قضايا وآراء

منصور فهمي.. مؤمن بعد إلحاد!!

1300x600
ذكرت في مقالي السابق؛ أن عددا ممن ألحدوا عن طريق العلم والفكر انتهى بهم الأمر إلى إيمانهم بالله بعد إلحادهم، ووعدت بالكتابة عن هذه النماذج. ففي كل شخصية منهم – غالبا – سبب غير الآخر؛ أدى به إلى الإلحاد، وكذلك سبب إيمانه، ومن هؤلاء: الدكتور منصور فهمي، الذي ذهب في بعثة إلى فرنسا لنيل درجة الدكتوراه، ونالها فعلا بأطروحة بعنوان: "أحوال المرأة في الإسلام"، وتناول في كتابه، بتطاول شديد، أمهات المؤمنين، وكان جل تطاوله على مقام النبي صلى الله عليه وسلم، واصفا إياه باتباع نزواته وشهواته، وأنه شرع القوانين للناس فقط، بينما لم يلتزم بها، وأن التشريعات كان يشرعها صلى الله عليه وسلم لأجل عائشة رضي الله عنها؛ وضعفا منه أمامها. ثم كان من عباراته المسيئة للإسلام قوله:"على الرغم من أن الإسلام أعطى للمرأة شخصية خاصة بها، إلا أننا نؤكد أن المرأة بعد الإسلام وُجدت في وضع أكثر دونية عما كانت عليه قبل الإسلام" (ص: 103 - 104 من كتابه).

وتناهى للصحف خبر ما كتبه منصور فهمي، وهاجت الدنيا عليه، وما كتبه جدير بإهاجة مشاعر الناس، وأدى ذلك إلى عقد مجلس تأديب له، أدى إلى إبعاده عن التدريس في الجامعة المصرية، ثم عاد بعد ذلك للجامعة، ثم اهتدى منصور فهمي لإعادة البحث في معتقداته ونظرته في الإسلام، وكان لذلك قصة حكاها بنفسه، وحكاها عنه العلامة الراحل الشيخ محمد أبو زهرة، وقد كتبها في نعيه، فقال: 

"لقد ذاكرْناه مرة: كيفَ دخلَ الإيمانُ قلبَك؟ فقال: لقد ابتلاني اللهُ بالانحرافِ الذي سمَّيْته رِدّة، ولكنَّ اللهَ الذي اختبرني بالانحراف، هداني بالإيمان. ولقد كان انحرافي فكرياً، ثم اشتدَّت بي اللَّجَاجةُ عندما رُميتُ بالكفر، واستمرَرْتُ على ذلك حتى لقيتُ المرحومَ الشيخَ الأكبرَ حسُّونةَ النَّواوي، زرتُه في منزِلِه في سنةِ 1925، فوجدتُ شيخاً وقوراً يملأ القلبَ بمَهَابتِه وتقواه، وكنت أسمعُ الكثيرَ عن شجاعتِه وهمِّتِه واستهانتِه بشؤونِ الدنيا، فلمّا قدمْت إليه قالَ لي: أأنتَ الذي يُقالُ عنك مُلْحِد؟ فقلت: نعمْ يا مولاي، فربتَ على كَتِفيّ، وقال لي: اقرأ القرآن، واقرأ البخاري، إنْ لم تكنْ قرأتَه، فوعَدْتُ الشيخَ الوقورَ بذلك.

ولما خرجْتُ اسْتَحْييْتُ ألّا أَفيَ بعهدي، فَعَـكَفْتُ من بعدِ ذلك على قراءةِ البُخاريّ، وعَجِبْتُ لِغَفْلتي الأُولى، وَجَدتُ حِكَماً ونَظْماً، وأخذتُ أقارِنُ ذلك بما دَرَسْتُ من فلسفة، فوجدتُ ما جاء به محمدٌ صلى الله عليه وسلم أعلى من كلِّ فلسفة، وأنَّ الإلهامَ الإلهيَّ يبدو في كلِّ حديث، فلم أجِدْ إلّا أنْ أقول: أشهدُ أنْ لا إلهَ إلّا الله، محمدٌ رسولُ الله، تُـبْتُ إلى الله، ورَجَعْتُ إلى الله".

لقد كان رفق شيخ الأزهر بالشاب الملحد ودعوته لأن يقرأ مصادر الإسلام الصحيحة؛ سببا للبحث، واكتشافه الأخطاء التي وقع فيها، وقد كان سببها أستاذه في الدكتوراه، وهو يهودي فكرته عن الإسلام مشوهة، فتلقى التلميذ من أستاذه، وسار على نهجه. ولكن بعد نصح الشيخ له، عاد وقرأ، واكتشف أخطاءه، وانطلق منصور فهمي الملحد سابقا، والمؤمن بالله إيمانا كبيرا، يعلن بكل شجاعة وفي كل موطن عن تراجعه عن أفكاره، فيحاضر ويكتب عن الإسلام وعظمته، بل قام بإصدار مجلة سماها "الأمانة"، صدرت منها خمسة أعداد، استكتب فيها رموز الكتابة الإسلامية وقتها، وكان على رأس كتابها: عباس محمود العقاد، وحسن البنا، وغيرهما، وظل يكتب في مجلة "لواء الإسلام"، ويحضر ندوتها الشهرية التي كانت تناقش أهم القضايا الإسلامية، بحضور عمالقة الفكر والفقه الإسلامي وقتها.

العجيب أن الرجل تراجع عن أفكاره وإلحاده، وأعلن ذلك بشجاعة، وظل كتابه "أحوال المرأة في الإسلام" باللغة الفرنسية ولم يترجم، ثم قامت دار "منشورات الجمل" بنشره مترجما. وقد ترجمته: رفيدة مقدادي، وراجعه: هاشم صالح، وكتب خاتمته: محمد حربي، ولم يكن لديهم أمانة علمية للأسف، فلم يُذكر حرف واحد عن تراجع الرجل، بل كتب محمد حربي في الخاتمة يدّعي على الرجل عدم التراجع. أي أنه لا يوجد إلا منصور فهمي الملحد فقط، أما المؤمن الممتلئ إيمانا بربه، ودفاعا عن رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فقد تم اعتبار الرجل حيا حتى عام 1925 سنة توبته، رغم أنه مات سنة 1959م، أي بعد توبته بـ34 سنة. فرحم الله منصور فهمي الذي آمن بعد إلحاد نتج عن جهله بدينه.