السعودية مصابة بهوسيْن، هما هوس التحالف مع الصهاينة، وهوس معاداة إيران، وهي تظن أن هذين الهوسين سيضعانها على قمة قيادة الوطن العربي.
وإذا تفحصنا وثيقة عادل الجبير حول إيران وحزب الله، والتي نشرتها جريدة الأخبار اللبنانية حول حل القضية الفلسطينية، لوجدنا أن الجبير يظن أن وجود الحرمين الشريفين في الحجاز يساعد السعودية على إقامة خيمة القيادة، ليس للعرب فقط، وإنما للمسلمين أيضا.
وما من شك أن السعودية تظن أن أموالها تشكل عنصر جذب واستعباد للآخرين. ورؤيتها تقول، كما أسمع عبر وسائل إعلامها، أن هذا العالم منافق، والعديد من الشعوب والدول يمكن أن تطيع مقابل المال.
هناك مقومات للقيادة في الساحتين العربية والإسلامية، ومن ضمنها المال. ظن المملكة السعودية بأن المال يجذب المتهالكين؛ صحيح، لكن ما نفع المتهالكين للسعودية أو لأي دولة أخرى؟ المنافق لا يُعتمد عليه، والرخيص الذي يبيع نفسه بالمال يمكن أن يدير ظهره بسهولة لمشتر آخر يدفع ثمنا أعلى.
أما أرض الحجاز، فمقدسة لدى المسلمين وقلوب الملايين تهوي إليها، لكن هل سأل الجبير نفسه كم من الملايين لا ترغب بأداء فريضة الحج بسبب وجود الحجاز تحت الحكم السعودي؟ وهل كل من أمّ مكة أصبح تحت عباءة القيادة السعودية؟
هناك معايير عدة على من يتطلع إلى قيادة الوطن العربي أن يتمسك بها، وعلى رأسها الالتزام بالقضية الفلسطينية والتمسك بالحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني.. لا يمكن لعربي أن يتقدم الصفوف إذا كان من المتصهينين الذين يفاوضون الصهاينة ويطبّعون معهم، ويقيمون معهم علاقات من أي شكل كانت.
ولنا نحن تجارب في هذا المجال: انهارت أسهم جمال عبد الناصر عام 1970 عندما قبل مبادرة روجرز الأمريكية. لم يكن عبد الناصر حينها قد تحدث مع الصهاينة، ولم يصافحهم، ولم يأت نحو طرف منهم، لكن ملايين العرب أشاحوا وجوههم عنه؛ على اعتبار أن قبول مبادرات من شأنها القبول بالصهاينة في المنطقة يشكل خيانة لقضية العرب الأولى. وبالرغم من قدرة عبد الناصر على جمع كلمة العرب، والتأثير بسياسات الأنظمة العربية، إلا أن جماهير العرب لم تقبل ما قبله، والذي كان مقدمة لقبول الصهاينة في المنطقة العربية.
فقدت مصر هيبتها العربية منذ أن التقى رئيس الأركان المصري رئيس أركان الصهاينة، عند الكيلومتر 101 في سيناء، وصافحه. انهارت القيادة المصرية للعرب حينها، وما زالت مصر حتى الآن غير قادرة على قيادة العرب. صحيح أننا نقول إن مصر هي كبيرة الأمة العربية وهي القيادة، لكن هذا مجرد كلام إعلامي لا يعبر عن حقيقة الأمر في الشارع العربي. ولم تتوقف مصر عند المصافحة، بل قام رئيس مصر بزيارة القدس المحتلة، وفتح باب المفاوضات واسعا.
ولم تحصل مصر، بالاتفاقيات مع الصهاينة، إلا على انسحاب جزئي من سيناء، وبقي السواد الأعظم من شبه الجزيرة تحت الحكم الذاتي المصري، ولا تستطيع مصر الآن إدخال سلاح إلى سيناء إلا بإذن صهيوني.
ويبدو أن مصر لم تدرك بعد أن تكاليف الصهينة أكثر من تكاليف المواجهة. لقد ربطت مصر نفسها بالكيان الصهيوني، ولم تعد مقنعة بالنسبة للعرب. وكلما ظهر اسم مصر على أنها حامية الحمى، يتساءل الناس عن قدراتها ورغباتها وعلم الصهاينة يرفرف فوق القاهرة. مصر لم تعد قادرة على قيادة الأمة والعمل على مواجهة التحديات؛ لأنها في النهاية تضع حسابات الصهاينة بالاعتبار، وحساباتهم لا يمكن أن تكون في صالح الأمة.
وحتى سوريا التي ما زالت تقول إنها مع تحرير فلسطين، لم تستطع المحافظة على صورتها العربية الوحدوية بعد حضورها مؤتمر مدريد، وخضوع وزير خارجيتها للضغط الأمريكي في قبول مقابلة مع الإعلام الصهيوني. وسوريا لم تكن مقنعة للأمة العربية؛ وهي تقول بعد كل هجوم صهيوني على نقاطها بأنها سترد في الزمان والمكان المناسبين. ولهذا كان من المستبعد أن تتطور القيادة السورية إلى قيادة الأمة العربية.
الصهينة لم تنجّ بعض الفلسطينيين الذين قرروا البحث عن حل سلمي مع الكيان الصهيوني. لقد أفقدت القيادة الفلسطينية القضية الفلسطينية وهجها ومكانتها؛ عندما اعترفت بالكيان عام 1988، وأدت إلى تدمير مكانة القضية بعد توقيع اتفاق أوسلو الذي حول فلسطينيين إلى جنود يدافعون عن أمن الكيان الصهيوني.
الصهينة هي مقبرة القيادات، لكنها لا تميت القضية الفلسطينية. لا شك أنها تؤثر سلبا على جهود المقاومة واسترداد الحقوق، لكن القضية لن تغيب؛ لأن هناك أمة تدعم شعبا لن يغفل عن حقوقه.
بعد كل تجارب المتصهينين؛ تطل علينا السعودية بجري سريع نحو أحضان الكيان الصهيوني. وفي ذات الوقت، توجه سهامها ضد إيران وحزب الله. الصهينة لم تنفع من سبقوا في استرضاء الصهاينة، ولن تنفع السعوديين الآن، بخاصة أن الصهاينة لا يحترمون أنظمة الخليج. المتصهينون عملاء الأعداء، والعملاء يجدون من يؤيدهم، لكن الأمة تلفظهم والتاريخ.
فإذا كانت السعودية تظن أن مفتاح البوابة لقيادة العرب موجود في تل أبيب، فهي ليست مجرد واهمة، وإنما في غاية السذاجة. وهي في وهم وسذاجة أعمق إذا ظنت أنها ستجند الصهاينة لشن حرب على إيران وحزب الله. لقد شنوا حربا على حزب الله وفشلوا، والصهاينة لم يتعافوا من ذلك الفشل بعد، ولن يتعافوا لأن حزب الله ليس نظاما عربيا عفنا يتلهى بالترهات وتوافه الأمور والشهوات. عيون حزب الله وآذانه مفتوحة دائماً، وسواعده لا تكل ولا تمل من العمل والاستعداد.
من المفروض أن السعودية أضحت على يقين بأن أعداء الأمة هم الصهاينة ومن والاهم ووقع معهم، وليس إيران. إيران هي التي سلحت المقاومتين اللبنانية والفلسطينية، في الوقت الذي كانت أنظمة عربية تتآمر مع الصهاينة للقضاء على المقاومتين، وبهذا السلاح انتصرت المقاومتان القادمتان، والأفضل دائما ألا نجر المنطقة إلى حروب، وإنما أن نبحث عن حلول ترضينا وترضي جيراننا المسلمين.
حكاية التقارب السعودي الإسرائيلي
في المفاضلة بين "إسرائيل" وحزب الله!