نشر موقع "بلومبيرغ" تقريرا لكل من هنري ماير ونفيسة سيد، يقولان فيه إن المنتصر هو في العادة من يعقد مؤتمرات السلام لتكريس مكتسباته، وهذا ما تحاول كل من روسيا وإيران فعله في سوريا، مشيرين إلى أن الرقم المجهول في حساباتهما هو أمريكا.
ويكشف التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، عن أن القوات الأمريكية في سوريا، الموجودة هناك لمحاربة تنظيم الدولة، لن ترحل الآن بعد أن هزمت المجموعة الجهادية تقريبا، بل هي باقية، مستدركا بأنه ليس واضحا ما هو الدور الذي ستؤديه تلك القوات في الصراع السوري الأوسع الذي وصل إلى نهايته، حيث أصبحت واشنطن في وضع لم تعتد عليه، فهي تراقب من الخارج في الوقت الذي يحاول فيه منافسوها وبعض حلفائها التعاون على خطة سلام.
ويقول الكاتبان إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يسعى للاتفاق على الخطوط العريضة للخطة، عندما يستضيف نظيريه الإيراني والتركي في منتجع سوتشي على البحر الأسود يوم الأربعاء، مشيرين إلى أن بعض العناصر واضحة، مثل بقاء بشار الأسد في الحكم، وغيرها مختلف عليها، مثل مستقبل أكراد سوريا، وهم الحلفاء الوحيدون لأمريكا على الأرض، لكن أنقرة وطهران لا تثقان بهم.
ويبين الموقع أنه "بعيدا عن نلك التفاصيل، فإن هناك صورة أكبر بدأت بالظهور، وهي أن أمريكا ألقت بسهمها مع السعودية وإسرائيل ضد إيران، ويقف ضد هذا التحالف الغريب تحالف يزداد قوة للقوى المجتمعة في سوتشي، وعندما يتعلق الأمر بتخطيط التسوية التي ستغير وجه الشرق الأوسط، فإن هذا التحالف يمتلك معظم أوراق القوة".
وينقل التقرير عن الزميل في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن إميل هوكاييم، قوله: "مستقبل سوريا هو في يد الثلاثي، إنهم الأكثر سيطرة في الميدان، وهم الأكثر سيطرة من ناحية دبلوماسية، أما أمريكا بالمقارنة فهي في حالة ضياع استراتيجي".
ويشير الكاتبان إلى أن الحرب السورية قتلت حوالي 400 ألف شخص، وتسببت بنزوح الملايين، حيث تلوم أمريكا وحلفاؤها الأسد لمعظم المذابح، لافتين إلى قول وزير الدفاع جيمس ماتيس الأسبوع الماضي، إن القوات الأمريكية ستبقى موجودة، وأضاف: "لن نترك المشهد ونمشي الآن"، مشيرا إلى الحاجة للتأكد من التقدم نحو سلام قابل للاستمرار.
ويعلق الموقع قائلا بأن "ذلك فهم على أنه مؤشر لموازنة الوجود الإيراني، في الوقت الذي كان فيه تدخل بوتين عام 2015 نقطة تحول بالنسبة للأسد، كما أدى المقاتلون الإيرانيون دورا رئيسيا في استعادة رئيس النظام السوري للمناطق التي سيطر عليها الجهاديون والقوات المدعومة أمريكيا، حيث يقلق شبح مد إيران لنفوذها على سوريا كلا من السعودية وإسرائيل، اللتين تريان فيها أكبر تهديد، فلجأتا إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي قال عن إيران إنها أكبر داعم للإرهاب في العالم".
ويورد التقرير نقلا عن المتحدث باسم وزارة الدفاع إريك باهون، قوله إن أمريكا تدرس طرقا لمقاومة النفوذ الإيراني في المنطقة، مشيرا إلى أن هناك الكثير الذي يمكن فعلة ضد تنظيم الدولة أيضا، وبحسب ما قاله باهون في مقابلة له يوم الاثنين، فإن الجهاديين لا يزالون يسيطرون على مساحات من الأرض، وحتى المناطق التي خرجوا منها على يد الأكراد الذين تدعمهم أمريكا، فهناك حاجة "لنقل الحكم المحلي للسكان، وإنشاء البنى التحتية لضمان عودة السكان إلى بيوتهم، ولخلق الظروف الأمنية التي تمنع تنظيم الدولة من السيطرة ثانية".
وأضاف باهون أن أمريكا تدرس "نواحي أخرى" أيضا؛ لتقويض النفوذ الإيراني، بما في ذلك في سوريا "وسنعمل مع الحلفاء للضغط على النظام الإيراني، وإبطال آثاره المزعزعة للاستقرار، وتقييد مدى استخدامها لقوتها العدائية.. ولا أستطيع التفصيل أكثر من ذلك".
ويلفت الكاتبان إلى أن إسرائيل تخشى من تهديد حزب الله، الذي تدعمه إيران بالقرب من حدودها، في الوقت الذي ترى فيه السعودية، القوة السنية، منافستها الشيعية، إيران، تتقدم إقليميا، مستدركين بأنه مع ذلك فكلا البلدين أبقيا على القنوات مفتوحة مع موسكو، كونهما مدركين تنامي نفوذ بوتين في الشرق الأوسط.
ويقول الموقع: "لن يكون السعوديون في سوتشي، لكنهم رتبوا للقاء آخر هذا الأسبوع، يمكن له أن يدعم الأجندة الروسية، حيث يستضيفون حركات المعارضة السورية، وضغطوا نحو اندماج أكبر مجموعة مع مجموعتين أصغر لكنها أقل عدوانية للأسد، وقام رئيس المجموعة الرئيسية رياض حجاب بالاستقالة بشكل مفاجئ يوم الاثنين، دون أن يعطي توضيحا لذلك، وكان حجاب معارضا لدبلوماسية بوتين، ومغادرته قد تفتح الطريق أمام معارضة سورية موحدة يمكنها الذهاب إلى مؤتمر سلام برعاية روسيا في سوتشي، ومن ثم إلى مباحثات السلام في جنيف برعاية الأمم المتحدة".
وينقل التقرير عن المحلل السياسي المقيم في الإمارات عبد الخالق عبدالله، قوله: "على روسيا وأمريكا والجميع أن يقدروا بأن السعودية تقوم بعملية شبه مستحيلة في محاولتها توحيد المعارضة السورية المجزأة".
ويقول الكاتبان إنه "مثل السعوديين، كانت تركيا في معسكر (على الأسد أن يرحل) خلال معظم فترة الحرب، لكنها تبدو الآن مع الخطة الروسية إلى حد كبير، وتحول تركيز تركيا إلى الأكراد السوريين، الذين تنظر لهم على أنهم إرهابيون مرتبطون بالانفصاليين الأكراد في تركيا، ودعم أمريكا للمقاتلين الأكراد الذين يسيطرون على مساحات كبيرة في شمال سوريا أغضب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشكل كبير".
وينوه الموقع إلى أن المتحدث باسم أردوغان، إبراهيم كالين، هاجم أمريكا في تعليق له مؤخرا، واتهمها بالبحث عن "أسباب جديدة" للحفاظ على تحالفها العسكري مع الأكراد، وقالت افتتاحية صحيفة "صباح"، وهي أكبر الصحف المؤيدة للحكومة، إن روسيا وإيران لديهما سياسات "أقوى" من أمريكا، و"يجب أن تكونا مركز الإجراءات التي تريد تركيا أن تطبق من الآن فصاعدا". وكان رئيس أركان الجيش الإيراني قد قام بزيارة نادرة لمدة ثلاثة أيام لتركيا في آب/ أغسطس.
ويذكر التقرير أن الجيش التركي، الذي هو جزء من تحالف الناتو، قد اشتبك مع الأكراد المحالفين لأمريكا، ويهدد بهجوم أكبر، بالإضافة إلى أن العراق، حيث تتصارع أمريكا وإيران على النفوذ، معاد للأكراد أيضا، ويتعاون مع قوات الأسد في المناطق الحدودية الاستراتيجية.
وينقل الكاتبان عن الخبيرة في الشرق الأوسط في المعهد الروسي للشؤون الاستراتيجية، الذي يقدم الاستشارة للكرملين، إلينا سوبونينا، قولها إن "هذا خلل في تحالف سوتشي، وهناك أرضية مشتركة بين روسيا وأمريكا، حيث يتفق بوتين، الذي تحدث مع ترامب يوم الثلاثاء، على أن الأكراد (أظهروا فعالية في مكافحتهم الإرهاب)".
ويذهب الموقع إلى أن "روسيا لم تفقد الأمل في التعاون مع أمريكا بخصوص سوريا لنزع فتيل مواجهة مع غريم الحرب الباردة السابق، لكن التنافس هو الاحتمال الأقوى، كما قالت سوبونينا بسبب (المعركة التي تلوح في الأفق حول مناطق النفوذ.. فروسيا تسعى لإبقاء سيطرة الأسد على البلد كلها، في الوقت الذي تسعى فيه أمريكا لإبقاء بعض المناطق تحت حمايتها)".
ويشير التقرير إلى أن هناك حاليا 503 جنود أمريكيين في سوريا، لكن "هناك محاذير كثيرة تتعلق بذلك"، بحسب المتحدث باسم البنتاغون، باهون، الذي قال: "إن هذا الرقم لا يتضمن القوات المؤقتة التي تقوم بمهمات محددة أو الوحدات التي تتحول دخولا أو خروجا".
ويورد الكاتبان نقلا عن ترامب، قوله لحلفائه في سعيه لبناء تحالف ضد إيران، إنه سيكون أقسى من سلفه الذي كانوا ينظرون إليه على أنه ضعيف، مشيرين إلى أن البعض، مثل السعوديين، يطمئنون لرؤية "جنود على الأرض"، بحسب المحلل من الإمارات عبدالله.
وبحسب الموقع، فإن الرئيس الأمريكي وعد في حملته تجنب الوقوع في صراعات صعبة، وليكون فعالا، يجب على إدارته البقاء في سوريا "لسنوات وسنوات"؛ لمساعدة الحلفاء الأكراد على إقامة منطقة حكم ذاتي، بحسب السفير الأمريكي السابق لسوريا والزميل في جامعة ييل وفي معهد الشرق الأوسط في واشنطن روبرت فورد.
ويختم "بلومبيرغ" تقريره بالإشارة إلى أن هذا ما حصل في العراق بعد حرب الخليج عام 1991، حيث قال فورد: "أنا شخصيا لا أظن أن الأمريكيين سيبقون لفترة طويلة.. وهذا يعكس كم هو قليل نفوذ أمريكا في سوريا".
ديلي بيست: بوتين يكوّن تحالفا مؤيدا للأسد.. ماذا عن واشنطن؟
ترامب يكشف للروس تفاصيل عملية سرية نفذها الموساد بسوريا
التايمز: بوتين ينسب الانتصار على تنظيم الدولة لنفسه