كما أوقفت الرياض مشاريع البنية التحتية الجديدة، وشراء أي سيارات أو أثاث أو تجهيزات أخرى، وتجميد جميع التعيينات على جميع الدرجات، وإيقاف صرف أي تعويضات مالية جراء نزع الملكية من المواطنين، وفك الارتباط للعقارات التي لا توجد حاجة ماسة لنزع ملكيتها، إلى جانب منع إبرام أي عقود استئجار المباني التي سبق الإعلان عن استئجارها.
أيضا لجأت المملكة السعودية إلى رفع الدعم عن البنزين، لتوفير ما يقارب من 30 مليار ريال سنويا، حيث إن تغيير أسعار الوقود أمر من شأنه دعم الاقتصاد المتراجع جراء انخفاض أسعار النفط، فضلا عن دوره البارز في ترشيد الاستهلاك الذي وصل إلى مرحلة مرتفعة.
ودفعت الخسائر أيضا السعدية إلى الاتجاه نحو خفض عدد الوزارات من 18 إلى 10 وزارات فقط، بالإضافة إلى زيادة مساهمة المرأة في قوة العمل وتحسين الاستفادة من الرعاية الصحية وتطوير اقتصاد رقمي، ناهيك أنها شرعت في تخفيضات الإنفاق وزيادات في الضرائب لتقليص العجز في الموازنة، الذي سجل مستوى قياسيا بلغ 98 مليار دولار في 2015، إلى الصفر بحلول 2020.
الكويت نحو مزيد من العجز
لم تكن المملكة السعودية وحدها التي دفعت ثمن خسائر النفط، حيث تجاوزت نسبة العجز في دولة الكويت جميع التوقعات، خاصة أن العجز المقدر الذي أعلنته الحكومة في مشروع موازنة 2017/2016، بلغ نحو 12.2 مليار دينار "40.2 مليار دولار"، وهو الرقم الأكبر في تاريخ الكويت، أي نحو 64% من المصروفات المقدرة، كما تنخفض الإيرادات إلى 24 مليار دولار، وستغطي 71% من إجمالي المرتبات البالغة قيمتها 34.2 مليار دولار.
ذلك كان كفيلا بأن تعتزم الحكومة الكويتية ترشيد الدعم، والاستثمار في قطاع الأعمال الصغيرة والمتوسطة، وفتح المجال أمام القطاع الخاص، فضلا عن مراجعة آليات تسعير السلع والخدمات العامة، التي يقدم معظمها مجاناً أو بأسعار تقل بنسبة كبيرة عن تكلفتها الحقيقية.
إلي جانب مراجعة شاملة للرسوم التي تتقاضاها الدولة مقابل الخدمات التي تقدمها، والأراضي التي تؤجرها، وكذلك إدخال الضرائب على أرباح الشركات التي يقتصر تطبيقها حالياً على الشركات الأجنبية، لتمتد أيضاً إلى الشركات الوطنية، وربط معدلات الضريبة على أرباح الشركات، بمدى النجاح في إعادة تخصيص الاستثمارات الخاصة، لمصلحة الأنشطة غير النفطية، وفرض بعض أشكال الضرائب غير المباشرة على الاستهلاك أو المبيعات، ووضع رسوم على استخدام بعض الطرق الرئيسة تتم حمايتها إلكترونياً.
الأسعار تشتعل في الإمارات
في الإمارات، تشير الأرقام الرسمية إلى ارتفاع أسعار مجموعة خدمات الصحة إلى نسبة 5.2% مقارنة بشهر تموز / يوليو، وارتفعت أسعار مجموعة خدمات التعليم بنسبة 4.7%، وارتفاع أسعار مجموعة الفنادق بنسبة 1.7% والتبغ بنسبة 1.2%.
واتجهت الحكومة الإماراتية إلى عدة إجراءات لتنويع اقتصادها وتحقيق الاستدامة، وإجراء تغيير في سلوك استخدام وسائل النقل، وتشجيع المواطنين على استخدام وسائل النقل العام بعدما رفعت أسعار المحروقات.
البحرين تقلص الدعم
أيضا اتخذت البحرين قرارات اقتصادية تشمل رفع الدعم عن الخدمات الرئيسية مثل الكهرباء والماء والمواد البترولية، حيث ارتفعت أسعار الوقود بنسبة تقترب من 40%، في ظل خطة إصلاح اقتصادي تمتد على مدار 4 أعوام.
كما قامت قطر برفع أسعار البنزين بنسبة تتراوح بين 30 -40%، بعد انخفاض أسعار النفط العالمية إلى أدنى مستوى لها، فضلا عن قيام سلطنة عمان بزيادة أسعار البنزين بنسبة تقترب من 20%، وهي النسبة الأقل مقارنة بغيرها من الدول النفطية.
نسب التضخم ترتفع
ورغم الإجراءات الخليجية لكن مازالت معدلات التضخم في ارتفاع مستمر، حيث سجلت السعودية ثاني أعلى معدل تضخم بنسبة 2.3%، بينما سجلت الكويت أعلى معدلات التضخم حيث ارتفع المستوى العام للأسعار بنسبة 3.4%، ثم قطر بنسبة 2.0%، ثم البحرين والإمارات وعُمان بنسبة 1.9% في كل منها.